بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أتكلم بإذن الله تعالى عن مصطلح: المكروه.
والمكروه في اللغة: ضد المحبوب. وهو مأخوذ من الكراهة وقيل من الكريهة وهي الشدة في الحرب[1].
وفي الإصطلاح: ما جاء فيه النهي، دون تقييد لذلك النهي بكونه نهي جازم أو غير جازم، أو نهي ملزم أو غير مُلزم. وقد نقول: هو ما لا يراد شرعأ، فأصل الكراهة في اللغة: خلاف الإرادة، وهذا الذي يجمع المعنى العام للمكروه المتفق عليه بين أهل العلم.
فالمكروه عند الجمهور، هو: “ما يثاب تاركه امتثالا، ولا يعاقب فاعله”، أو يقال: ما حض الله على تركه دون إلزام. إلا أن هذا التوصيف مختلف فيه بين الجمهور والحنفيّة، فالحنفيّة يقسمون المكروه إلى قسمين: المكروه تحريمًا، والمكروه تنزيهًا. ولهذا فسأعقد مقارنةً بين ما ذكره عبيد الله بن مسعود بن تاج الشريعة في كتابه: “التوضيح في حل غوامض التنقيح” وبين ما ذكره عبد الكريم النملة في كتابه: ” الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح”.
قال الشيخ عبد الكريم النملة: ” والمكروه اصطلاحاً هو: ما تَركُه خير من فعله، ولا عقابْ في فعله”
وهذا كالذي ذكره ابن قدامة في روضة الناظر، وهو الذي عليه جمهور المذاهب الثلاثة خاصة: المتأخرين منهم.
وقال ابن تاج الشريعة: ” والمكروه نوعان مكروه كراهة تنزيه، وهو إلى الحل أقرب ومكروه كراهة تحريم، وهو إلى الحرمة أقرب. وعند محمد لا بل هذا حرام لكن بغير القطعي كالواجب مع الفرض” انتهى
فنستفيد من كلامه أن المكره عندهم كما قدّمنا ينقسم إلى
- مكروه كراهة تنزيهيّة: وهو ما لا يأثم فاعله، وتركه خير من فعله، وهذا الموافق لمصطلح المكروه عند الجمهور، وقد دلل على ذلك الشيخ النملة بقوله: ” بعض العلماء يطلق لفظ: ” مكروه ” على ما نهي عنه نهياً تنزيهياً، وهو الذي ذكرنا تعريفه، وإذا أطلق لفظ المكروه انصرف إلى هذا.” انتهى.
- مكروه كراهة تحريمية: ولهم فيه قولان:
- القول الأول: هو ما كان إلى الحرام أقرب.
- القول الثاني: هو ما جاء تحريمه بدليل ظني. وهذا هو قول الإمام محمد بن الحسنن تلميذ أبي حنيفة. وهذا القول هو المشهور عن الحنفيّة، ولهذا قال الكاساني في البدائع: “إذ المحرم المطلق ما ثبتت حرمته بدليل مقطوع به، فأما ما كانت حرمته محل الاجتهاد فلا يسمى محرما.” وروي أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة: “إذا قلت في شيء أكرهه فما رأيك فيه؟” قال: “التحريم“[2] وهذا الإطلاق لم ينفرد به أبو حنيفة بل كان السلف عمومًا يستخدمونه في معنى التحريم، وقد ذكر ذلك الشيخ النملة، فقال: ” وبعضهم يطلق لفظ ” مكروه ” ويريد به الحرام، وقد روي هذا الإطلاق عن الأئمة الثلاثة – مالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله جميعاً – وذلك تورعاً منهم وحذراً من الوقوع تحت طائلة النهي الوارد في قوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ)، وهذا كان من أسباب غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة كما قال ابن القيم رحمه الله” انتهى. إلا أن هناك فرق بين إطلاق السلف وإطلاق الحنفيّة، وهو أن السّلف؛ إذا ثبت عندهم التحريم بدليل من السنّة قطعوا به، وقالوا بانه حرام، وإنما يطلقون المكروه إزاء ما رأوا تحريمه اجتهادًا لا نصًّا، بينما الحنفيّة يطلقون الكراهة (التحريمية) إزاء ما ثبت تحريمه بنص غير متواتر.
فائدة: ذكر المجد ابن تيمية تعريفًا ثالثًا للمكروه -وهو إلى قول السلف قريب-: ” وأما المكروه فقيل في حده ما اختلف في حظره” إلا أنه أبطله -بحسب رأيه- بقوه أن هناك من المكرون ما اتّفقوا على كراهته.
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين.
[1] لسان العرب 12/ 80
[2] [المبسوط للسرخسي ج11 ص233]