بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من المسائل التي وقع الخلاف فيها بين أهل العلم قديمًا وحديثًا: حكم المسح على العمامة، فقد ذهب فيه أهل العلم مذهبان ([1]):
الأول: صحة المسح، وهو قول أحمد، وأبي ثور، والقاسم بن سلام، والأوزاعي، وأهل الظاهر.
الثاني: عدم صحة المسح، وهو قول مالك، والشافعي، والحسن بن حي، وأهل الرأي.
الأدلة الصحيحة الواردة في الباب
- عن ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه. قال بكر: وقد سمعت من ابن المغيرة، أن النبي ﷺ (توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين) ([2]).
- عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه قال: رأيت النبي ﷺ (يمسح على عمامته، وخفيه.) ([3]).
- عن بلال أن رسول الله ﷺ (مسح على الخفين والخمار) ([4]).
أصل الخلاف
وسبب هذا الخلاف أن الفريق الثاني زعم بعضهم مخالفة الحديث لظاهر الكتاب، فتأول الحديث بأن الرسول ﷺ مسح شيئا من رأسه مع العمامة، مستدلين برواية (فمسح بناصيته) فقالوا أن هذا هو الفرض.
كما أنهم قالوا أن العمل بهذا الحديث هذا لم يشتهر.
والجواب على ذلك:
قولهم بأن المسح على الناصية هو الفرض لا يسلّم لهم، لورود المسح على العمامة فقط دون ذكر الناصية.
إلا أنهم ادعوا أن الأحاديث التي لم يرد فيها ذكر الناصية، قد فات ذكر الناصية فيها بسبب الاختصار، وهذا كلام لا دليل عليه، كما أن المحدثون الثقات لا يمكن أن يختصروا ما يخل بالحديث. وهذا الاختصار لو صح لكان مخلا خللا كبيرا. فلا يصح هذا الافتراض.
وأما الاعتراض بأنه مخالف لنص الكتاب، فلا يسلم لهم، لأن الله تعالى أمر بمتابعة الرسول ﷺ، ولأنه لا تعارض، إذ أن المسح بالرأس يكون في حال عدم لبس العمامة. وكثير من الأحكام تأتي في كتاب الله مجملة، ثم يأتي التفصيل لها في سنة النبي ﷺ.
وأما اعتراضهم بعدم العمل به، فترده الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم، ومنها:
- عن سويد بن غفلة، قال: قال عمر: إن شئت فامسح على العمامة، وإن شئت فانزعها ([5]).
- عن عاصم، قال: رأيت أنساً يمسح على الخفين والعمامة ([6]).
- عن أبي غالب، قال رأيت أبا أمامة يمسح على العمامة ([7]).
وبهذا يتبين صحة المسح على العمامة
وهل يشترط لصحته مشقة؟ خلاف بين المجيزين
فقال بعضهم بالاشتراط هذا
وبعضهم لم يقل به
وحجة المشترطين للمشقة:
1- القياس على الخف، من حيث أن الخف في نزعه مشقة. لكنهم لم يتفقوا على جعل المشقة شرطا للمسح على الخف، ولا دليل من النص على ذلك، بل الدليل لا يقتضيه. إذ أن الرسول ﷺ لما أراد عروة بن المغيرة نزع خفيه، قال له ﷺ: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتان) ([8]) ولم يذكر ما يتعلق بالمشقة.
2- أنه كونه مسح على الناصية فهذا يدل على مشقة نزع العمامة. وهذا لا يستقيم، فقد وردت أحاديث بدون مسح الناصية، ولو أنه تكلف ادخال يده ليمسحها لكان لابد من ذكر ذلك في الحديث.
وكذلك فإن الرسول ﷺ لم يبين هذا الشرط، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وقال الله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾. فيحسن بنا الوقوف حيث وقف بنا النص.
والله أعلم
والحمد لله رب العالمين
* * *
[1] راجع: مختصر اختلاف العلماء – للطحاوي ج1 ص145
بادية المجتهد – لابن رشد ج1 ص20
[2] رواه مسلم.
[3] رواه البخاري.
[4] رواه مسلم
[5] رواه ابن أبي شيبة
[6] رواه ابن أبي شيبة
[7] رواه ابن أبي شيبة
[8] رواه البخاري