15 نص عام ومخصصاتها
الأكل من البُدن
قال الله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36]
قال البرماوي: «فيه عموم جواز الأكل مِن ذلك مطلقًا، لكن خُص من ذلك ما كان في جزاء الصيد، فإنه يحرم الأكل منه بالإجماع» ([1])
الحمل
قال الله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾
فالآية عامة في جميع المطلقات، إلا أنها خصصت بقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾
قال المارديني: «كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء﴾ [سُورَة الْبَقَرَة: 228] فَهَذَا عَام خصصه قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأولَات الْأَحْمَال أجهلن أَن يَضعن حَملهنَّ﴾ [سُورَة الطَّلَاق: 4]» ([2])
الزواج
قال الله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النِّسَاء: 3]
هذه آية عامة لوجود الاسم الموصول «ما» وهو يفيد العموم، إلا أنها خصصت بغير المحارم.
قال المارديني: قَوْله تَعَالَى: « قوله تعالى: ﴿فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء﴾ [النِّسَاء: 3] خصصه قَوْله تَعَالَى: ﴿حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم﴾ [النِّسَاء: 23]»
([3])
ميراث الأولاد
قال الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء 11]
هذه الآية تعم جميع الأولاد، إلا أنها مخصوصة، قال الأرموي: «الآية مخصوصة بالعبد والقاتل والكافر» ([4])
الدباغة
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» ([5])
والإهاب هو جلد البهيمة.
هذا نص عام في كل إهاب، ولفظ العموم فيه «أيُّ» إلا أن عددا من العلماء خصصه بإهاب الدواب مأكولة اللحم.
قال ابن تيمية: «بل يطهر جلد المأكول دون ما سوى ذلك. فلذا لا تطهر جلود السباع بالدباغ لما جاء النهي عنه لأنّ حديث: “أيّما إهاب دبغ” عام خصصته أحاديث النهي عن افتراش جلود السباع» ([6])
الأمر بالتقوى
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ [النساء: 1]
هذه الآية عامة تشمل جميع الناس، إلا أنه استثني بنها غير المكلفين.
قال الجصاص: «وَفِي عُقُولِنَا أَنَّ مُخَاطَبَةَ الْمَجَانِينِ وَالْأَطْفَالِ بِذَلِكَ سَفَهٌ. فَصَارَتْ الْآيَةُ مَخْصُوصَةً بِالْعَقْلِ» ([7]) ولعل الأولى أن نقول أن التخصيص كان بقول رسول الله ﷺ: «رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظَ، وعن المُبتَلَى حتى يبرأ، وعن الصَّبىِّ حتى يَكْبَرَ»([8])
قطع يد السارق
قال الله تعالى: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾
هذا نص عام، لأن كلمة ﴿السارق﴾ و ﴿السارقة﴾ معرفة بأل الجنسيَّة.
ولكنه مخصوص بقوله ﷺ: «تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا» ([9])
حد الزنا
قال الله تعالى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2]
هذا نص عام، لأن كلمة ﴿الزانية﴾ و ﴿الزاني﴾ معرفة بال الجنسيَّة.
ولكن الحكم مخصوص بالحرائر، لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: 25]
قال الماوردي: « وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ: فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ثَمَّ خُصَّتِ الْأَمَةُ بِنِصْفِ الْحَدِّ نَصًّا بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ثُمَّ خُصَّ الْعَبْدُ بِنِصْفِ الْحَدِّ قِيَاسًا عَلَى الْأَمَةِ» ([10])
الرضاع
قال تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾
وهذا نص عام في كل من أرضعت الشخص، ولكنَّه خصص بالمرضعة التي أرضعته خمس رضعات، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ» ([11])
البيع
قال الله تعالى ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة 275]
هذا نص عام في إباحة البيع، وكلمة البيع جاءت معرفة بال الاستغراقيَّة.
ولكنه خصص ببيع ما هو حلال، لقول الرسول ﷺ: «إن الله عز وجل إذا حَّرم أكلَ شيءٍ حَرَّم ثمنَه» ([12])
اللحوم
قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام 145]
هذه الآية عامة في نفي تحريم غير الأصناف المذكورة، فكلمة ﴿محرمًا﴾ نكرة في سياق النفي.
ولكن الآية خصصت باستثناء أفراد منها، كما في قول أبي ثعلبة الخشني: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ» ([13])
آخذو الزكاة
قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾
هذه الآية عامة لعدم ذكر المؤتى للزكاة، ولكن خصصها قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة 60] فحُصر الآخذون للزكاة بهذه الأصناف.
ملك اليمين
قال الله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء 3]
فهذه عامة فيما ملكت يمين المرء، إلا أنها خاصَّة في النساء مِن مِلك اليمين، لقول لوط في كتاب الله تعالى: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء 156 – 157]
قال ابن حزم: ﴿لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا قَطْعًا مُتَيَقَّنًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، بَلْ كُلُّهُمْ مُجْمِعٌ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْغُلَامَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَهُوَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ﴾ ([14])
الحسد
قال رسول الله ﷺ: « لا تحاسدوا» ([15])
هذا نص عام في النهي عن الحسد، ولكنه خصص بقوله ﷺ: «لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» ([16])
قال ابن رشد: «ومن أهل العلم من ذهب إلى أن قول النبي – عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحاسدوا» ليس على عمومه؛ لأن النبي – عَلَيْهِ السَّلَامُ – قد أباحه في الخبر فقال: «لا حسد إلا في اثنتين» » ([17])
على أن الحسد المستثنى هو الذي بمعنى الغِبطة التي لا يكون فيها تمني زوال النعمة من المحسود.
الخلق
قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد:16]
وهذه الآية عامة، ولفظ العموم فيها «كل» إلا أنها مخصوصة بالأشياء المخلوقة، ويستثنى منها الله تعالى وأسماءه وصفاته وأفعاله.
قال ابن تيمية: «فِي قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْخَالِقَ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَ وَأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ مَخْلُوقٍ: وَهِيَ الْحَادِثَاتُ جَمِيعُهَا.» ([18])
تم والحمد لله ربنا
([1]) الفوائد السنية في شرح الألفية 4/181
([2]) الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات في أصول الفقه ص161
([3]) الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات في أصول الفقه ص161
([4]) نهاية الوصول في دراية الأصول 4/ 1489
([5]) رواه ابن ماجه 3609 والترمذي 1728 والنسائي 4241
([8]) رواه أبو داود 4398 والنسائي 3432
([9]) البخاري: 6789، مسلم: 1684
([17]) المقدمات والممهدات 3/409