[شبهة] طلحة والزبير قتلا عثمان رضي الله عنهم؟

بسم الله

 

احتج المعارض برواية في المستدرك، وهي

4606 – فَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، وَعَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ، قَالَا: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا أَبُو مُوسَى يَعْنِي إِسْرَائِيلَ بْنَ مُوسَى قَالَ:

سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ:

جَاءَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إِلَى الْبَصْرَةِ فَقَالَ لَهُمُ النَّاسُ: «مَا جَاءَكُمْ؟» قَالُوا: «نَطْلُبُ دَمَ عُثْمَانَ»

قَالَ الْحَسَنُ: «أَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ، أَفَمَا كَانَ لِلْقَوْمِ عُقُولٌ فَيَقُولُونَ: (وَاللَّهِ ‌مَا ‌قَتَلَ ‌عُثْمَانَ ‌غَيْرُكُمْ)؟»

قَالَ: «فَلَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ، وَمَا كَانَ لِلْقَوْمِ عُقُولٌ فَيَقُولُونَ: (أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّا وَاللَّهِ مَا ضَمَنَّاكَ)»

[سكت عنه الذهبي في التلخيص ‌‌4606]

الجواب:

الظاهر أن الحسن قصد أنهما ما قاتلا دفاعا عنه، فكان عليهما لوم في قتله، وإلا فكيف يذهبان ويطالبان بدمه والقصاص من قاتليه، إذا كانا هما من قتلاه؟ فهذا غير معقول، فالرواية بنفسها ترد هذا، وغيرها من الروايات يؤيد براءتهما.

ومما يؤيد هذا المعنى الذي ذكرته:

«عن مطرف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله، ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه! قال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وعمر وعثمان: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} لم نكن نحسب أنا أهلها، حتى وقعت منا حيث وقعت». مسند أحمد (1414) قال المحقق: «إسناده صحيح»

«حدثنا أسود بن عامر حدثنا جرير قال سمعت الحسن قال: قال ‌الزبير بن العوام: نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – {واتقوا فتنة ‌لا ‌تصيبن ‌الذين ‌ظلموا ‌منكم خاصة} فجعلنا نقول: ما هذه الفتنة؟! وما نشعرأنها تقع حيث وقعت» مسند أحمد (1438)

 

ومن ذلك أنهما ذهبا إلى أم المؤمنين عائشة، وقالا لها: نطالب بدم عثمان، فلم تقل لهما إنهما من قَتَلَتِه.

 

ومن ذلك أن علي بن أبي طالب كان في المدينة حتمًا آن ذاك، وهو أعلم بهذه الفتن من الحسن، فلما طالباه بالقصاص لدم عثمان ما قال لهما أنتما من القتلة.

 

ومما يؤيد براءتهما:

روى أحمد في فضائل الصحابة 836 – حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال: حدثني أبي، عن موسى بن عقبة،
عن أبي حبيبة، قال: ‌بعثني ‌الزبير ‌إلى ‌عثمان، وهو محصور، فدخلت عليه في يوم صائف، وهو على فرش ذي ظهر، وعنده الحسن بن علي، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وبين يديه مراكن ماء مملوءة، ورياط مطرحة، فقلت: بعثني إليك الزبير وهو يقرئك السلام ويقول: إني على طاعتك لم أبدل ولم أنكث، فإن شئت دخلت الدار معك، فكنت رجلا من القوم، وإن شئت أقمت، وإن بني عمرو بن عوف وعدوني أن يصبحوا على بابي، ثم يمضوا لما آمرهم به.
فلما سمع الرسالة قال: الله أكبر، الحمد لله الذي عصم أخي، أقرئه السلام وقل له أن يدخل الدار لا يكون إلا رجلا من القوم، فمكانك أحب إلي، وعسى أن يدفع الله بك عني.

قلت: وهي رواية حسنة (1)

 

الشبهة الثانية

عن ابن عمر: أن عثمان أشرف على ‌أصحابه وهو ‌محصور، فقال: علام ‌تقتلوني؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ” لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عمدا فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل “، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت أحدا فأقيد نفسي منه، ولا ارتددت منذ أسلمت، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله (رواه أحمد 452)

فقاتل عثمان هم أصحابه

الجواب:

أصحابه هنا ليست بمعنى رفاقه، وإنما الذين حاصروه وأرادوا قتله، كما قال تعالى: {أَصْحَابَ السَّبْتِ} أي الذين انتهكوا حرمة يوم السبت، وقال الله مخاطبا للكفار: {مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} فسمى رسول الله صاحبا لهم، مع كفرهم به، وذلك أنه صاحب أمر دعوتهم.

فكذلك أصحاب عثمان هم أصحاب أمر محاصرته، وأصحاب انتهاك حرمته.

 

الشبهة الثالثة

روى البخاري (2778): عن ‌أبي عبد الرحمن «أن عثمان رضي الله عنه حيث حوصر أشرف عليهم وقال: ‌أنشدكم ‌الله ‌ولا ‌أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر رومة فله الجنة فحفرتها…الخ

قالوا: فها هو ينادي الصحابة ويكلمهم في هذا، فهم كانوا يحاصرونه

الجواب:

عادة الناس إذا جرى حدَثٌ فإنهم يهرعون إليه لرؤية ما يدور.

وسبب ثان لمجيئهم: أنهم كانوا جاهزين للقتال دفاعًا عنه، لولا أنه منعهم من ذلك، كما روى أحمد في المسند «فلما كان يوم الدار وحصر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين، ألا تقاتل؟ قال: ” لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌عهد ‌إلي ‌عهدا، ‌وإني ‌صابر ‌نفسي ‌عليه». مسند أحمد (24253) قال المحققون: «إسناده صحيح على شرط الشيخين»

 

وروى الدارقطني في سننه (4441) نا ابن صاعد ، نا بشر بن آدم بن بنت أزهر السمان ، نا جدي أزهر بن سعيد ، عن ابن عون ، حدثني عمر بن عبيد الله ، حدثني موسى بن حكيم ، قال: كتب ابن عامر إلى ‌عثمان كتابا فقدمت عليه وقد نزل به أولئك فعمدت إلى الكتب فخيطتها فجعلتها في قبائي ثم لبست لباس المرأة فلم أزل حتى دخلت عليه فجلست بين يديه فجعلت أفتق قبائي وهو ينظر فدفعتها إليه ، فقرأها.

ثم أشرف على المسجد فإذا طلحة جالس في المسجد في المشرق ، فقال: ‌يا ‌طلحة ، قال: يا لبيك ، قال: نشدتك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يشتري قطعة فيزيدها في المسجد وله بها كذا وكذا» ، فاشتريتها من مالي فقال طلحة اللهم نعم ، قال: فأنتم فيه آمنون وأنا فيه خائف ، ثم قال: ‌يا ‌طلحة ، قال: يا لبيك ، قال: أنشدتك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يشتري بئر رومة» ، يعني بكذا فيجعلها للمسلمين وله بها كذا كذا فاشتريتها من مالي؟ ، فقال طلحة: اللهم نعم ، فقال: ‌يا ‌طلحة ، قال: يا لبيك ، قال: نشدتك بالله هل تعلمني حملت في جيش ‌العسرة على مائة ، قال طلحة: اللهم نعم ، ثم قال طلحة: اللهم لا أعلم ‌عثمان إلا مظلوما. (2)

فكيف يقول له (يا لبيك) وهو عدوه، وكيف يقول إنه قُتل مظلوما ويطالب بدمه، وهو القاتل؟!

والله المستعان

 

____________
الحاشية
____________

(1)

بيان صحية الرواية

مصعب بن عبد الله الزبيري «قال أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي خيثمة: كتب عنه أَبِي، ويحيى بْن مَعِين. / وَقَال أَبُو داود: سمعت أحمد بْن حنبل يقول: ‌مصعب ‌الزبيري ‌مستثبت. / وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبي شَيْبَة، عَن يحيى بْن مَعِين: ثقة. / وكذلك قال الدَّارَقُطنِيّ». تهذيب الكمال في أسماء الرجال (28/ 36)

والده قال أبو زرعة الرازي: «شيخ» علل الحديث (1819) وقال الذهبي: «وقد لينه: ابن معين. وقال أبو حاتم: هو من بابة عبد الرحمن بن أبي الزناد». سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (8/ 517) قلت: وابن أبي الزناد صدوق

موسى بن عقبة، هو الإمام صاحب المغازي قال يحيى بن معين: «موسى ‌بن ‌عقبة ‌ثقة» تاريخ دمشق لابن عساكر (60/ 463)

(2)

ابن صاعد، هو يحيى بن محمد بن ‌صاعد «‌سُئل ‌الدَّارَقُطْنيّ ‌عَنْ ‌يحيى ‌فقال: ‌ثقة، ‌ثبتٌ، ‌حافظ». تاريخ الإسلام – ت تدمري (23/ 575)

بشر بن آدم: «قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: ‌سمع ‌منه ‌أبى، ‌وسألته ‌عنه، ‌فقال: ‌ليس ‌بقوي. / وقال النسائي: لا بأس به / وذكره أبو حاتم بن حبان في “كتاب الثقات” وقال: حدثنا عنه إسحاق بن إبراهيم وغيره». تهذيب الكمال في أسماء الرجال (4/ 92)

أزهر بن سعد، أبو بكر ‌السَّمَّان البَاهليُّ، مولاهم البَصْريّ، «قال يحيى بن معين: أروى الناس عن ابن عَوْن، وأعرفهم به: أزهر، وهو ثقة». الكمال في أسماء الرجال (3/ 199)

ابن عون «وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أفضل من ابن عون». سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (6/ 365) و«قال عثمان بن سعيد: سألت ابن معين عن ابن عون، فقال: هو في كل شيء ثقة». سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (6/ 368)

عمرو بن عبيد الله، ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 177)

«مُوسَى بن حَكِيم». الثقات لابن حبان (5/ 402)

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

Visited 2,587 times, 1 visit(s) today
[شبهة] طلحة والزبير قتلا عثمان رضي الله عنهم؟
Scroll to top