بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
قال ربنا تبارك وتعالى: {{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}}.
فهؤلاء تسعة أشخاص حين أشاعوا الفساد تسببوا في هلاك أهل بلدهم جميعًا، إلا شعيب والذين آمنوا معه فنجاهم الله تعالى، أما أهل المدينة حين رضوا بالفساد استحقوا به العذاب، وذلك لأن الله تعالى استثنى من عذابه العام من نهى عن السّوء، فقال: {{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}} فالعذاب ينزل على المباشر للمعصية، والراضي بها، والساكت عنها جميعا.
وسألت زينب بنت جحش رسول الله ﷺ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قال: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ» رواه البخاري (3346) ومسلم (2880).
وإننا اليوم نرى بعض بلاد المسلمين بعدٌ عن شرع الله تعالى، ومحاولات للسير بها في طريق الإنحلال، والعلمانيّة، وهذا هو طريق الهلاك، وقد قال ربنا المجيد: {{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}} أي يسّرنا لهم من يأمرهم بالتزام شرع الله، لكنتهم لم يأتمروا {{فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}}، وفي قراءة {{ءأمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}} أي كثّرناهم، فلم يعد حجة للساكتين أنهم ساكتون لعدم انتشار المعصية، وفي قراءة شاذّة {{أمّرنا}} أي جعلناهم أمراء عليها، فنشروا فيها الفساد.
وإن واجي الحاكم الأوّل هو إقامة شرع الله تعالى، فالله تعالى ما أنزل شرعه وما انزل كلامه ليُترك، بل ليُحكَّم في أرضه، فإن أعرضوا عن شرع الله ودين الأنبياء فهذا نذير هلاك لهم ولبلادهم، فقد أخبر ربنا العزيز قائلًا: {{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}} وكفر نعمة الله تعالى يكون بترك شرعه، فقد قال بعدها {{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}}، فالأمن والأمان الذي تتغنّى به بعض الدّول، وتبحث عنه أخرى، ونرجو أن نراه في جميع بلادنا، ونخشى على البلاد الآمنة من زواله؛ إنّما هو بطاعة الله، واتّباع الرّسل، فالله ضرب المثل بالقرية الآمنة المطمئنة، التي يأتيها رزقها من كل مكان، أذاقها الله لباس الجوع والخوف، واجتماع الجوع والخوف غالبًا ما يكون بالفتن الدّاخليّة، والحروب الخارجيّة، وهذا كان بسبب صنيعهم وبعدهم عن شرع رب العالمين.
فالواجب على الحاكم والمحكوم أن يلتزموا بشرع الله تعالى، ويقفوا عند حدوده، وقد قال: {{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}}، فالله تعالى لم يجعل الاختيار لا لحاكم، ولا لمحكوم، ولا لإنس، ولا لجنٍ. إذا قضى أمرًا فليس لأحد ان يقول لا، بل على الجميع أن ينصاع لأمره، وبهذا تٌنصر الدّول، وليس كما ظنّ البعض أن نجاتهم تكون في البعد عن أمر الله وبعلمنة الدّولة وبطاعة الأوامر الخارجية، وهذا والله لن ينفعهم، بل هو نذير دمار وهلاك كما ذكرنا، وإنما من أراد القوّة فالقوّة تستمدّ من الله الذي قال :{{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}}، وإن أرادوا النّصر فإن ذلك يكون مع التزام شرع الله العظيم القائل: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}}.
وأقول للناس ما قال ربي: {{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ }}، وقال {{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}}، وقال: {{فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى}}، وقال: {{وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}}، وقال: {{وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}}. وأختم بقول الرجل الصّالح الذي ذكره الله: {{يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}}.
والحمد لله رب العالمين.