كيف سيطر حافظ أسد على الأغلبية السنية في سوريا واستحوذ على العمائم المنتسبة للسنة؟
الشعوب المسلمة رزقها الله تعالى قلوبا رقيقة، فتجد أنه حتى العاصي منهم يحب الدين ويحترمه ويحترم أهله، فإذا كان يدخن فرأى الشيخ؛ يطفئ سجارته، وإذا كان عنده مشكلة ما فيذهب للشيخ لحلها.
انتبه حافظ أسد إلى هذه النقطة، وعلم أنه إن سيطر على الشيوخ فبإمكانه السيطرة على الغالبية المسلمة في سوريا. فبعد أن عرفنا الباب، يبقى السؤال: كيف نفتحه.
عند النظر إلى الحالة الإسلامية تجد أن البيئة الصوفية خصبة جدًا لهذا الأمر، حيث أن الشيخ عند عامة المسلمين له احترام ومكانة، أما عند الصوفية فله قدسية.
(فيديو1)
أنت لا تعرف الله، لا تصل لله بدون الشيخ، الشيخ كامل وأنت ناقص، وهو الواسطة بينك وبين ربك، وإذا كنت تعترض على الشيخ فلن تنتفع. ماذا يريد الطغاة أفضل من هذا الدين ليقضوا به على عقول الشعب، ويسيطروا به عليهم، ويقصقصوا به أجنحة من عنده حب لسلوك طريق التدين.
فتبنى حافظ هذا التيار، ودعمه، ومكنه من المنابر، وجعل منهم المفتي، والمدرس، وإمام المسجد، وخطيب الجمعة، والواعظ. ودعم مؤسساتهم، ومن أهمها مجمع أبو النور في دمشق في منطقة الصالحية التي كانت معقل الحنابلة، (يوجد صورة) هذا المجمع الذي أسسه أحمد كفتارو الأشعري النقشبندي الذي ستتعجبون من وجود مسلم يتبع النقشبندية إذا سمعتم حلقتي عنهم، كفتارو هو الذي قال في الفيديو ان المريد يكب قلبه في القمامة إذا أحب غير شيخه، ويقول أحد أبرز طلابه: (فيديو كفتارو)
مجمع أبو النور كان يدرِّس فيه رجب ديب الذي قال لابد من أن تعتقد كمال شيخك. وكثير جدا من المشاهير، (ضع صورا) مثل محمد خير الشعال، وأدهم العاسمي.
وفي حلب المدرسة الكلتاوية، كان مديرها المشرك الذي سمعناه في آخر الفيديو يأمر بذكر الشيخ، ولي حلقة أجمع فيها شركياته، وفي مدرسه كانوا يأخذون الطفل في عمر صغيرة، ويدرس عندهم حتى يتخرج إمام مسجد.
هذا التيار الأول، وهو الأكثر فسادًا في عقيدته، والأكثر عمالة للنصيرية.
سوريا كان فيها أطياف أخرى، فهناك صنف آخر من الأشعرية والصوفية يرى نفسه أكبر وأعقل من الخرافات، كان يهتم بالجانب العلمي والفكري، فاستخدم حافظ معهم أسلوبًا أكثر دهاءً، خلق معهم نوعا من الهيمنة العاطفية، فبث فيهم أولًا مشاعر الرعب منه (فيديو2) لكن حين تواصل معهم أعطاهم أمنًا وتواضعا عكس المتوقع تماما، فأحبوه، هذا يشبه ما يُعرف في علم النفس بمتلازمة ستوكهولم، حيث تتطور لدى الأفراد مشاعر إيجابية تجاه مصدر تهديدهم، فتعميهم عاطفتهم تجاه جلادهم عن سلبياته ويركزون في إيجابياته.
كان حافظ يتصل بأحدهم، ويسأله: أنا أصوم إثنين وخميس، ولكن الطبيب أمرني بشرب الدواء، فهل يجوز أن أفطر؟ هنا الشيخ سيدخل في قلبه، أن: ما هذا الرئيس التقي الذي كنا نسيء الظن به! هذا الرئيس اختارني أنا من دون الناس للسؤال، فلابد من أن أكون محل ثقة عنده، واعمل على تعزيز هذه الثقة.
وهكذا يلف عليهم، يتكلم معه: يا شيخنا علمني أذكار وأوراد
(فيديو3)
حزب النووي عند الصوفية هو ذكر خاص يقولون إن النووي اخترعه، وهو بمثابة أذكار الصباح والمساء عندنا. فالرجل نونوله، وأخذ الحزب ووضع الورقة في جيبه، وانظر في تعابير البوطي كيف اغتر به.
فهذا التيار الخارج بزعمه عن نمط الخرافة الصوفية كسبه حافظ بهذه الطرق، وسلمه المناصب في الجامعات والوزارات، واستخدمهم لتمجيده.
بل بعد أن دجن البوطي وضمن ولاءه أعطاه برانامجا تلفزيونيا يعرض كل جمعة على القناة السورية الرسمية، هو البرنامج الديني الأول والوحيد في التلفزيون السوري في ذلك الوقت.
وللعلم: هذان التياران المرضي عنهما كان الأمن لا يرخي لها الحبل 100% بل يسحلون الشيخ منهم إلى الفرع، ويهينونه، ريثما يأتي الضابط الكبير، ويجلسه عنده بالمكتب، ويقول للعناصر: جيبو قهوة لفضيلة الشيخ، آسفين شيخنا، هدول العناصر ما يعرفو قدركن، امسحوها بهالشوارب، وبعد القهوة، يقول له: كان واصلني تقرير إنك قايل كذا وكذا وحبينا نتأكد منك، إنت شيخنا وجزء من الوطن، واسمك عندنا نظيف، بس نريدك تدير بالك. هنا الشيخ صار في حالة بين الخوف من أن يهان مرة أخرى، وبين شعور أن الضابط احترمني وجابلي قهوة. وسيحب الضابط كما ذكرنا في متلازمة ستوكهولم. فعند ذلك سيبقى مواطنا صالحا إلى الأبد يا حافظ الأسد.
بقي تيار أخير من الصوفية يتمثل بأمثال الشيخ حسن حبنكة الميداني وهؤلاء كانوا بعيدين عن السلطة، ودينيا كانوا أقرب إلى طريقة الإخوان المسلمين، في أن اختلاف عقائد المسلمين هو اختلاف سائغ.
فحافظ تركهم، خوَّفَ الضعيف منهم وآذاه، وترك المشهور وصيَّرَهم عامل جذب للتيارات الآتي ذكرها، وكأنهم مرحلة انتقالية إلى التصوف.
أما التيار الرابع فهم السلفيون والإخوان المسلمون، ومع اختلاف المنهجين إلا أن تعامل الدولة معهم واحد، حتى أن أفكارهما كذلك صارت تتلاقح لاحقا، وكان هذا التيار هو الذي يمثل التهمة الأكبر في البلد، إذ أنهم المتطرفون الوهابيون، الخوارج، التكفيريون… إلخ.
وكان هذا التيار أمامه خيارين، إما ترك البلد، كما فعل الألباني، وزهير الشاويش، ومحمد سرور، وغيرهم، أو البقاء بانتظار الاعتقال في أي لحظة وبدون أي سبب معلن.
إذن تحصل عندنا أربعة تيارات إسلامية في سوريا:
الأول: صوفية خرافية تطبل لأي حاكم، مدعومة من الحاكم، داعمة له.
الثاني: صوفية غير خرافية مخدوعة بالحاكم مدعومة منه وداعمة له.
الثالث: حالة وسط غير مدعومة وغير داعمة، قلقة من أن تحسب على التيار الرابع.
الرابع: التيار المنبوذ الذي يخاف ويستخدم لتخويف التيارات الأخرى.
الآن عندنا التيارات الثلاثة الأولى تشترك مع حافظ أسد بوجود عدو مشترك، وهو جزء من التيار الرابع، أعني السلفية، ومن مصلحتهم التعاون مع الحكومة ضد هذا العدو، فالسلفية بالنسبة للظالم عدو لكونهم يدعون للانتماء الديني، ويرفضون العصبيات العروبية والوطنية، كذلك هم تيار يكفره ويكفر طائفته، كما أن السلفية يريدون حكما يوافق الدين.
وبالنسبة للأشعرية والصوفية، فالسلفية يهددون وجودهم، لأنهم يدعون إلى الرجوع للكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، والرد على البدع، ودين الأشعري والصوفية قائم على البدعة.
استفادة حافظ من الدين المحرف ليست مسألة جديدة، بل من القديم كان العلماء يقولون (الإرجاء دين يوافق الملوك) فحافظ ليس من مصلحته أن يحارب دين 80% من شعبه، وإنما يصنع لهم دينًا يلائمه. وبقاء هذه الأغلبية يضمن له ولاء غير متناه من طائفته له إذ أن تمسكهم به أصيح أمرا مصيريا بالنسبة لهم، أضف إلى أنه ليس عنده هو وطائفته دين لينشروه، فأصلا دينهم سري غير تبشيري، فمصلحته في نشر دين الصوفية.
وهذا هو الذي يقدم لنا تفسر التساؤل الذي خطر ببال كثير من السوريين، وهو: لماذا في كل حي من أحياء المدن السورية نجد (معهد الأسد لتحفيظ القرآن)
في الواقع الذي أسس هذه المعاهد هو حافظ أسد بالتعاون مع محمد حبش تلميذ وصهر كفتارو (فيديو 4)
في الواقع، الظالم لا يهمه كم تحفظ من القرآن، وإنما يهمه أن لا تعمل به، ولا تدعو إلى ما فيه. وطالما أنه تحت مظلة المرجئة والصوفية، فلا بأس.
كل هذا لم يكف حافظًا فخطرت بباله فكرة إبليسية بامتياز
(فيديو 5)
يعني منذ 1980 كل سنة يتخرج عندنا 40 أو 50 ضابطًا علويًا يؤمنا في المساجد، ويعلم الناس في المدارس والجامعات الشرعية.
فلا تستغرب عندما ترى السجلات التي صورها الثوار في الفروع الأمنية التي تحمل أسماء من يصلي الفجر، وأمثال ذلك.
(في صورة للعاسمي) وتجد الشيخ الصوفي يخرج وصورة بشار خلفه، واسم كفتارو أمامه، ويقول لك: قال الله وقال الشيخ، والناس تصدق، لأنهم عاشوا وتربوا على هذا النمط، فتعمى قلوبهم وعيونهم عن الحق. فلا يحتاج حافظ أسد ولا ولده أن يصرفا الناس عن الدين، إذ الدين أصبح في قبضتهم.