بسم الله أستعين، وأحمده وأثني عليه الخير كله، وصلى الله على محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
وبعد
سألني أحد الجهميَّة عن رواية في صحيح البخاري فيها (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ)
فهل هذه الرواية على ظاهرها عندكم؟ أم تؤولونها؟ فإذا قلتم على ظاهرها؛ أثبتم ان الله ليس عى العرش، وإذا أولتموها؛ فعليكم كذلك أن تحرفوا القرآن والأحاديث الصحاح -مثلنا- وتنفوا أن الله على عرشه. |
الجواب:
الحمد لله
من المعلوم أن الجهميَّة بكل مكوناتها يرُدُّون الصحيح بالتحريف، ويستمسكون بالمتشابه، ومِن ذلك: هذا الحديث الذي بين أيدينا، فهذه اللفظة التي في الرواية (ربه بينه وبين القبلة) جاءت مشكوك فيها، ففي الرواية (فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ) فتمسك الجهمية بالمشكوك به وأعرضوا عن الكتاب والسنَّة الصحيحة، نسأل الله العافية.
فهذه اللفظة فيها علتان:
الأولى: خروجها مخرج الشَّكِّ (فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ) فلم يتبيَّن راويها -وهو حميد- أي الكلام قاله رسول الله ﷺ، وقد صرح هو بذلك، ففي تاريخ ابن شبَّة (ج1ص22): حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ، (الحديث) قَالَ حُمَيْدٌ: – (لَا أَدْرِي أَيَّهَا قَالَ) وهذه العلة تقدح بالاحتجاج بها، فضلا عن رد القرآن والسنة لأجلها.
العلة الثانية: مخالفة هذه اللفظة للروايات الأصح، والتي لم ترو مشكوكًا بها.
فقد روى أحمد ابن حنبل هذه الرواية في مسنده برقم (١٣٠٦٦) قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ،عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، مرفوعا، وفيه: (فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّه فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ)
ورواها مسلم (٥٥١) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ) وليس فيها هذه اللفظة.
ورواها البخاري بعد الرواية السالفة برقم (406) عن ابن عمر مرفوعا وفيها: (فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى)
فاللفظة غير ثابتة ولا حاجة للنظر في ظاهرها ولا تأويلها.
والحمد لله أولا وآخرا.