عقيدتي ومنهجي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
وبعد فإني أؤمن أنّ الله واحد لا إله إلا هو، مستو على عرشِه، عال على خلقه، موصوفٌ بما وصف نفسه ووصفه به أنبياؤه، وليس كمثله شيء، وأنّه عليم حكيم جميلٌ عظيم مقدَّسٌ عن العيوب والنّقائص، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤًا أحد، وأنه الأول والآخر والظاهر والباطن، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات، ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك، ولا أكبر إلا في كتاب مُبين، وأنه بيده ملكوتُ كلِّ شيء، وخالقُ كلِّ شيء من الأعيان والأفعال، يصرف شؤون عباده ولا رادّ لقضائه.
وأؤمن بالملائكةِ، والكُتب ومنها صحف إبراهيم وموسى، والتوراة، والزبور، والإنجيل، والقرآن، وأنّ الله تعالى أنزلها بالحق والهدى، لكن أيدي الكافرين طالتها بالتحريف والتبديل حاشا القرآن، وأنّ القرآن خاتمٌ لها مهيمنٌ عليها، محفوظ بحفظ الله من التحريف أو التبديل، وأنّه كلامه غير مخلوق خلافًا لقول الملحدين، تكلم الله به حقيقةً بصوت يُسمعه من شاء اللهُ تعالى. وأنّ قراءات القرآن العشر المتواترة صحيحة، وأرى الأمة تأثم بإهمال شيء منها، أو كتمانه، أو بالتفريط بالعناية بالكتاب وتبليغه.
ولا أخوض في القدر بأكثر مما ورد في النُّصوص فإنه سر الله في خلقه، وأقول إن كل شيء بقَدَر، حتى العجز والكيس.
وأنّ مَن عبد الله ووحّدَه واتّقاه وآمن بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والقدر ولم يرتكب كفرًا يخرجه من الملّة؛ دخل الجنّة بفضل الله ورحمته، ومن عصاه منهم استحقّ العقاب، فإمَّا يعذبُه وإما يغفرُ له، وأنّ مَن يعذّبه الله بالنّار مِن المُوحّدين يُخرجه منها بمنّه وكرمه ثم بشفاعة النّبي ﷺ وشفاعة الشافعين الذين ارتضاهُم، بعد أن ارتضاه كمشفوع له.
أما الكفار فهُم في النار خالدين فيها أبدًا بلا فناء، كما أن الموحدين يخلدون في الجنة بلا فناء.
ويقال في حق الطائفة من الناس إنها مِن أهل الجنة أو النار، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة) ولا يقال لمعيَّنٍ منهم: هذا في النار، وهذا في الجنة، إلا من جاء الدليل في تخصيصه، خلافا للمشركين، فحيث ما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار.
وأرى الكُفر كُفران، أكبر وأصغر، فمن كفر بالجملة بأحد الأركان الستة أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة؛ فهو كافر كُفرًا أكبر لا ينفعه معه عمل. أمّا إنكار شيء من التَّفاصيل فبحسب ظهورها وخفائها وحسب حال مُنكرها، ومن استهزأ بالله أو آياته المتلوّة أو دينه أو أحد من رُسُله أو شعائر دينه الظاهرة كالصلاة والصيام؛ فكفره أكبر، يستوي في ذلك الهازل والجاد.
ولا أكفِّرُ بالظّن، ولا بالشّبهة، ولا وبالتسلسل، ولا فيما لم يثبت بالدليل كونه كُفرًا، ولا فيما لم يثبُت وقوع فاعِلِه فيه.
وأرى أنْ ليس كل من وقع في الكُفر وقع الكُفر عليه، فلا أكفِّر من ثبت على مرتكبه مانعٌ مُعتبرٌ يصرف عنه الكُفر، كجهل لا سبيل معه إلى العلم، أو تأويلٍ معتبرٍ له فيه برهان من الشريعة ولم يَعلَم على خلافه إجماع، أو خطأ بالقصد كسبق اللسان، وسوء التعبير، أو اكراه يُلجئً مثلَه إلى ذلك الفعل، أو زوال عقل أو عدم تكليف.
أما من لم يؤمن بأركان الإيمان الستة، فلا يُعذَر في ذلك في الدّنيا، وَصَلَتهُ الدعوةُ أم لم تصِله، إلا المجنون الذي وُلد من مُسلم فإنّي لا أعلم خلافًا بين أهل العلم في الصلاة عليه وإن كان لا يفهم هذه الأمور. ومن لم تبلغه الدعوة فإن الله يمتحنه في عرصات يوم القيامة، فإن أطاع نجا، وإن عصى عوقب، وهذا لا يزيل عنه اسم الكفر في الدّنيا.
ولا يضرُّ الكافرُ إلا نفسه، ولا ينفَعُ المُطيعُ إلا نفسه، والله تعالى منه النفع وغيره ولا ينفعه ولا يضره شيء.
وأنّ المُرتدّ أو من أتى حدًّا، وكذا سائر المُجرمين؛ أمرُهم في الدنيا إلى السُّلطان أو نائبِه يحكُم فيهم بشرع الله، وليس لأحد من عامة الناس أن يحاسبهم أو يعاقبهم حتى لو قصَّر السلطان.
والبدعة هي الزيادة في الدين، فإن كانت في الاعتقاد فتسمى “هوى”، وكل بدعة ضلالة.
وأقول في التبديع ما قلت في التكفير من شروط وموانع، فمن وافق بدعةً؛ ينظر فيه قبل أن يُبَدَّع، إلا من انتسب إلى طائفة منهم، أو أخذ بأصل من أصول أهل البدع يبني عليه، فهذا مبتدع. ولا يحكم على إنسان أنه من أهل السنَّة حتى يستكمل خصال السنَّة التي اتفق عليها أئمتهم وجعلوها أصولًا.
ولا يصح تبديع الناس بالمسائل الاجتهاديّة (على معنى الاجتهاد الذي يأتي تحريره)
ولا أجعل المعاصر والمتأخر بمنزلة السلف.
وأن الولاء للإيمان وأهله، والبراء من الشرك وأهله. وأنّ المُسلِم قد تجتمع فيه الحسنات والسَّيِّئات، فيوالى بقدر ما معه مِن حسنات ويُتبرّأ منه بقدر ما معه مِن السَّيئات. وأنه لا يجوز لمُسلمٍ أن يُنَصِّب شخصًا يوالي ويُعادي عليه إلا من عيّنه الله ورسوله.
والإيمان يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، وأنّه لا يصح إلا بالكفر بالطّاغوت -على تعريف الصّحابة والتّابعين لمعنى الطّاغوت والكفر به-، وأنّ الإيمان لا يصح دون النطق بالشهادتين والإتيان بجنس العمل مع القُدرة. وأرى كفر تارك الصلاة حاشا من يفرّط أحيانًا.
وأُثبت لله ما أثبتَه لنفسه في كتابه وعلى لسان نبيّه مِن الأسماء والصِّفات دون تحريف، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا تعطيل. ولا أرى صحّة الخوض فيما لم يخض به الصحابة والتَّابعون من مسائل الاعتقاد، مالم تدعُ الحاجة إليه لنفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وأُقرُّ بالغيب، والميثاق، وحياة البرزخ نعيمها وعذابها، والحوض، والصراط، والجن، والسّحر، والدّجال، والدّابّة، ونزول المسيح ﷺ آخر الزمان على ملّة محمد ﷺ.
وأرى أنّ خير من دان بدينِ مُحمّدٍ ﷺ بعده الخلفاءُ الراشدون: أبو بكر، فعمر، فعثمان، فعلي، ثم سائر العشرة المبشرين بالجنة، ثم سائرُ الصّحابةِ يتفاضلون بحسب إيمانهم، وكذا الذين يلونهم، فالذين يلونهم، فالذين يلونهم ممن تبعهم بإحسان، وأسأل الله أن أكون وأمي وأهلي منهم. والحسن خليفة راشد وسيِّدٌ رضي الله عنه وهو والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
وألّا فرق بين عربي ولا أعجميٍّ ولا أحمر ولا أسودَ إلا بالتقوى، ولا أنكر فضل العرب، وأقول ربَّ اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا.
وأرى تحزّب المسلمين لغير دين الله فُرقة، وأنّ افتراق كلمةَ المسلمين فشل، واقتتالهم فتنة، وأنّ على ضالّهم الاعتصام مع صالحهم بحبل الله، وانّ الواجب لهم النّصيحة.
وأنّ أمّهات المؤمنين طاهرات مُبرءات مما نَسَبَ إليهم الزنادقة، وأنّ شاتمهن بين مؤذٍ للنبي، ومُنكر لبراءة أمّ المؤمنين التي أنزلها الله في كتابه، وهذا كُفر.
وأرى أن الحُجّة في الأحكامِ لا تقوم إلا بنصٍّ مُفهِم من القرآن، أو من صحيح السُنّة، أو بإجماعٍ صحيح، وأنّ ما دونَ هذه الثلاثة قابلٌ للأخذ والرَّد، ويُرجع فيه إلى القرآن والسنّة يحكمان فيه. وأن قول الصحابي الذي لا مخالف له حجّة، إلا إن قاله بعد فناء جمهور الصحابة فيكون فيه مجال للنظر.
وأرى قولي خطًأ إذا خالف ذلك، سواءٌ عرفتُ خطئي أم جهلتُه، وسواء ثبت خطئي في حياتي أو بعد مماتي.
وأن الاجتهاد السائغ هو ما كان لا يخالف نصًا صريحًا من القرآن أو السنّة الصحيحة أو إجماعًا صحيحًا، وكان له برهانٌ بيّن في الكتاب أو السنّة وكان لقائله فيه سلف، والسلف عندي الصحابة، وكذا التابعين وأتباعهم المشهور منهم بعدالته إذا كان لقوله برهانٌ من القرآن أو السنّة. وما سوى ذلك فليس اجتهادًا سائغًا، ولا أرى صحة الاجتهاد في مثله، إلا إن كان في مسألة حادثة لم يعرفها السّلف، فتلك مسألةٌ اجتهاديّةٌ ولا بُد، إلا إن حصل فيها إجماع.
وما كان معلومًا مشتهرًا على عهد النّبي ﷺ ولم يرد فيه نصٌّ يُخرجه عن أصله، فيُبقى على أصله، وأنّ براءة الذمة مقدمة على القياس، وأنّ النسخ حق، ولا يُصار إلى الترجيح ما أمكن الجمع. وأنّ كُلَّ تشريع أُحدِثَ بعد النبي ﷺ بدعة، وأنّ كلّ بدعةٍ ضلالة. وأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، والأصل في الشّرائع التّوقيف.
وأنّ الحقَّ واحد لا يتعدد، وإنّما يُعذر من خالف الحق إن كان الحقٌّ غير واضح، أو كان المخالف مَن أهل الإجتهاد بحق وكان اجتهاده سائغًا -على ما قدّمت-، أو كان مُقلّدًا لمجتهدٍ ممن يصحُّ في حقِّهِ التَّقليد، ولم يبيَّن له الحقُّ بدليل يفهمه. وأن أحقُّ مَن قُلِّد في المسائل الإجتهادية الصّحابة، أولهم الخلفاء الراشدون، ومعاذ بن جبل الذي هو أعلم الأمة بالحلال والحرام، وابن عباس الذي دعا له رسول الله بالفقه، وابن عمر، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وزوجات الرسول ﷺ خاصة فيما كان من أحكام البيوت والنّساء، وغيرهم من الصّحابة، ثم التابعون من أهل الفقه والعلم -رضي الله عن الجميع- .
وأنّ الواجب هو ما أمر الله به ورسولُه، والحرام ما نهى الله عنه رسولُه، وأنّ فعل الرّسول ﷺ الذي لم يأمر به مستحبٌّ إلا بقرينة تصرفه إلى غير ذلك.
وأنّ السنّة متواترها وآحادها حُجّة ما ثبتت صحته، وأنّ مُنكر حُجيّة السنّة ليس مسلمًا. وأنّ تبليغ السنّة واجبٌ كفائي على المُسلمين.
وأنّ الصّحابة عدول، وأنّ عدالة الراوي وضبطه شرطان لقبول روايته، وأنّ الجارح التقيّ العالِم يقدَّم قوله على المُعدِّل إذا بيّن سبب الجرح، ويُنظر في السبب.
وأرى أنّ واجب الحاكِم إقامةُ دين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وواجبُ الرّعيّة طاعته والإنقيادُ له على ذلك ديانةً، والنّصحَ له، وعدم الخُروج عليه ديانةً مادام مُسلمًا محافظا على دين الله بالجُملة، وإن وقع مِنه شيء من الظلم والفسوق، أما الكافر أو المبدّل لدين الله بالجملة؛ فيُوافَق في الأمور التي تحقق المصلحة العامّة ولا تخالف الدين، ويُردُّ أمر التعامل معه أو الخروج عليه إلى أهل العلم. ونَزعُ الحاكم غيرُ الخروج عليه. وأنّ المسلم عليه لزوم جماعة المسلمين. وأرى صحّة الصلاة خلف كلِّ بر وفاجر مالم يكفر.
وأرى في المصالح تقديم الأصلح للوقت، فالأصلح المطلق، فالصالح، والمفاسد يُرتكب أدناها عند تزاحُمها، وأنّ دفع المفسدة مُقدّم على جلب المصلحة عند التساوي. وأن مصلحةَ الأمّة فوق مصلحة الفرد. وأنّ الأخذ بالرّخص في الإكراه والضرورة جائز، وأكرهه لِلذين يَقتدي النّاس بهم.
ولا أقول لشرائعِ الله وأوامره: لِمَ؟ ولا: لا. ولا أقول للغيب كيف؟. وأكِلُ عِلم ما لا أعلم إلى الله. وأرى ألا تُردُّ أحكامُ الله وأخبارُه بالعقول والتّأويلات الفاسدة.
وأن دم المُسلم، وماله، وعِرضه حرامٌ انتهاكها، ولا يُعتدى عليه إلا إذا اعتدى بقدر اعتدائه.
وأقول: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، سائلًا المولى أن يختِم لنا على خير، ويُكرمنا برؤية وجهه الكريم في الجنّة، وأن يصلي ويسلم على محمّدٍ وسائر المُرسلين.
والحمد لله رب العالمين.