بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
قد كثر السؤال عن متن العقيدة المعروف بـ (الطحاوية) فكتبت هذا المقال تجنبا للتكرار، وسأذكر الملحوظات على هذا المتن
وقد كان أهل العلم السنيون معرضين عن هذا المتن، ولم أجد للفحول نقلا عنه في كتبهم -مثل اللالكائي وابن بطة واللآجري- بل كان الذي يعتني به هم أهل الكلام، وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية – ط الأوقاف السعودية (ص25): «وَقَدْ شَرَحَ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ بَعْضَ الشَّارِحِينَ قَدْ أَصْغَى إِلَى أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ، وَاسْتَمَدَّ مِنْهُمْ، وَتَكَلَّمَ بِعِبَارَاتِهِمْ… وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَشْرَحَهَا سَالِكًا طَرِيقَ السَّلَفِ فِي عِبَارَاتِهِمْ» فلما وقع المعاصرون على شرحه استسهلوا تكرار ما فيه وإعادة صياغته لتدريسه في دروسهم مهملين شرح عقائد أئمة أهل الحديث والأثر، كالحميدي وأحمد والبخاري والمزني والرازيين وحرب الكرماني… الخ
وعناينهم بهذا المتن فكانوا على ضروب:
- منهم من تبنى العقيدة هذه بما فيها مما ينتقد.
- ومنهم من تعنت في تحريف عبارات الطحاوي لنصبح موافقة لمنهج ذلك الشارح.
- ومنهم من خطَّأه، وهذا لا أدري لماذا يشرح متنا يخالفه.
التعليقات
قال الطحاوي: هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبدالله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين؛ وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين.
في هذا ثلاث ملحوظات:
أولا: هو اشترط في هذا المتن ذكر عقيدة من سماهم
وقد قال البخاري: «نعمان بْن ثابت أَبُو حنيفة الكوفِي … كَانَ مرجئا» التاريخ الكبير للبخاري (8/ 81 ت المعلمي اليماني)
وقال أبو الحسن الأشعري: «الفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه» مقالات الإسلاميين (ت:زرزور 1/ 119)
وقال ابن حبان: «مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ صَاحب الرَّأْي صحب النُّعْمَان وَهُوَ أَبُو حنيفَة … وَكَانَ مرجئا دَاعيا إِلَيْهِ وَهُوَ أول من رد على أهل الْمَدِينَة وَنصر صَاحبه يَعْنِي النُّعْمَان» المجروحين (ت:زايد 2/ 275)
قال صالح آل الشيخ (معاصر) في شرح الطحاوية «قال [أي الطحاوي] (والإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان) وقال (وأهله في أصله سواء) وهذه من مقالة المرجئة، وقد ذكر هو [أي الطحاوي] في صدر عقيدته هذه أنَّ هذا الُمعتَقَد الذي كتبه هو اعتقاد أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وهذا ظاهر فيما ذَكَرَ من مسألة الإيمان»
وقال الراجحي (معاصر) في شرح الطحاوية: «والمرجئة طائفتان، كما سيأتي مرجئة محضة، الجهمية وغيرهم، ومرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه، كلهم غلطوا في هذا، والمؤلف الطحاوي مشى على قول المرجئة»
وقال البراك (معاصر) في شرح العقيدة الطحاوية (ص228): «وقد خالف أهل السنة والجماعة طوائف المرجئة، فمنهم مرجئة الفقهاء وهم الذين ذكر الطحاوي مذهبهم»
وهذا المذهب سنرى أثره بعد قليل.
ثانيا: الطحاوي خالف المشهور عن أبي حنيفة في مسألة الخروج على الحاكم، كما سأنبه في موضعه. فلا يوثق أنه لم يخالفه في غير هذا.
ثالثًا: لم يسند الطحاوي كلامه إلى المذكورين، فلا ندري إذا وصله شيء عنهم، هل وصله بإسناد صحيح أم لا، أم هل ما كتبه كان ظنا منه على ما وافق شيوخه، أم فهمًا فهمه، كما في المسألة السابقة خالف فيها المشهور عن أبي حنيفة. وسأحاول الاستعانة بالفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة لتوثيق أقواله.
قال الطحاوي: قديم بلا ابتداء / ما زال بصفاته قديما قبل خلقه
التعليق: هذه الكلمة (قديم) لم ترد في حق الله تعالى، وهي مما يستعمله أهل الكلام.
قال الطحاوي: وكل دعوى النبوة بعده فغَيٌّ وهوى
التعليق: لو كانت بدعة لجاز له أن يكتفي بوصفها بأنها غي وهوى، لكن هي كفر بالإجماع.
قال الطحاوي: وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولا
التعليق: نعم؛ (منه بدا قولا) هذا كلام صحيح، لكن لا أعلم أحدا سبق الطحاوي إلى أنه (بلا كيفية) !
ولعل هذا فهمه لما في الفقه الأكبر (ص26): «وَنحن نتكلم بالآلات والحروف وَالله تَعَالَى يتَكَلَّم بِلَا آلَة وَلَا حُرُوف والحروف مخلوقة وَكَلَام الله تَعَالَى غير مَخْلُوق»
قال الطحاوي: والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية
التعليق: نفي الكيفية لا يُدرى ما أراد به، لكن قال رسول الله (ترون ربكم كما ترون القمر) فشبه الرؤية
قال ابن قدامة: «وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية» لمعة الاعتقاد (ص22)
قال الطحاوي: وتعالى عن الحدود والغايات
التوثيق: في الفقه الأكبر (ص26): «وَهُوَ شَيْء لَا كالأشياء وَمعنى الشَّيْء الثَّابِت بِلَا جسم وَلَا جَوْهَر وَلَا عرض وَلَا حد لَهُ»
التعليق: قال عثمان الدارمي : «وَادَّعَى الْمُعَارِضُ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ حَدٌّ وَلَا غَايَةٌ وَلَا نِهَايَةٌ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بنى عَلَيْهِ جهم ضَلَالَاتِهِ وَاشْتَقَّ مِنْهَا أُغْلُوطَاتِهِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ سَبَقَ جَهْمًا إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ» النقض على المريسي – (1/ 223 ت الألمعي)
وقال يحيى بن عمار «قدم علينا [ابن حبان] فأنكر الحد لله عز وجل فأخرجناه من سجستان» تاريخ دمشق لابن عساكر (52/ 253)
قال الطحاوي: لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات
التعليق: الجهات الست ليست ظرفًا يحوي شيئا، فالعبارة غير سليمة.
وقد قال الطحاوي مثبتا العلو: (( محيط بكل شيء وفوقه))
قال الطحاوي: ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين.
بيان: هذا يفهم منه نفي الاستثناء، أي: قول: أنا مؤمن إن شاء الله.
التوثيق: قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر (ص43): «ونسميه مُؤمنا حَقِيقَة»
وهذا مذهب أبي حنيفة، كما قال : «قَالَ وَإِذا قَالَ أنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى يُقَال لَهُ قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} فَإِن كنت مُؤمنا فصل عَلَيْهِ وَإِن كنت غير مُؤمن فَلَا تصل عَلَيْهِ» الفقه الأبسط (ص155)
وقال الماتريدي : «الأَصْل عندنَا قطع القَوْل بِالْإِيمَان وبالتسمى بِهِ بِالْإِطْلَاقِ وَترك الإستثناء فِيهِ» التوحيد (ص388)
التعليق:
قال حرب الكرماني في المسائل (3/ 967): «هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من قولهم: الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص وسنتنا في الإيمان سنة ماضية عن العلماء، وإذا سُئِلَ الرجل أمؤمن أنت؟ فإنه يقول أنا مؤمن إن شاء الله، أو مؤمن أرجو، أو يقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله»
وبوب الخلال في السنة (3/ 593): «الرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ»
وقال الكرجي القصاب: «رد على المرجئة فيما يزعمون أن الاستثناء في الإيمان شك فيه» النكت الدالة على البيان (1/ 139)
وقال ابن بطة: «بِهَذَا مَضَتِ سَنَةُ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَيْهِ جَرَتْ عَادَاتُهُمْ ، وَأَخَذَهُ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ ، فَلَيْسَ يُخَالِفُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِيمَانِ وَيَأْبَى قَبُولَهُ إِلَّا رَجُلٌ خَبِيثٌ مُرْجِئٌ ضَالٌّ ، قَدِ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى قَلْبِهِ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ» الإبانة الكبرى (2/ 873)
قال الطحاوي:
- ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين.
- والإيمان: هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان.
هذا شبيه بقول أبي حنيفة في الفقه الأكبر (ص55): «وَالْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار والتصديق وإيمان أهل السَّمَاء وَالْأَرْض لَا يزِيد وَلَا ينقص من جِهَة الْمُؤمن بهَا وَيزِيد وَينْقص من جِهَة الْيَقِين والتصديق والمؤمنون مستوون فِي الْإِيمَان والتوحيد متفاضلون فِي الْأَعْمَال»
التعليق: هذا خلاف قول أهل السنة، فهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل، ولا إيمان بلا عمل.
قال سفيان الثوري: «ولا يجوز القول إلا بالعمل» شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 171)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ: «لَا يَصْلُحُ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ» السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 337)
وَقَالَ لِي فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: «لَا يَصْلُحُ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ» السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 337)
«قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخَذْنَاهُ مِمَّنْ قَبْلَنَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ: وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ» السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 346)
«قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ يَقُولُ سَأَلْتُ وَكِيعًا قُلْتُ إِنَّ عِنْدَنَا قَوْمًا يَقُولُونَ إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَزْدَادُ فَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُرْجِئَةُ الْخُبَثَاءُ قَالَ أهل الْإِيمَان: لَا يجزئ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ »ذم الكلام وأهله (3/ 126)
«قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَسْتَقِيمُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ الْإِيمَانُ وَالْقَوْلُ إِلَّا بِالْعَمَلِ» الإبانة الكبرى – ابن بطة (2/ 807)
قال حرب الكرماني: «هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من قولهم:…ومن زعم إن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجي» المسائل (3/ 968)
قال الطحاوي: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله
التوثيق: قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر (ص43): «ولا نكفر مُسلما بذنب من الذُّنُوب وَإِن كَانَت كَبِيرَة إِذا لم يستحلها، وَلَا نزيل عَنهُ اسْم الْإِيمَان ونسميه مُؤمنا حَقِيقَة»
التعليق: العبارة قد تقبل ممن لم يوصف بالإرجاء إذا ثبت أنه يكفر بالذنوب التي هي كفر، فكل أفعال الكفر والشرك ذنوب، فكان الواجب أن يقول (بذنب دون الشرك)
قال الخلَاّل: أَنبأنا محمد بن أبي هرون أن إسحق بن إبراهيم حدثهم قال: حضرت رجلا سأل أبا عبد الله فقال: يا أبا عبد الله، إجماعُ المسلمين على الإيمان بالقَدَر خيره وشرّه؟ قال أبو عبد الله: نعم. قال: ولا تكفر أَحداً بذنبٍ؟ فقال أُبو عبد الله: اسكت، من ترك الصلاة فقد كفر، ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر.
قال أبو أحمد الحاكم: «وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا بِذَنْبٍ إِلَّا تَرْكَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ عَمِلَ بِالْكَبَائِرِ» شعار أصحاب الحديث (ص31)
قال الطحاوي: ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه
التعليق: هذا مخالف للإجماع، بل يكفر بجحود كل معلوم من الدين، وليس فقط ما أدخله فيه.
قال الزّجّاج (ت311): (اتَقوا أن تُحلُّوا ما حرم اللَّه، فإِن من أحلَّ شيئاً مما حرم الله فهو كافر بإِجماع) [معاني القرآن: آل عمران 131]،
قال أبو عثمان الصابوني (ت 449هـ): «وإن قال: (السحرُ ليس بِحَرامٍ، وأنا أعتقدُ إباحته) وجَبَ قتلُه، لأنه استباح ما أجمَعَ المسلمون على تحريمه» [اعتقاد السلف وأهل الحديث]
وقال الخطابي (ت388) عن الزكاة: «إن من أنكر ذلك في هذا الزمان كافر بإجماع الأمة» [أعلام الحديث ج1 ص742]
قال ابن الوزير (ت822هـ): «وَكَذَلِكَ انْعَقَد إِجْمَاعهم على أَن مُخَالفَة السّمع الضَّرُورِيّ كفر وَخُرُوج عَن الإسلام» [ايثار الحق ص116]
قال الطحاوي: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم
التعليق: هذا حق، لكنه خلاف ما عليه أبو حنيفة.
وللطحاوي مستمسك في قول أبي حنيفة في الفقه الأبسط (ص131): «قاتل أهل الْبَغي بالبغي لَا بالْكفْر وَكن مَعَ الفئة العادلة وَالسُّلْطَان الجائر وَلَا تكن مَعَ اهل الْبَغي»
لكن عند النظر إلى فتواه الأخرى وما صح عنه واشتهر يتبين غير ذلك.
في أحكام القرآن للجصاص : «وَكَانَ مَذْهَبُهُ مَشْهُورًا فِي قِتَالِ الظَّلَمَةِ وَأَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: احْتَمَلْنَا أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى جَاءَنَا بِالسَّيْفِ يَعْنِي قِتَالَ الظَّلَمَةِ فَلَمْ نَحْتَمِلْهُ، وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ: وُجُوبُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ بِالْقَوْلِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْتَمَرْ لَهُ فَبِالسَّيْفِ» أحكام القرآن للجصاص (1/ 85 ط العلمية)
وقال الجصاص : «فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْخَلِيفَةِ فِي أَنَّ شَرْطَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَدَالَةُ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ خَلِيفَةً وَلَا يَكُونُ حَاكِمًا» (1/ 85)
وفي مسائل ابن أبي شيبة عن شيوخه (ص128): «وسمعت أبي يقول سالت أبا نعيم يا أبا نعيم من هؤلاء الذين تركتهم من أهل الكوفة كانوا يرون السيف والخروج على السلطان فقال على رأسهم أبو حنيفة، وكان مرجئا يرى السيف ثم قال أبو نعيم حدثني عمار بن رزيق قال كان أبو حنيفة يكتب إلى إبراهيم بن عبد الله بالبصرة يساله القدوم إلى الكوفة ويوعده نصره»
وفي تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص506): «حدثنا أبو زرعة قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبُّوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ، فَأَطْرَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، فَسَكَتَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْوَدَاعِ قُلْتُ لَهُ: أَوْصِنِي قَالَ: أَمَّا إِنِّي أَرَدْتُ ذَاكَ، وَلَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي، سَمِعْتُكَ تُطْرِي رَجُلًا كَانَ يَرَى السَّيْفَ فِي الْأُمَّةِ» وروى نحوه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 222): «حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُبَارَكِ»
وفي السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 182): 234 – حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرَى السَّيْفَ» قُلْتُ: فَأَنْتَ؟ قَالَ: «مَعَاذَ اللَّهِ»
وفي المعرفة والتاريخ (2/ 788): «حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ السُّلَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيَّ يُحَدِّثُ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: قُتِلَ أَخِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ الْفَاطِمِيِّ بِالْبَصْرَةِ، فَرَكِبْتُ لِأَتَعَدّ فِي تِرْكَتِهِ، فَلَقِيتُ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ أَرَدْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَصِّيصَةِ وَأَرَدْتُ أَخًا لِي قُتِلَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّكَ قُتِلْتَ مَعَ أَخِيكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي جِئْتَ مِنْهُ. قُلْتُ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْتَ مِنْ ذَاكَ؟ قَالَ: لَوْلَا وَدَائِعُ كَانَتْ عِنْدِي وَأَشْيَاءُ للناس ما تلثت فِي ذَلِكَ» ورواه الخطيب في تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (13/ 384): «أَخْبَرَنَا ابْن الفضل، أخبرنا ابن درستويه حَدَّثَنَا يَعْقُوب قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوان بْن صالح الدّمشقيّ، حَدَّثَنِي عُمَر بن عبد الواحد السلمي قال: سمعت إبراهيم بن مُحَمَّد الفزاري» وصححه المعلمي في التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (10/ 163 ضمن آثار المعلمي)
__________
والحمد لله