بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الكافر بعد موته فلا خلاف معتبر بين أهلى العلم في حرمة الاستغفار له
وأما في حياته:
فمأخذ الحكم في منع الاستغفار قوله تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}
فالمنع مرتبط بتبيِّن أن الشَّخص مِن أصحاب الجحيم، ومن أعداء الله، وهذا التبيُّن يكون إذا مات على الكفر.
وهذا الذي حصل مع إبراهيم ﷺ، إذ أن تبيُّن كون والده من أصحاب الجحيم كان بموت والده على الكفر، وأما قبل ذلك فقد كان يستغفر له.
قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} الآية.
فكان استغفاره له مستثنى من البراءة في هذه الآية، ولهذا جاء أن ترك الاستغفار له كان بعد ذلك
فجاء عن بعض السلف، منهم عبد العزيز بن يحيى الكِناني: (فلما نهاه الله تعالى عن الاستغفار لأبيه، وأعلمه أنه عدو لله، يموت على كفره، فيدخله النار، فأمره بالتبرؤ منه ) [الحيدة والإعذار ص94]
وروى النسائي في الكبرى (11409) بإسناد صحيح عن ابي هريرة (لَمَّا فَتْحَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم مَكَّةَ… حَتَّى إِذَا فَرَغَ وَصَلَّى، جَاءَ فَأَخَذَ بِعَضَادَتَيِ البَابِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: نَقُولُ: ابنُ أَخٍ، وَابْنُ عَمٍّ، رَحِيمٌ كَرِيمٌ، ثُمَّ عَادَ عَلَيْهِمُ القَوْلَ، قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُو أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فَخَرَجُوا فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسلامِ)
روى عبد الرزاق 9937 قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير قال: توفي أبو رجل وكان يهوديا فلم يَتبعَه ابنُه، فذُكر ذلك لابن عباس، فقال ابن عباس: «وما عليه لو غَسَّلَه، واتَّبَعَه، واستغفَرَ له ما كان حيا» يقول: دعا له ما كان الأب حيا قال: ثم قرأ ابن عباس: {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} يقول: «لما مات على كفره»
اسناده صحيح
وروى ابن أبي شيبة 11847 – حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن ضرار بن مرة، عن سعيد بن جبير، قال: مات رجل نصراني وله ابن مسلم، فلم يتبعه فقال ابن عباس: «كان ينبغي له أن يتبعه، ويدفنه، ويستغفر له في حياته»
اسناده حسن
وجاء عند المتأخرين توجيهات لهذا الاستغفار، أحسنها عندي هو: أن يقع سببُ المغفرة، وهو الإسلام، فإنه لا يٌغفر له إلا إذا أسلم، فالدعاء بالشيء يتضمن الدعاء بتحقق شروطه، وهذا التوجيه موجود معناه في رواية النسائي الآنفِ ذكرُها.
والله أعلم
Visited 538 times, 1 visit(s) today
حكم الاستغفار للكافر