اجترأ رجل على الإمام يحيى بن معين لكونه يتكلم في الجرح والتعديل وهو بكر بن حماد التاهرتي
فقال:
ولابن معين في الرجال مقالة …… سيسأل عنها والمليك شهيد
فإن يَكُ حقًا ما يقول فغيبة ………… وإن يك زورًا فالقصاص شديد
فكم من حديث للرسول أماته ….. وشيطان أصحاب الحديث مريد
فأجابه ابن شَقِّ اللَّيل أبو عبد الله محمد بن إبراهيم
فقال: ( رابط التحميل: (هنا)
)
أرى كل ذي جهل يحدث نفسه …. بأني مصيب في المقال مُجيد
وقد خاض فيما ليس يفهم ويحه ….. فبالجهل محضًا يبتدي ويعيد
كبَكر بن حمادٍ ترنَّمَ وحده …………. فقلت مجيبًا: ويكَ أين تريد؟!
جهلتَ طريق الجرح والفرقَ بينه …. وبين اغتيابِ الناسِ وهو بعيد
فغِيبتهم ذكرُ العيوب تنَقُّصًا ………. على غير دينٍ شامتٌ وحسود
وأما إذا أخبرتُ عنهم نصيحةً ……………. وتحصينَ دينٍ والإلهَ أريد
فتجريحُ أهلِ الجرحِ لا شكَّ جائزٌ ……. شبيهًا بقاضٍ قد أتاهُ شهيد
ففتش عن تعديلِه ليُجيزَه ……………… فقال ثقاتٌ: إنه لفنيد (1)
ومسخوطُ أحوال وغيرُ معدَّلٍ …… ولا مُرتضًا فاردده وهو شرِيد (2)
فلو كان هذا غيبةً ما أجازه ………. جميع الورى والعالمون شهود
ولا قال خير الخلق هذا وصحبُه: …… من الدين مراق، وذاك فقيد
من المال صعلوكٌ، وليس بواضعٍ .. عصاه، وبئس ابنُ العشير مريد
وتبيين أحوال الرواة وغيرُهم ………. فحِصن حصين للعلوم مَشيدُ
وحِرزٌ وحِفظ واحتياط وملجأ …………. وسيف لداء الملحدين حديد
فهل يستوي علم وحفظ وفطنة ………. ووهم وسهو والفؤاد بليد
ومن كان بدعيًّا وكان مدلسًا …………. وصحَّف ما يروي وظل يزيد
على ما روى الأعلام طُرًا وقد أتي ………. بكل شذوذ للأنام يكيد
وأورد إسنادًا على غير متنه …………. وقال بُرَيدًا والصواب يزيد(3)
ولم يدر من فِهرٌ وفَهدٌ ونحوَهم ……….. وقال عُبَيدًا، والصواب عَبِيدُ
وقال سُلَيمًا في سَلِيمِ بنِ صالحٍ …… وقال أُسَيْدًا، والصواب أَسِيدُ
وجُرِّبَ منه الوهمُ في كل مَوطنٍ ………. وكان كذوبًا والأنامُ شُهود
فما كشفُ هذا غيبة بل ديانة ……….. وما هو إلا في الظلام وَقِيدُ
يثابُ عليه الأجر من كان ناصِحًا ………….. وحارسَ علمٍ والإله يُرِيد
وقد أجمع الماضون طُرًا وجرحوا ………. كما عدلوا قِدمًا وأنت فقيد
ولم يَجمع الرحمنُ أمة أحمد ………… على ضد حق للصواب عنيد
وقد طالبَ الرحمن في نص وحيه ….. بتعديلِ من يأتيكَ وهو شهيد
وتعديلُهم لا شك تجريجُ ضدهم ……. فيا بكرُ، قل لي: أين أين تُريد
فما ينكر التجريحَ إلا مُجرح ……………… ويحيى فيزهو فضله ويزيد
وقد سلم الراوونَ طرًا لقوله ………….. وأمثالُه في العالمين عديد
فقد جرحوا قِدمًا بحق تَدَيُّنًا ……………. وأُخزيَ فيهم مارقٌ ومريد
وقد قال يحيى وهْو يظهر عذره ……… إلهي أجبني أنت أنت ودود
فإن كان قولي حسبة وديانة ……….. فجُد بمماتي ربِّ أنت مَجيد
بأفضل أرض في البلاد وخيرها …… فيعلمَ صدقي شانئ وحسود
فجاء إلى قبر النبي يزوره ……………. فمات بها والعالمون شهود
وغُلِّقتِ الأسواقُ من أجل موته …….. وجاءت جموعٌ ما لهن عديد
وجُهِّزَ في نعش النبي مكرمًا ………. إلى لَحده إذ بان وهو حميد
ونادوا ألا هذا نفى عن نبينا ……….. حديث كذوب في العلوم يزيد
وشاهد بعد الدفن منه رفيقُه …………… عَيانًا رسولاً قد رآه يعود
إلى قبره فارتاع إذا غاص داخلاً ………. فآب وقال: الخير ويك أريد
أنا مَلَكٌ أُرسلت في أمر لَحده ……….. فوسعته فاعلمه فهو مهيد
فمن كان سنيا وكان جماعِيَا ……… تُوَسعُ منهم في القبور لحود
فناهيك فضلاً واستُجيبَ دعاؤه …….. ومات غريبًا والغريب شهيد
وأيقن أهل العلم طرًا بفضله ……… وما زال يحيى يَعتلِي ويسود
ويحيى إمام في العلوم مبرز ………… جليل عظيم فضله ومديد
(1) «الفَند بالتحريك: الكذب. وقد أفْنَدَ إفْناداً، إذا كذب. والفَنَدُ: ضُعفُ الرأي من هَرَمٍ». الصحاح في اللغة والعلوم
(2) «شريد، أي: طريد». العين (6/ 241)
(3) قرأ بعضهم (بَرِيد) وليس أجد محدثا اسمه بَريد، إلا هَاشم بْن البَرِيد، من الرواة عن أَبي إِسحاق السَّبِيعي.
رحم الله الإمام