بعد تصنيع آلات يمكنها ذبح آلاف الدجاج بوقت قصير؛ اعتمد استخدامها كثير من المذابح، فاحتاج الأمر إلى النظر في حكم التسمية عليها.
والذبائح في الشريعة الإسلامية من الشعائر المهمة، فقد أنزل الله تعالى آيات شديدة في هذا الأمر، فقال: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾
صلب الموضوع
شرع الله تعالى التسمية على الذبيح، وأمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه، فقال: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ ثم نهى عن التحرج من أكله، فقال: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ ثم جعل المخالفة في هذا ضلالًا ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾. ثم نهى عن أكل ما لم يُذكر اسم الله عليه، فقال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ وجعل الجدال فيه للصد عن هذا التشريع، والزيغ فيه من أبواب الشرك، كما قال ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾
وكأن الأصل المعمول به أن الذابح يسمي على كل ذبيحة ويذبحها، ومع وجود هذه الآلات أصبح الأمر متعذرا، إن أنها تذبح أكثر من مئة دجاجة في الدقيقة الواحدة، فما العمل عند ذلك؟
أولًا: إذا سمى على أكثر من ذبيحة تسمية واحدة فقد صدق على هذه الذبائح أنها قد ذُكِرَ اسم الله عليها. ويشهد لهذا ظاهر قوله تعالى ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ فإن ذُكِرَ مرَّة على جميعها فقد تحقق الأمر. ([1])
ثانيًا: التسمية عند إرسال الكلب المعلَّم تكون مرة، وقد يصيد أكثر من حيوان. وممن قال ذلك: الكاساني، فقال: ” وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ بَازِيًا وَسَمَّى فَقَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَجِبُ عِنْدَ الْفِعْلِ وَهُوَ الذَّبْحُ فَإِذَا تَجَدَّدَ الْفِعْلُ تُجَدَّدُ التَّسْمِيَةُ، فَأَمَّا الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ فَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ فَتُجْزِي فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَوِزَانُ الصَّيْدِ مِنْ الْمُسْتَأْنَسِ مَا لَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ وَأَمَرَّ السِّكِّينَ عَلَيْهِمَا مَعًا أَنَّهُ تُجْزِئُ فِي ذَلِكَ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الصَّيْدِ” ([2]) وبرهان الدين المريغاني، فقال: “ولو أرسله على صيد كثير وسمى مرة واحدة حالة الإرسال، فلو قتل الكل يحل بهذه التسمية الواحدة” ([3]) قال العيني: “لاتحاد الفعل” ([4]) وقال مثل هذا اكثر شراح “الهداية”
ثالثًا: التسمية عند إطلاق السهم تكون واحدًا، وقد يقتل أكثر من رميَّة. وومن قال بذلك: ابن نجيم، حيث قال: “وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صُيُودٍ فَأَثْخَنَ الْكُلَّ يَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ” ([5])
وعلى ما تقدَّم فإن الذي يشغل الجهاز عليه أن يذكر اسم الله مرة واحدة عند تشغيل الآلة.
والله أعلم
([1]) جاءت آثار عن السلف في حالة شبيهة، قال ابن حزم: رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا خَرَجْتَ قَانِصًا لَا تُرِيدُ إلَّا ذَلِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تَخْرُجُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيك. انتهى([1])، ونقل ذلك عن ابن المسيب ([1])، إلا أن هذه الآثار لا تثبت فابن لهيعة ناقل كلام ابن عباس ضعيف الحديث، والخبر عن ابن المسيب لم اجده مسندًا في مظانه.
([3]) الهداية شرح بداية المبتدي ج4ص405.