بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
يظن بعض الناس أن خلافنا مع الأشعرية مقتصر على صفات الله تعالى فقط، ولو كان هذا لكان كبير، فمعرفة صفات الله هي معرفة الله تعالى، إلا أن الخلاف بيننا في أركان الإيمان الستة.
عن أبي هريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث»
فهذه الستة اتفقت الأمة على أنها أركان الإيمان، في كلها ستجد مخالفات للأشعرية
الركن الأول (الإيمان بالله)
أتباع الأنبياء يؤمنون بإله فوق العرش. قال الإمام البخاري: عن سعيد بن عامر الضُّبَعيّ (ت210هـ) قال: «الْجَهْمِيَّةُ أَشَرُّ قَوْلًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدِ اجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالُوا هُمْ: لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ شَيْءٌ»
الأشعرية يكفرون بهذا الإله ويقولون هذا مخلوق، ويؤمنون بإله ليس في مكان.
أتباع الأنبياء إلههم له وجه، وعينان، ويدان، وساق، ويأتي. قال حماد بن زيد: «هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ، قِيلَ لَهُمْ: لَكُمْ رَبٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قِيلَ: يَتَكَلَّمُ؟ قَالُوا: لَا. قِيلَ: فَلَهُ يَدٌ؟ قَالُوا: لَا. قِيلَ: فَلَهُ قَدَمٌ؟ قَالُوا: لَا. قِيلَ: فَلَهُ إِصْبَعٌ؟ قَالُوا: لَا. قِيلَ: فَيَرْضَى وَيَغْضَبُ؟ قَالُوا: لَا. قِيلَ: فَلَا رَبَّ لَكُمْ “». [شرح مذاهب أهل السنة لابن شاهين (ص34)]
أما الأشعرية فلا يؤمنون بذلك.
أتباع الأنبياء يؤمنون أن من لا يستطيع أن يكلم غيره فليس إلها. قال تعالى: {وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًا}
أما الأشعرية: فيقولون إن الله كلامه نفسي. قال الغزالي: «أَنه سبحانه وتعالى مُتَكَلم بِكَلَام وَهُوَ وصف قَائِم بِذَاتِهِ لَيْسَ بِصَوْت وَلَا حرف». [قواعد العقائد (ص182)] وقال: «ونحن لا نثبت في حق الله تعالى إلا كلام النفس». [الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص68)]
الركن الثاني (الإيمان بالملائكة)
أتباع الأنبياء يؤمنون بملائكة يسمعون صوت الله تعالى فيُصعقون.
الأشعرية لا يؤمنون بصوت الله، فلا يؤمنون بهذه الكرامة للملائكة.
أتباع الأنبياء يؤمنون أن الملائكة مؤمنين بالله على الفطرة. {ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ} وفي الحديث الصحيح: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ، … فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ؟”. [سنن أبي داود (4/ 235)]
الأشعرية يزعمون أن الملائكة لا يُصدِّقون ما يسمعونه من كلام الله حتى يأتيهم بمعجزة، قال الرزي: «إذا سمع الملك كلام الله احتاج إلى معجز يدل على أن ذلك/ الكلام كلام الله تعالى لا كلام غيره». [تفسير الرازي (7/ 35)]
أتباع الأنبياء يؤمنون أن الملائكة جماعة منهم عند الله في السماء {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ}
والأشعرية لا يؤمنون بأنهم عند الله. قال أبو منصور الماتريدي: «قوله: {عِنْدَ رَبِّكَ}: في الطاعة والخضوع، أو في الكرامة والمنزلة، ليس على قرب الذات».
أهل السنة يؤمنون أن مِن الملائكة مَن يصعد إلى الله تعالى، {تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ} قال البغوي: «وَقَوْلُهُ إِلَيْهِ أَيْ إِلَى اللَّهِ.». [تفسير البغوي (3/ 594)]
والأشعرية لا يؤمنون بهذا. قال الواحدي: «{تعرج الملائكة والروح إليه} إلى محل قربته وكرامته وهو السَّماء». [الوجيز للواحدي (ص1131)]
الركن الثالث (الإيمان بالكتب)
أتباع الأنبياء يؤمنون أن القرآن الذي يعرفه المسلمون هو كلام قاله الله تعالى، وهو غير مخلوق.
أما الأشعرية فيكفرون بأن تكون هذه الكلمات والآيات كلام قاله الله تعالى، بل هي عندهم مخلوق من مخلوقاته.
قال عز بن عبد السلام عن رب العالمين: ” مُتَكَلم بِكَلَام قديم أزلي لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت” [رسائل العز بن عبد السلام ص 12 – طبقات الشافعية ج8ص218]
أتباع الأنبياء يؤمنون بأن التوراة كتبها الله بيده. كما في صحيح مسلم: «يا موسى! اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده». [سنن ابن ماجه (ص67 ت هادي)]
وأما الأشعرية فيكفرون بذلك فلا يؤمنون بأن له يدًا أصلا. قال القاضي عياض: «اختلف أئمتنا فيما ورد من ذكر اليد وشِبهِ ذلك مما لا يليق ظاهره بالله تعالى». [إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 138)]
الركن الرابع (الإيمان بالرسل)
أتباع الأنبياء يؤمنون أن موسىﷺ قد سمع صوت الله.
أما الأشعرية فيكفرون بصوت الله، فلا تكون لموسى هذه الخصيصة.
أتباع الأنبياء يؤمنون بأن الرسل بلغوا الناس الشريعة كاملة، ومن ذلك صفات ربهم التي أمروا بتبليغها.
أما الأشعرية فيرون أن الرسل بلغوا الناس كل الأحكام، حتى أحكام دخول الخلاء، بينما قصروا في تبليغهم صفات الله.
الركن الخامس (اليوم الآخر)
أتباع الأنبياء يؤمنون باليوم الآخر لأن الله تعالى أخبرهم بذلك، ثم لأن الفطرة والعقل يقتضيانه لكونه من تمام عدل اللع وحكمته.
أما الأشعرية فيؤمنون به لأنه ورد ولا يعارض عقولهم.
والفرق الدقيق بين المسألتين
أولا: أتباع الأنبياء يصدقون أنبياءهم دون أن يجعلوا عقولهم حاكمة على الوحي، على عكس الأشعرية الذين يجعلون عقولهم الصغيرة حكما على الأنبياء.
ثانيا: أتباع الأنبياء يرون أن الآخرة لا بد منها بالفطرة والعقل، وأما هي عند الأشعرية كوقوف طائر على هذه الشجرة، إن جاءنا خبر به صدقنا، وإن لم يأتنا فلا نقول به
يؤمن أتباع الأنبياء بأن المؤمنين سيرون ساق الله تعالى، وهي العلامة التي يكشفها لهم ليعرفوه. قال رسول الله: «فيأتيهم الجبار فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن». [صحيح البخاري (9/ 350)]
أما الأشعرية فيرون أن الله تعالى لا ساق له.
الإيمان بالجنة
يؤمن أتباع الأنبياء بأن أعظم نعيم المؤمنين أن يرون وجه الله تعالى فيها. عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل .». [صحيح مسلم (1/ 112)]
أما الأشعرية فيعتقدون أن الله تعالى لا وجه له. ولهذا لا يثبتون الرؤية، يقول سعيد فودة : (وقد سبق بيان أنّ الله سبحانه ليس له صورة، ومعنى الرؤية: هو أن يحصل فينا علمٌ وإدراك أقوى مِمّا هو حاصلٌ فينا) [الشرح الكبير ص631]
الإيمان بالنار
يؤمن أتباع الأنبياء بأن الله سيضع رجله على النار فتنزوي وتقول قط قط.
أما الأشعرية فيرون أن الله تعالى لا رجل له.
يؤمن أتباع الأنبياء بأن أهل النار الكافرين يخلدون فيها.
أما الأشعرية فكثير من المعاصرين منهم يرون أن أهل النار قد يخرجون منها، أو قد يتنعمون فيها.