بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
زعم بعض المدافعين عن الجهمية أن الإمام مالكًا لا يكفر القائلين بخلق القران.
قلت: بل كفره
قال يَحْيَى بْنُ خَلَفِ بْنِ الرَّبِيعِ الطَّرَسُوسِيُّ: «كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: زِنْدِيقٌ اقْتُلُوهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنَّمَا أَحْكِي كَلَامًا سَمِعْتُهُ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَحَدٍ إِنَّمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ وَعَظَّمَ هَذَا الْقَوْلَ»
رواه السمرقندي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ» الفوائد المنتقاة العوالي الحسان للسمرقندي (ص230)
ورواه حرب في مسائله «حدثنا حماد بن المبارك، قال: حدثنا يحيى بن خلف أبو محمد المقري قال: كنا عند مالك بن أنس» [مسائل حرب الكرماني ج3 باب في القرآن]
ورواه أبو نعيم بهذا الطول: «حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفِ بْنِ الرَّبِيعِ الطَّرَسُوسِيُّ، – وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُبَّادِهِمْ، قَالَ» حلية الأولياء وطبقات الأصفياء – ط السعادة (6/ 325)
وهذا إسناد صحيح
أما شيخ حرب فقد قال ابن أبي حاتم :«حدثني أبي حدثني محمود بن إبراهيم بن سميع نا حماد بن المبارك أبو جعفر الأزدي دمشقي ثقة عاقل» الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 148)
وأما إسناد أبي نُعيم.
(سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ) هو الحافظ الطبراني صاحب المعاجم، وهو أشهر من أن نتجدث عنه.
(الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ) هو الحسين بن إسحاق ت290 وصُحفت إلى الحسن «وَكَانَ مِنَ الحُفَّاظِ الرَّحَّالَةِ… أَكْثَرَ عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ» سير أعلام النبلاء – ط الحديث (11/ 38)
(يَحْيَى بْنُ خَلَفِ بْنِ الرَّبِيعِ الطَّرَسُوسِيُّ) وعليه مدار الرواية
كما ترى في المتن، وثقه أبو نعيم بقوله: «وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُبَّادِهِمْ»
وقال ابن حبان: «يحيى بن خليف المقرئ الْمروزِي سكن طرسوس يروي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ كَافِرٌ فَاقْتُلُوهُ وَعَنِ اللَّيْثِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٍ مِثْلَهُ روى عَنهُ مُحَمَّد بْن يزِيد الطَّرَسُوسِيُّ»
الثقات (9/ 258)
إلا أن هناك من طعن به
قال ابن حجر: «ليس بثقة. أتى عن مالك بما لا يحتمل» ميزان الاعتدال (4/ 372)
قلت: قالها تقليدًا للذهبي، وسننظر كلام الذهبي.
وقال ابن حجر وأظنه يحيى بن خليف بن عقبة
قلت: يحيى بن خليف بصري، وأما صاحبنا فمروزي المنشأ طرسوسي المسكن. وأما البصري فلم أجد له رواية عن مالك. فيبعد كونهما شخصًا واحدًا.
ولعل سبب هذا الظن أن ابن حبان قال (ابن خليف) وهذا يحمل على التصحيف، والله أعلم. فأن يصحف واحد أولى من أن يصحف ثلاثة، فقد روى الأثر عنه ثلاثة كلهم قالوا (ابن خلف) ولم يقولوا ابن خليف.
قال الخطيب: «يحيى بن خليف وَيحيى بن خلف . الأول: ابْن عقبَة أَبُو بكر الْبَصْرِيّ عَن مَيْمُون بن عجلَان وَعنهُ مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ
وَالثَّانِي اثْنَان:
المقرىء الطرسوسي عَن مَالك وَاللَّيْث وَابْن لَهِيعَة وَعنهُ أَبُو أُميَّة الطرسوسي
وَالْآخر أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان وَبشر بن الْمفضل وَعنهُ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَارِسِي»
تالي تلخيص المتشابه (2/ 622)
قال الذهبي: «مجهول. حكى عن مالك قولاً منكراً، (هو متننا هذا). ومعاذ الله أن يأمر مالك بقتل حاكي الكفر أو يحكم بزندقته»
ذيل ديوان الضعفاء (ص75)
أما كون المتن منكرا فهذا ليس مُسَلَّما للذهبي، فقول مالك هنا يُفهًم على حاله من التغليظ وبيان الحكم الشرعي ، كقول عبد الرحمن بن مهدي: ” لو كان لي من الأمر شيء لقمت على الجسر فلا يمر بي أحد من الجهمية إلا سألته عن القرآن فإن قال: إنه مخلوق ضربت رأسه ورميت به في الماء” وغيرها مما يشبهها، وإقامة حد الردة ليس لعبد الرحمن ولا مالك، بل للولاة، ولكن قولهما هنا هو إظهار لحقيقة الكفر وبيان حكمه.
و لما قال له السائل «إِنَّمَا أَحْكِي كَلَامًا سَمِعْتُهُ» برر مالك بقوله: «لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَحَدٍ، إِنَّمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ» دليل أنه ظنه هو منشئ المقالة، وأراد أن ينشرها على صيغة سؤال، ولهذا ذكر ذلك، وانتقل إلى الكلام عن هذا القول والتغليظ فيه.
وأما وصف الذهبي له بالجهالة، فيقال: لم يعرفه الذهبي وعرفه أبو نعيم، ومن عرف حجة على من لم يعرف.
فالإسناد صحيح كما تقدم، والله أعلم.
والملاحظ أن الذهبي قال في السير «من قول مالك في السنة» ثم أورد هذا الأثر [سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (8/ 98)] فلعل الذهبي تبين له ثبوت الرواية.
والله أعلم