بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وببعد:
بالنسبة للقرآن الكريم من أنكر منه أي حرف، كفّره النّاس قاطبة ونفروا من قوله، أما السنّة فالمستقر عند النّاس أن منها الصحيح والضّعيف، وفوق ذلك فإنّ الكثير من الأحاديث المشتهرة عند النّاس أحاديث ضعيفة وموضوعة مثل: (صوموا تصحّوا) و (الجنّة تحت أقدام الأمّهات) و(أنا ابن الذبيحين) وغيرها من أحاديث كان الناس يظنون أنها صحيحة، وصُدموا لاحقا حين عرفوا بضعفها أو بكونها كذب، فأصبح عندهم نوع من التّقبّل لفكرة تضعيف الحديث.
كما أن هُناك عصابات اليوم يعملون جاهدين على أكاذيب يخترعونها وينسبونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو يأتون بها من كتب الموضوعات وينشرونها على الواتساب وغيره ويضعون معها عبارات تحض العامي على إعادة نشرها، ويجعلون فيها كلامًا حلوًا يعجب الناس، فلا يفكر كثير منهم بالتأكد من صحّتها، فينشرون، والهدف من نشرها أنه عندما نبيّن للناس أنها كذب، فالناس سيظنون أنّ السنة مليئة بالكذب، فيزيد تقبل الناس لتضعيف أي حديث، فهم لا يُفرّقون بين الحديث الضّعيف بسبب اسناده، والحديث الكذب الموضوع، وبين الأحاديث الصحيحة، فالنّاس لا يعرفون علم الإسناد ولا علم الرجال، ولا علوم الحديث بشكل عام. فلا يعرفون على أي أساس يتم التصحيح والتضعيف. فتختلط عندهم الأمور، فيسهل الدخول عليهم من هذا الباب للطعن في السنّة وخاصّةً في صحيح البخاري.
لماذا الحرب على صحيح البخاري؟
نجد الطّاعنين تشتدّ حربهم على البخاري، وذلك لأنّه هو الرّاس، فهو أصح كتاب في الحديث، ومعلومٌ عند النّاس أنّه صحيح، فإذا طَعَن فيه؛ سَهُل عليه الطعن في أي حديث في غيره.
ولهذا لا نجد أحد يطعن في سنن ابن ماجه، ولا في سنن الدارقطني، ولا في سنن أبي داوود، ولا غيرها، فهم يريدون إسقاط الرّاس فيسقط الباقي تبعاً له. حتّى صحيح مسلم لا نجد التّركيز عليه من قبلهم، فيتركونه (غالبا) للتفرغ للبخاري ليطعنوا به ويشككوا النّاس من خلال ذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكلٍ عام.
والغاية الكبرى أنه إذا أنكر الحديث، أصبح تزوير الدّين أسهل من شرب الماء!!
كيف والقرآن موجود؟
الفرق بين القرآن والسّنة أن القرآن نص مُجمل، مختصر (في الغالب)، وإن قيل أن الله قال: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} فالكل هنا مُجملة للتكثير، وإلا فأين تفصي الصلاة والزكاة فيه!. فالقرآن الكريم في غالب أحكامه مُجمل مُختصر يُعطي الحكم ولكن لا يُعطي كل تفاصيله. ولهذا نجدهم زوروا الكثير من أحكامه، وأعطوا الكلمات العربية التي فيه معان أخرى غير معناها الاصطلاحي، وحتى اللغوي ليبدلوا بذلك الأحكام.
ومثال على الإجمال في كتاب الله: قال ربنا العظيم: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان..}، لو قال قائل: انا دعوت ان الله يرزقني طائرة، وما رزقنيها؟ نقول يوجد أنواع للإجابة، وأسباب لامتناعها، ارجع للسنّة!
قال تعالى: {وعلى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ..} مسكين عن الشهر؟ أم مسكين عن كل يوم؟ … ارجع للسنّة!
قال تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ..} ما هو الهدي؟ هل هو وردة يهديها الشخص لأمه أو زوجته! أم ماذا؟ ارجع للسنّة!
قال تعالى: {يمحق الله الربا..} ما هي الربا وما أنواعها؟ ارجع إلى السنّة!
هكذا عموم نصوص القرآن
أمّا نصوص السنّة.. فهي نصوص مفصّلة جدًا، فالقرآن الكريم 604 صفحة، بينما مسند أحمد لوحده 7700 صفحة (تقريبا) ولو كتبناه بحجم خط المصحف لتجاوز عدد صفحاته العشرين ألفا، وليس فيه كل السنّة، فالسنّة كبيرة وفيها تفاصيل واحكام كثيرة، فنحن نتكلّم عن أقوال وأفعال رسول الله ﷺ لمدّة ثلاثة وعشرون سنة، لا ينطق إلا بوَحي، وهوله زوجات وأصحاب يحفظون ويروون.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يوضّح المجمل الذي في القرآن بقوله، وبعمله، ويأتي صحابي يسأله ويرد عليه، ويخطئ أحد الصحابة في شيء ويصحح له (لمدة 23 سنة).
قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ فكلُّ هذا تبيانٌ لعموم القرآن، فتجد نصوص السنّة مفصّلة أيما تفصيل، يعني لا يوجد مجال للهروب من الحق الذي في السنّة ، بتاتاً، إلا إذا أنكر النّص.
أما القرآن الكريم. فلا يحتاج المشاقق أن ينكر النّص، فقط يغيّر المعنى ، فيقول هذه الكلمة معناها كذا، (غير المعنى الحقيقي)، أو هذه الآية معناها كذا، ويزوّر المعنى. ويخدع النّاس فيقول لهم أنّ المسلمين يقدّسون التفاسير، ويوهمون النّاس أنّ اهل الإسلام يقدّسون أشخاص المفسّرين، وذك لتنفيرهم من المصادر الأصليّة، والموهومون لم يفتحوا تفاسير أهل السنّة ليعلموا انهم ينقلون اقوال الصّحابة الذين تعلموا مِن رسول الله، والتابعين الذين تعلموا مِن الصّحابة.
المقصود: أنّ نصوص السنّة متعددة وفيها قول وفعل، فلا يُمكن الهروب منها، فيُنكرونها، أما القرآن فقد يوجد في الموضوع آية واحدة نصّها قد يكونُ مختصرًا، وقد يحمل أكثر مِن وجه، لذك هم يحرفون معاني آيات القرآن دون الحاجة لإنكار النّص. حتى اليهود ، ذمهم الله على تحريف المعنى، قبل ان يحرّفوا النّص. وسماه تحريفًا. فقال: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾
فالكلام له موضع، ومناسبة، ومعنى، ومقصِد. فلو قلت لشخص: “لا تصلِّ”، في موضع معيّن ومناسبة معيّنة، يفهم منها أن قصدي لا تصلِّ وانتظرني لأتوضّأ وأصلي معك. فلو جاء شخص وقال أني أنهى عن الصّلاة بدليل أنّي قلت لرجلٍ “لا تصلِّ”، فهذا حرّف كلامي عن موضعه، مع انه ذكره نصّا. فالله تعالى حفظ نصّ القرآن، وحفط المعنى الصحيح في السنّة. مع ذلك فالمشاققون يحاولون التحريف لمعانيه. حتى لو عارض تحريفهم آية أخرى، يتأولون الأخرى، بدون أي مشكلة عندهم، بل بعضهم (خاصة في أيامنا) لا يحتاج أن يتأول الآية الأخرى، لأنه لا يوجد من مستمعيه مَن قرأ الآية الأخرى، وهذا أحدهم يقول أن حوّاء لم تعصِ الله في الجنّة، ودليله أنّ الله تعالى قال: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ يقول أن الله ما قال حوّاء! مع ان الله تعالى قال في نفس الآية -وليس في آية أخرى أو سورة أخرى- : ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾، ومع ذلك انتشر مقطعه هذا بشكل كبير، فمَن الذي يقرأ وراءه؟
أيضًا في قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ يقول أحد المشاققين وهو احمد صبحي منصور اقاموا الصلاة يعني أصبحوا مسالمين!
هذه حقيقة قالوها بأفواههم. أنا لا أضرب أمثلة من الخيال. هذه موجودة على اليوتيوب!
قال تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ يقول أحد هؤلاء: اضربوهنّ يعني صالحوهن.
وبعضهم يتوسّع ، ويجمع الآيات فيخرج معه أن هناك نبيّ خنزير،،، كيف ؟
يقول: قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ والخنازير أمّة لأن الله تعالى قال: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ فبالتالي هناك نبي خنزير، فالرجل يقول لك أنه فسر القرآن بالقرآن.
واتباعقهم يصدّقون
وإذا سألت أحدهم عن مستده في تفسير شيء ما، يقول لك هو هكذا! يجب أن تؤمن بكلامه كما قاله، فإذا رأى ان معنى الآية كذا، فعلينا أن نسلّم له ونضرب بقول وفعل الرّسول ﷺ عرضَ الحائط لأنّه يخالف كلام هذا الشخص.
يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾
عندما اختلف بعض الصحّابة في القرآن الكريم . يقول عبد الله بن عمرو: (فخرجَ رسولُ اللَّهِ مغضبًا حتَّى احمرَّ وجهُهُ ، يَرميهم بالتُّرابِ ، ويقولُ : مَهْلًا يا قومُ ، بِهَذا أُهْلِكَتِ الأممُ من قبلِكُم باختلافِهِم على أنبيائِهِم ، وضربِهِمُ الكتُبَ بعضَها ببعضٍ ، إنَّ القرآنَ لم يَنزلْ ليُكذِّبَ بعضُهُ بعضًا ، بل يصدِّقُ بعضُهُ بعضًا ، فما عرفتُمْ منهُ فاعمَلوا بِهِ ، وما جَهِلْتُم منهُ فرُدُّوهُ إلى عالِمِهِ)
مَن هُو عالِمُه؟ منكر السنّة؟ أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تلاميذه الذين تعلّموا منه؟
نسأل الله العافية والثبات على الحق
,الحمد لله رب العالمين