الناحية الأولى: استشهدوا بحديث (إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ)
والرد
- هذا الحديث الذي جعلوه أملهم الأخير لإثبات صحة بدعتهم ضعيف. قال محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على الحديث في سنن ابن ماجه (3950): في الزوائد في إسناده أبو خلف الأعمى واسمه حازم بن عطاء وهو ضعيف. وقد جاء الحديث بطرق في كلها نظر. قاله شيخنا العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي.
وقال السهسواني في “صيانة الإنسان”: وفي سنده معان بن رفاعة وهو لين الحديث كثير الإرسال، وأيضاً في سنده أبو خلف الأعمى وهو متروك كذبه يحيى بن معين كما تقدم. فهذا الحديث ضعيف جداً ليس مما يحتج به على شيء من الأحكام الشرعية. - لو افترضنا صحته، فلابد من جمع رواياته لفهم المُراد، فقد رواه الداني في الفتن (285) عن أبي أمامة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى سَبْعِينَ فِرْقَةً , فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ , وَسَائِرُهَا فِي النَّارِ , وَلَتَزِيدَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِمْ وَاحِدَةً , فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ , وَسَائِرُهَا فِي النَّارِ» , فَقُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» , قَالَ: فَقُلْتُ فِي السَّوَادِ الْأَعْظَمِ: مَا قَدْ تَرَى؟ قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْفُرْقَةِ»
- وكذلك نجمع إليه فهم الصحابة، وقد جاء في مسند أحمد (19414) أن ابن جهمان قال لابن أبي أوفى: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: ” وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ، فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ، وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ) واسناده قابل للتحسين. وقد دل على ان الأمر يتعلق بالاجتماع على السلطان المسلم.
- قال العلامة أبي شامة في كتاب الحوادث والبدع: حيث جاء به الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم
- قال الإمام ابن حزم: “وَأما مَا اجْتمعت عَلَيْهِ الْجَمَاعَات الْعَظِيمَة من أرائهم مِمَّا لم يَأْتِ بِهِ نَص عَن الله عز وَجل وَلَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ بَاطِل عِنْد الله بِيَقِين لِأَنَّهُ شرع فِي الدّين مَا لم يَأْذَن الله عز وَجل وَقَالَ على الله تَعَالَى مَا لم يقلهُ” [الفصل:ج5ص72]
الناحية الثانية: هل هم السواد الأعظم؟
لو سألنا أي أحد من عوام الناس الذين على الفطرة، والذين يعرفون الكتاب والسنّة عن أصل من أصول الأشاعرة، كالقوّة المودعة، أو إنكارهم أن الله فوق العرش، أو نفيهم للصفات، أو قولهم بالكلام النفسي؛ لوجدت الناس كلهم على عقيدة أهل السنة، ولا يعرفون شيئًا من الفلسفة، أو عقيدة الكلّابيّة التي يتبناها الأشاعرة والماتريدية.
(Visited 3٬216 times, 3 visits today)
حديث (إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ)