بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
وبعد:
فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته أحد أركان الإيمان بالله تعالى وهى:
الإيمان بوجود الله تعالى. والإيمان بربوبيته. والإيمان بألوهيته. والإيمان بأسمائه وصفاته.
وتوحيد الله به أحد أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. فمنزلته في الدين عالية، وأهميته عظيمة، ولا يمكن أحدًا أن يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله تعالى وصفاته، ليعبده على بصيرة، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، وهذا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
فدعاء المسألة: أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسبا، مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي، ويا رحيم ارحمني، ويا حفيظ احفظني، ونحو ذلك.
ودعاء العبادة: أن تتعبد لله بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه لأنه التواب، وتذكره بلسانك لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه في السر لأنه اللطيف الخبير، وهكذا.
ومن أجل منزلته هذه، ومن أجل كلام الناس فيه بالحق تارة وبالباطل الناشئ عن الجهل أو التعصب تارة أخرى؛ أحببت أن أكتب فيه ما تيسر من القواعد، راجيا من الله تعالى رالله تعالى وأسمائه الحسنى”.
القاعدة الأولى: أسماء الله تعالى كلها حسنى
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ومعنى “الحُسنى”: البالغة كمال الحُسن، وذلك لأنها تضمنت صفاتًا كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
مثال: اسم الله تعالى: “العليم” تضمن صفة العلم بكمالها، فعلمه علم كامل غير مسبوق بجل، وغير ملحوق بنسيان، وهو علم شامل للتفاصيل والجزئيات مهما صغرت، وهو علم للماضي والحاضر والمستقبل. فلا نقص في ذلك، فسبحان الله.
القاعدة الثانية: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف
والأعلام جمع لـ”اسم العَلَم” وهو الاسم الال على المُسَمّى
فهي: “أعلام” باعتبار دلالتها على الله تعالى. وهي بهذا الاعتبار تكون مترادفةً لأنها كلها تدل على ذات المسمى
وهي: “أوصاف” باعتبار ما دلت عليه من المعاني. وبهذا الاعتبار تكون متباينةً، لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص.
فـ “الحي، العليم، القدير” كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا.
ومما يدل على ذلك: قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، وقوله: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾، فكان الرحيم هو المتصف بالرحمة. ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن عَلِمَ، ولا سميع إلا لمن سَمِعَ، ولا بصير إلا لمن له بَصُرَ. وهذا أمر أوضح من أن يحتاج إلى دليل.
أسماء الله تعالى إن دلت على وصف غير متعدٍّ تضمنت أمرين:
أحدهما: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
مثال ذلك: “الحي” يتضمن إثبات الحي اسما لله عز وجل وإثبات الحياة صفة له.
وإن دلت على وصف متعدٍّ
تضمنت أمرًا ثالثًا، وهو: ثبوت حكمها ومقتضاها.
مثال ذلك: “السميع” يتضمن إثبات السميع اسما لله تعالى، وإثبات السمع صفة له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه يسمع السر والنجوى، كما قال تعالى {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} .
القاعدة الرابعة: دلالة أسماء الله تعالى عليه وعلى صفاته تكون: بالمطابقة، وبالتضمن، وبالالتزام.
مثال ذلك: “الخالق”
يدل (بالمطابقة) على الله الذي هو خالق
ويدل (بالتضمن) على الله بصرف النظر عن صفة الخلق، وكذلك (بالتضمن) يدل على صفة الخلق وحدها
ويدل (بالالتزام) على صفتي العلم والقدرة. فلا خلق دون علم وقدرة.
ولهذا لما ذكر الله خلق السماوات والأرض قال: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} .
اللازم
واللازم من قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذا صح أن يكون لازما فهو حق، وذلك لأن كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حقٌ، ولازمُ الحق حق، ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازما من كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فيكون مرادًا.
وأما اللازم من قول أحد سوى قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فله ثلاث حالات:
الأولى: أن يقر به، فننسبه له.
الثانية: أن ينفيه، فلا ننسبه له.
الثالثة: يسكت عنه، فلا ننسبه له.
القاعدة الخامسة: أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها
فالأسماء التي سمى الله تعالى بها نفسه هي بالنسبة لنا من الغيب، والله تعالى قال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}
القاعدة السادسة: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم
الغيب عندك) الحديث ([1]). وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن أحدًا حصره ولا الإحاطة به.
أما حديث: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة) ليس لحصر العدد، وإنما هو عدد الأسماء التيمن أحصاها دخل الجنة.
وما ورد من الأسماء ملحقة بهذا الحيث؛ فليست من كلام النبي ﷺ، وإنما من إحصاء الوليد بن مسلم -أحد روات الحديث-
وقد اجتهد الشيخ ابن عثيمين بإحصائها، فأحصى من كتاب الله تعالى:
الله، الأحد، الأعلى، الأكرم، الإله، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، البارئ، البر، البصير، التواب، الجبار، الحافظ، الحسيب، الحفيظ، الحفي، الحق، المبين، الحكيم، الحليم، الحميد، الحي، القيوم، الخبير، الخالق، الخلاق، الرؤوف، الرحمن، الرحيم، الرزاق، الرقيب، السلام، السميع، الشاكر، الشكور، الشهيد، الصمد، العالم، العزيز، العظيم، العفو، العليم، العلي، الغفار، الغفور، الغني، الفتاح، القادر، القاهر، القدوس، القدير، القريب، القوي، القهار، الكبير، الكريم، اللطيف، المؤمن، المتعالي، المتكبر، المتين، المجيب، المجيد، المحيط، المصور، المقتدر، المقيت، الملك، المليك، المولى، المهيمن، النصير، الواحد، الوارث، الواسع، الودود، الوكيل، الولي، الوهاب.
ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الجميل، الجواد، الحكم، الحييُ، الرب، الرفيق، السُّبوح، السيد، الشافي، الطيب، القابض، الباسط، المقدم، المؤخر، المحسن، المعطي، المنان، الوتر.
ومن أسماء الله تعالى ما يكون مضافا مثل: مالك الملك، ذي الجلال والإكرام.
القاعدة السابعة: الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها
وهو أنواع:
الأول: أن ينكر شيئا منها أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم.
الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين.
الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه.
الرابع: أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام.
والإلحاد بجميع أنواعه محرم، لأن الله تعالى هَدَّدَ الملحدين بقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . ومنه ما يكون شركا أو كفرًا حسبما تقتضيه الأدلة الشرعية.
القاعدة الأولى: صفات الله تعالى كلها صفات كمال لا نقص فيها
وقد دل على هذا: السمع والعقل والفطرة.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} والمثل الأعلى: هو الوصف الأعلى.
وأما العقل: فوجهه أن كل موجود حقيقة فلا بد أن تكون له صفة إما صفة كمال وإما صفة نقص، ولا يمكن أن يتصف الله تعالى بالنقص، ولأنه يهب للمخلوق صفات كمال، ومعطي الكمال أولى به.
وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه، وهل تُحِب وتُعَظِّم وتَعْبُد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟
وإذا كانت الصفة نقصا لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى، وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص، كما في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}، ونزّه نفسه عما يصفون به من النقائص، فقال سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} .
وإذا كانت الصفة كمالاً في حال، فلا تُثْبَت له إثباتا مطلقا، ولا تُنْفَى عنه نفيا مطلقا، بل لا بد من التفصيل، فإذا دل عليها الدليل نثبت ما فيها من كمال. كما في قوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فالمكر يكون كمالاً إذا كان في المعاملة بالمثل، وتكون نقصا في حال المكيدة، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق، وإنما ذكرها في مقابلة من يفعلونها.
وأما الصفة التي لا تحتمل معنى فيه كمال فلا تُثبَتُ له بحال، ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه، فقال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
القاعدة الثانية: باب الصفات أوسع من باب الأسماء
وذلك: لأن كل اسم متضمن لصفة، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، قال الله تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
فأثبت الله لنفسه المجيء، كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ}، فنصف الله تعالى بهذا ، ولا نسميه بهه، فلا نقول: إن من أسمائه الجائي، وهكذا في سائر الصفات.
القاعدة الثالثة: صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية. وسلبية.
فالثبوتية: ما أثبت الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى، فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به.
والصفات السلبية: ما نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه، كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب. فيجب نفيها عن الله تعالى لما سبق مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده لا لمجرد نفيه، لأن مجرد النفي ليس بكمال إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال، مثال ذلك: قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}، فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
القاعدة الرابعة: الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال
فكلما كثرت وتنوعت دلالاتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر، ولهذا كانت الصفات الثبوتية أكثر بكثير من الصفات السلبية.
أما الصفات السلبية فلم تذكر غالبا إلا في الأحوال التالية:
بيان عموم كماله، ونفي ما ادعاه في حقه الكاذبون، ودفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعيّن.
القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية. وفعلية.
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفا بها، كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة. ومنها الصفات الخبرية: كالوجه واليدين والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية كالكلام، فإنه باعتباره صفة كان صفة ذاتية، وباعتبار ما يتكلم الله به إذا تكلم كان صفة فعلية
القاعدة السادسة: يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:
أحدهما: التمثيل، وهو اعتقاد مماثلة صفات الله تعالى لصفات المخلوق.
والثاني: التكييف، وهو أن يقول أن كيفية هذه الصفة هي كذا وكذا.
ولهذا لما سئل مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟، أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعه)، ورُوِيَ عن شيخه ربيعة أيضا: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول) . وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان.
القاعدة السابعة: صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها
فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته.
ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:
الأول: التصريح بالصفة، كالعزة والقوة والرحمة والبطش والوجه واليدين، ونحوها.
الثاني: تضمن الاسم لها، مثل: الغفور متضمن للمغفرة، والسميع متضمن للسمع، ونحو ذلك. انظر: القاعدة الثالثة في الأسماء.
الثالث: التصريح بفعل أو وصف دال عليها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين، الدال عليها على الترتيب قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ينزل ربنا إلى السماء الدنيا” الحديث.
فيهما وجب التوقف في لفظه، فلا يثبت ولا ينفى، لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.
وأما معناه: فيفصل فيه؛ فإن أريد به حقٌ يليق بالله تعالى فهو مقبول، وإن أريد به معنىً لا يليق بالله عز وجل وجب ردّه.
فمما ورد إثباته لله تعالى: كل صفة دل عليها اسم من أسماء الله تعالى دلالة مطابقة أو تضمن أو التزام.
كل نص يدل على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن فهو دال على وجوب الإيمان بما جاء في السنة
لأن مما جاء في القرآن الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والرد إليه عند التنازع. والرد إليه يكون إليه نفسه في حياته والى سنته بعد وفاته. فأين الإيمان بالقرآن لمن استكبر عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم المأمور به في القرآن؟.
الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف، لا سيما نصوص الصفات، حيث لا مجال للرأي فيها.
ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة. وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.
ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق ومعنى آخر في سياق، وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.
فلفظ (القرية) مثلاً يراد به القوم تارة، ومساكن القوم تارة أخرى.
فمن الأول قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً} .
ومن الثاني: قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} .
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب “إبطال التأويل”: “لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يعتقد التشبيه فيها، لكن على ما رُوِيَ عن الإمام أحمد وسائر الأئمة) انتهى. نقل ذلك عن ابن عبد البر والقاضي شيخ الإسلام ابن تيميه في “الفتوى الحموية”
وهذا هو المذهب الصحيح والطريق القويم الحكيم.
ومن الناس من ذهب إلى تعطيل تلك الصفات، من خلال تحريف معانيها، أو من خلال نفي معانيها. وكل ذلك باطل، إلا أن اصحاب هذا القول احتجوا علينا ببعض أقوالنا، وسنذكر مثالًا لذلك.
قوله تعالى: في الحديث القدسي: “يابن آدم، مرضت فلم تعدني. قال: يارب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟. يابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني. قال: يارب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟. قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟. يابن آدم، استسقيتك فلم تسقني. قال: يارب، كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي”.
والجواب: أن السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم، وإنما فسروه بما فسره به المتكلم به.
فقوله تعالى: مرضت، واستطعمتك، واستسقيتك، بينه الله تعالى بنفسه، حيث قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض، وأنه استطعمك عبدي فلان، واستسقاك عبدي فلان. وهو صريح في أن المراد به مرض عبد من عباد الله، واستطعام عبد من عباد الله، واستسقاء عبد من عباد الله، والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به، وهو أعلم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله، والاستطعام المضاف إليه، والاستسقاء المضاف إليه، بمرض العبد واستطعامه واستسقائه لم يكن في ذلك صرف للكلام عن ظاهره، لأن ذلك تفسير المتكلم به، فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداء، وإنما أضاف الله ذلك إلى نفسه أولاً للترغيب والحث، كقوله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} .
وهذا الحديث من أكبر الحجج الدامغة لأهل التأويل، الذين يحرفون نصوص الصفات عن ظاهرها بلا دليل من كتاب الله تعالى، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحرفونها بشبه باطلة، هم فيها متناقضون مضطربون.
إذ لو كان المراد خلاف ظاهرها كما يقولون لبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ظاهرها ممتنعا على الله كما زعموا لبينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث. ولو كان ظاهرها اللائق بالله ممتنعا على الله لكان في الكتاب والسنة من وصف الله تعالى بما يمتنع عليه ما لا يحصى إلا بكلفة، وهذا من أكبر المحال.
والحمد لله رب العالمين
* * *
([1]) رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وهو صحيح