بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نقل البخاري في خلق أفعال العباد عن الحسن بن موسى الأشيب: «الجهمي إذا غلا، قال ليس ثم شيء وأشار الأشيب إلى السماء». [خلق أفعال العباد للبخاري (ص37)]
فبين أن نفي أن يكون الله في علوه هو ليس قول الجهمية، بل قول غلاتهم. وهذا عكس ما يقال عند عامة الناس من أن هذا أخف من قول الجهمية
وروى عبد الله بن أحمد عن محمد بن مصعب العابد، قال: «أشهد أنك فوق العرش فوق سبع سماوات ليس كما يقول أعداء الله الزنادقة». [السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 173)]
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: «ونكفرهم أيضا أنهم لا يدرون أين الله، ولا يصفونه بأين، والله قد وصف نفسه بأين، فقال: {الرحمن على العرش استوى}». [الرد على الجهمية للدارمي – ت البدر (ص202)]
ونقل أبو عبد الله الحاكم (صاحب المستدرك) عن ابن خزيمة بإسناد صحيح «لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته، فهو كافر بربه يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون، والمعاهدون بنتن ريح جيفته، وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال صلى الله عليه وسلم». [معرفة علوم الحديث للحاكم (ص84)]
ولم يرد الحاكم كلامه.
ونقله الجوزقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (1/ 212)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص185)] والذهبي في العلو (ص207)] وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص293) ولم ينكر ذلك أحد منهم
وقال قوام السنة الأصبهاني: «وَفِي مَنعهم الْإِشَارَة إِلَى الله سُبْحَانَهُ من جِهَة الفوق خلاف مِنْهُم لسَائِر الْملَل». [الحجة في بيان المحجة (2/ 117)]
قال أبو القاسم الدشتي في إثبات الحد (ص180): «فمن مذهب أصحاب الحديث الذين هم أهل السنة وأئمةُ المسلمين وعلماءُ بيانٍ يعتقدون ويشهدون: أن من قال: “ليس لله تعالى حدٌّ” يعني بذلك: أن الله في كل مكان، أو “ليس هو على العرش استوى كما تقرر في قلوب العامة”، أو ليس سبحانه “شخص” ولا “شيء”، أو ليس لله جهة، ولا له مكانٌ؛ فقد ارتد عن دين الإسلام، ولحق بالمشركين، وكفر بالله وبآياته وبما جاء به رسوله ﷺ، تعالى الله عما يقول خصومنا عُلُوًّا كبيراً»
قال ابن تيمية: «القول بأن الله تعالى فوق العالم معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة بعد تدبر ذلك، كالعلم بالأكل والشرب في الجنة، والعلم بإرسال الرسل وإنزال الكتب… ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك، لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين،». [درء تعارض العقل والنقل (7/ 26)]
وبين أن كفر منكر العلو أظهر من منكر القائل بخلق القرآن، قال: «كما أطلق السلف الكفر على من قال ببعض مقالات الجهمية مثل القول بخلق القرآن أو إنكار الرؤية أو نحو ذلك مما هو دون إنكار علو الله على الخلق وأنه فوق العرش فإن تكفير صاحب هذه المقالة كان عندهم من أظهر الأمور فإن التكفير المطلق مثل الوعيد المطلق لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة التي تكفر تاركها». [الاستقامة (1/ 164)]
قال ابن النجار الفتوحي الحنبلى (٩٧٢ هـ) : «فلا تقبل شهادة فاسق بفعل؛ كزانٍ وديوث. أو باعتقاد؛ كمقلد في خلق القرآن، أو في نفي الرؤية، أو في الرفض، أو في التجهُّم، ونحوه كمقلد في التجسيم، وفيما يعتقده الخوارج والقدرية ونحوهم على الأصح. ويكفر مجتهدهم الداعية؛ فالرافضة: هم الذين يعتقدون كفر الصحابة، أو فسقهم بتقديم غير علي عليه في الخلافة. والجهمية: هم الذين يعتقدون أن الله ليس بمستو على عرشه، وأن القرآن المكتوب في المصاحف ليس بكلام الله سبحانه وتعالى، بل هو عبارة عنه» [معونة أولي النهى (11/ 436)]
وقال البهوتي مثل كلامه في حاشيته على منتهى الإرادات (7/ 249)
وقال سليمان بن سحمان النجدي (ت ١٣٤٩هـ) : «وقال الخلال في السنة أخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال سمعت أبا عبد الله يقول (من زعم أن الله لم يكلم موسى فقد كفر بالله وكذب القرآن ورد على رسول الله ﷺ آمره يستتاب من هذه المقالة فإن تاب وإلا ضربت عنقه) انتهى. فهذا كلام الإمام أحمد فيمن نفى صفة الكلام فكيف إذا أضاف إلى ذلك نفي علو الله على خلقه واستوائه على عرشه وزعم أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلا به ولا منفصلا عنه ولا محايث له أترى أنه يشك في كفر هؤلاء» [كشف الأوهام (ص73)]
وقال ابن باز: «من قال: (إن الله لا فوق ولا تحت) فهو كافر. هو فوق، قال الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وقال ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾»[فتوى صوتية https://archive.org/details/20230121_20106 ]
«قال ابو حنيفة من قال لا اعرف ربي في السماء او في الأرض فقد كفر وكذا من قال إنه على العرش ولا ادري العرش أفي السماء او في الأرض والله تعالى يدعى من اعلى لا من أسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء وعليه ما روى في الحديث ان رجلا اتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال وجب علي عتق رقبة أفتجزىء هذه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أمؤمنة أنت فقالت نعم فقال أين الله فأشارت إلى السماء فقال اعتقها فإنها مؤمنة». [الفقه الأبسط (ص135)]
وأيد هذا ابن عثيمين قائلا: «الإمام أبو حنيفة رحمه الله صرح بأن من لم يقر بعلو الله عز وجل وعموم علمه فإنه كافر لا شك في تكفيره، وهذا يدل على أنه كافر عنده يقينا، وقد أثنى عليه ابن القيم بقوله (لله درك من إمام زمان) وهذا يدل على ارتضاء ابن القيم لهذا القول، وهو حق؛ فإن الذي ينكر علو الله مكذب للقرآن والسنة وإجماع السلف، ومخالف للمعقول والمفطور عليه الناس»[شرح نونية ابن القيم، الشريط شرح نونية 16b]
سئل صالح الفوزان: «ما حكم من يقول: إن الله موجود بلا مكان» فأجاب: «هذا جحود للعلو، هذا يجحد العلو، الله فوق السماوات، فو ق العرش، كما أخبر عن نفسه، الله أخبر أنه في العلو، لابد من اعتقاد هذا، فمن جحد هذا، فإنه ليس بمؤمن بالله عز وجل» [فتوى صوتية https://archive.org/details/202301k8]