فضيحة البراندات العالمية

انتشر في الآونة الأخيرة ما يسمى بفضيحة البراندات العالمية، فهل هي فضيحة فعلًا؟ وما القول الشرعي الذي هو سبب لوقاية الناس من الوقوع في ذلك.

شهدت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً حملة صينية تزعم أن معظم الماركات الفاخرة “مصنوعة في الصين”، وأن المستهلك يدفع آلافًا مقابل اسم ماركة فقط. نُشرت فيديوهات تقول إن 80% من حقائب النخبة تصنع بالصين​.
أنا استغربت في الواقع من أن الناس تفاجؤوا من ما يسمى بفضيحة البراندات، حيث خرج صينيون، وقالوا: هذه الماركات المشهورة الفاخرة نحن نصنعها، فعلى سبيل المثال، بيّن فيديو صيني شهير تكلفة تصنيع حقيبة هيرميز بيركين فخمة بـ1400 دولار فقط، بينما سعرها الرسمي يقارب 38 ألف دولار​.
واقع الأمر الذي ظننت الناس يعرفونه أن ما يُدفع في عالم الماركات العالمية 90% منه ثمن العلامة التجارية نفسها.
لكن دعونا نتعرف على السبب الدافع لهذا الغبن.
يميل الإنسان بطبعه إلى الرغبة في التميز والاعتراف الاجتماعي؛ فامتلاك منتجات فاخرة يمنحه شعورًا زائفًا بالنجاح والانتماء إلى طبقة متميزة. علم النفس الاجتماعي يوضح أن اقتناء الماركات الراقية يُستخدم أحيانًا لتعزيز الصورة الذاتية أمام الآخرين (معضلة «التكعيب الاجتماعي»)، بحيث يشعر الشخص بأنه يثبت وجوده ويقيس مكانته عبر ثروته وامتلاكه الأزياء الغالية. كذلك تغذي وسائل الإعلام وصُنّاع الموضة هذه النزعة بالحديث المستمر عن علامات الفخامة، ومفاخرة المشاهير بها، فينساق الكثيرون إلى طلب ما لا يحتاجون إليه ظنًا منهم أنه مؤشر على “رفعتهم الاجتماعية”.
والعجيب أنهم نجحوا بتحول المستهلك بنفسه إلى “لوحة إعلانية” متنقلة تروّج للماركة دون مقابل؛ فيرتدي ملابس عليها شعار كبير للشركة ويمشي به كأنه إعلان مجاني لهذه لعلامة التجارية.
مع أن كثيرًا من الأثرياء ثراء حقيقيا لا يهتم بعرض شعار البراند، بل قد لا يرضى به، لأنه ليس عنده عقدة نقص يرقعها بشعار مصنع الملابس هذا.
الآن نأتي لوظيفتنا المهمة. وظيفة كل مسلم أن يعلم الحلال من الحرام، فما حكم شراء الماركات الباهظة؟
إذا كان الإنسان قادرًا ورزقه الله سعةً مادية، فشرعًا لا يحرم عليه امتلاك السلع الجميلة والقيِّمة فقد ورد عن الرسول ﷺ: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»​ لكن علينا أن نفرق بين أمرين
أن أشتري لبسة جميلة وجيدة، هذا حلال، وأن أدفع ثمنها 10 أضعاف لأجل شعار شركة، فهذا يسمى إسرافًا. وهذا حرام قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
وقال: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}
والإسراف هو تجاوز الحد في الإنفاق، ومن شأنه أن يُنسَب صاحبه إلى السفه، وسوء التصرف بالمال، ويضيع الحقوق المقررة للفقراء في الزكاة، وحقوق الورثة.
الرياء والتفاخر في اللباس
وقد قال رسول الله ص: «مَن لبس ثوبَ شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوبَ مذلّةٍ يوم القيامة»​
، ومعناه الثوب الذي يُشتهر به للناس بقصد الرفع أو الظهور على الآخرين.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَقَدْ ‌أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ‌‌ ‌خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
هذا عدا كون هذه البراندات كثير منها يحمل أسماء ورموز آلهة وثنية مثل هيرمس. إله التجارة والسفر واللصوص عند الإغريق
(فيرساتشي) تحمل رمز: رأس “ميدوسا”
وهنا تأتي النصيحة الإسلامية بالاعتدال، وترك السعي وراء هذه المظاهر الزائفة، روى الإمام الترمذي عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تكُونُوا إِمَّعةً، تقُولُونَ إنْ ‌أحسنَ ‌النَّاسُ ‌أحْسنَّا، وَإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنا، ولكِنْ وَطِّنُوا أنْفُسكُمْ: إنْ أحْسنَ النَّاسُ أنْ تُحْسنُوا، وإنْ أساؤوا فَلا تَظْلِمُوا»

عودة إلى “فضيحة الماركات” والكلام عن تسرع الناس في تصديق كل ما يسمى فضيحة.
هل فكرت ما علاقة أديداس الألمانية مثلا بالحرب الصينية الأمريكية، أو غيرها من الشركات الأوروبية، لماذا تكلم الصينيون عنها وهم بزعمهم يردون على حرب ترمب التجارية؟
بل كثير من التقارير الصحفية المضادة وبيانات الشركات قالت إن هذا غير صحيح، فمنها ما يصنع في الصين ومنها ما يصنع في بنغلاديش ومنها ما يصنع في أوروبا، ومنها ما يكون صناعته مشتركة بين أكثر من بلد. لكن الصينيون استطاعوا عمل إعلان لمصانعهم مستغلين تصديق الناس لكل ما يقال تحت عنوان “فضيحة” فقالوا لك كلاما صحيحا، وهو أن جزء فعلا يصنع عندهم، وأقنعوك أن كل شيء يصنع عندهم.
أنا لا يهمني الآن أين تصنع، لكن المراد هنا أن نحاول رفع حالة الوعي عندنا، فلا نصدق كل ما يقال دون دليل، ودون نظر في الكلام المقابل. يقول الرسول ﷺ: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما سمع»​

دعوة للوعي والاستهلاك الرشيد

خاتمة هذه المناقشة الدعوة إلى وعي أعمق لثقافة الاستهلاك. لا يقتصر الخداع في الماركات على ما ذكرناه فحسب، بل يمتد إلى المفاهيم الاستهلاكية التي يرسخها الإعلام الحديث حول “النجاح” و”السعادة” في اقتناء الممتلكات الدنيوية. فعلى المسلم أن يدرك أن الحياة الزائلة {لعب ولهو وزينة وتفاخر}
المسلم يُسخِّر رزقه في ما ينفعه وفيما يحب أن يعرض يوم القيامة؛ كتاب الله يحذّر من البذخ بلا ضابط، والله لو ألبست الخنزير ثوبا من ذهب لبقي خنزيرًا، ولو ألبست الصقر كيسا ممزقا لبقي صقرا.

والله أعلم

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 30 times, 1 visits today)
فضيحة البراندات العالمية
تمرير للأعلى