يروج دعاة الدين العالمي الجديد أو ما يسمى “دين الإنسانية” لفكرة الدين الجامع الذي يتخطى حدود الأديان المتمايزة.
دينهم يقوم على قيم أخلاقية وإنسانية، ترى حق الإنسان، ولا ترى حقًا لله. وقد ظهر هذا الخطاب في وثائق مثل “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي وقّعها بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر، وكذلك في مبادرات «الحوار بين الأديان» التي تتحدث عن قيم إنسانية مشتركة دون التطرق إلى الايتعلاء بالإيمان أو خصائص الألوهية. ويحاول هؤلاء مسخ الدين من دين التوحيد، إلى «دين العدالة الإنسانية» فينزعون منه خصيصته الكبرى، ومثل هذه العبارة جاءت على لسان الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلاميokaz.com.sa، أو قوله إن الإسلام رسالة عالمية تنشر الإخاء بين بني البشر.
هذا التعتيم المتعمد على العقيدة واستحداث ألقاب “الإسلام دين العدالة الإنسانية” كقول النصارى “الله محبة” يثير القلق عند كثير من المطَّلعين من أن هدف الدعوة: التمهيد للدين العالمي الجديد القائم على إنسانية مجردة.
وقد تكون هي عقيدة الدجّال كما سيأتي
الدجّال وحديث آخر الزمان
ورد في الأحاديث النبوية تحذير خاص من فتنة المسيح الدجّال وأداءه لدور محوري في آخر الزمان. فقد وصفه النبي ﷺ بأنه أعور العين اليمنى، ضخم، ]تي ليوهم الناس أنه الله، فيفتتن به خلق كثير. يقول النبي ﷺ: «سَمِعَ بِالدَّجَالِ، فَلْيَنْأ مِنْهُ (1)، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَلَا يَزَالُ بِهِ لِمَا مَعَهُ مِنَ الشُّبَهِ حَتَّى يَتَّبِعَهُ» (رواه أحمد وقال المحققون: صحيح على شرط مسلم).
هناك أقوال عند متبني نظرية المؤامرة بأن الدين الجديد هو تمهيد لخروج الدجال، وهذا له قرب من الواقع، لكن سأشرحه في مقام لاحق.
معالم في طريق هذا التيار
المتابع للواقع المعاصر يجد عددا من المعالم على طريق هذه الفتنة الكبرى منتشرة بين التيارات الإسلامية على اختلافها
فأما التيار الأشعري والصوفي، فتجد كلام علي جمعة وأحمد كريمة عن أن الله تعالى قد يلغي النار، وكلام خالد الجندي عن إلغاء النار كذلك، وعن احتمالية دخول أبي لهب إلى الجنة، وكلام أحمد كريمة أن الجندي النصراني إذا قتل فهو شهيد، وأن النصارى واليهود ليسوا كفارا، وكلام علي الجفري: أحب اليهودي وأكره المحتل. أما إمامهم الأكبر أحمد الطيب، مادح بوذا، وأخو بابا الفاتيكان فهو أصرح مِن أن نقول عن ما يأتي به أنه معالم.
وعلى صعيد المشاققين، تجد تصريحات شحرور والكيالي بأن اليهود والنصارى في الجنة، وعدنان ابراهيم الذي قال عن الملحد ستيفن هوكنغ قد يدخل الجنة.
وعلى صعيد المنتسبين للسلفية، تجد محمد العيسى الذي عملنا عنه حلقة، هو من رؤوي المروجين لهذا الفكر، وكلام أبي عمر الباحث السلفي المدجن عن إنكار القول بأن مسيلمة الكذاب سيدخل النار، وأنه كثير من القساوسة قد يكونون مسلمين في الخفاء. وذاك الذي يعول إن الإمام يوافق عقيدة النصارى ومع ذلك هو مسلم، بل شيخ للإسلام، لأنه يظن أن هذا هو الحق.
وعلى صعيد جماعة الإخوان، تجد تصريحات طارق سويدان في الاستهزاء من كلمة “كفر” في المناهج الدراسية، وكلام القرضاوي عن أن الكافر قد يغفر الله له لأنه تعبد الله بما وصل إليه كما قال الجاحظ المعتزلي، وكلام مرسي عن أن الخلاف بين المسلمين والنصارى ليس عقديًا.
وكذلك مشروع اقترحوه في مصر لإنشاء منهج موحد للنصارى والمسلمين عن الأخلاق ليكون بديلا عن منهج الدين. وقد عملت حلقة عنه.
وإنك لترى أن بين أفكارهم تلاقح، لكن كلها تصب في التهوين من أمر الشرك، وتمهد الأرضية لتلك المشاريع الكبرى.
وحتى نكون واضحين، ليس كل هؤلاء يسعى حقيقة للتمهيد للدين الجديد، بل قد يكون جهلا منه، أو استغفلته جهة ما، أو أنه أصلا على عقيدة باطلة قابلة لأن تركب هذه المشاريع عليها. فليس الواجب عليك أن تقيِّمَهم، لكن أن تكون يقظًا محصنا ضد هذه الأفكار.
التقريب العقدي والتعايش السلمي
إن التركيز المفرط على مسألة التعايش، وكثرة مؤتمرات حوار الأديان بحجة إحلال السلام والسلم الأهلي يعد من هذه الممهدات لمشروع الدين الجديد.
التعايش السلمي أمر واقع ، وعندما يكون تحت ضوابط صحيحة فإنه أمر غير مستنكر، وقد عاش الناس من مختلف انتماءاتهم الدينية بسلام في البلد الواحد، ولا يحتاجون إلى مؤتمرات حوار، ولا خوار، فما الغاية من هذه المؤتمرات غير تمهيد الأرضية للدمج بين هذه الأديان تحت مظلة دين مشترك واحد؟
بل حتى الدعاوى التي تجدها اليوم أن مسائل العقيدة يجب أن لا تناقش أمام العوام، كما زعم كثير منهم، وذم أحمد السيد وفايز الكندري الانشغال بإثبات صفة النزول، وأن الحديث يراد منه الحض على الدعاء لا أثبات الصفة متناسين أن تكذيب النبي كفر وترك الدعاء في هذا الوقت مكروه، وهكذا التهوين من مسائل الاعتقاد، بل صرح أحمد دعدوش بأنه لو كان الأمر بيده لحرق كتب العقيدة. ولا يخفاك ما فُعل بهذه الكتب، فقط مزقوا أوراقا من مخطوط مسائل الإمام حرب الكرماني، وطبعوا السنة لعبد الله بن أحمد مع إخفاء فصل كبير فيه، وطبعوا ذم الكلام وحذفوا الكلام الذي فيه عن الأشعرية، بل حتى كلام ابن باز الأخير في تكفيره منعه الصلاة خلف الأشعرية أخفوه وما ظهر إلا قبل أيام. ولا تنس بالنسبة للكتب موجة التشكيك بأمهات كتب العقيدة التي رفع رايتها بعض الصبية الأشعرية، وتلقفها عنهم عدد من مدجنة السلفية.
وأضف لها حين سألنا مدجنة السلفية عن كتابينن عقديين يرتضونهما، فلم يجب أحد منهم بحسب علمي إلا واحد يرى أن المعنزلة والحلولية مسلمون، قال: صحيح البخاري، ثم انتقل للقرن الرابع ليقول: الشريعة للآجري، مع أننا بينا مخالفتهم للكتابين.
وعلى سيرة المعتزلة، لا تنس تراجع عثمان الخميس عن تكفيرهم، وبرأهم من القول بالحلول، مع عمر عبد الكافي ذو التوجه الإخواني الذي مدحهم وقال لولا الزمخشري المعتزلي لما زالت عجمة القرآن، مع تصريح أبي عمر الباحث بأن الأشعرية والماتريدية ضمن أهل السنة والجماعة، وهم يد واحدة مع السلفية، آخذا ذلك عن إبراهيم شاشو.
ومن جهة أخرى من ينشرون صورة متبرجة ومنتقبة، ويقولون: لا تدري أيتهما أقرب إلى الله.
هذا كله إذا اندرج تحت هذا السياق فإنه مما يهون أمر العقيدة، والاستعلاء بها، والتمز بها. بغض النظر عن أهداف ونيات كل مَن سبق ذكره، فكما سبَّقت، هناك من لا يقصد ذلك، وقد تكون له زلة كما قال عمر (يهدم الدين زلة عالم) أو يكون يتكلم بناء على منهج يراه هو الحق. إلا أن هذه معالم تهون أمر العقيدة، التي إذا لم تُصَن ذهب الدين.
ومن الجانب النصراني، ثمة تصريحات تروّج لفكرة الدين الجديد، دعا إليها الأب الميت فرنسيس في مناسبات عديدة ووقع لأجلها مع أخيه أحمد بن طيب شيخ الأزهر وثيقة “الأخوة الإنسانية” في أبوظبي، وقد سبق وتكلمت عنها في حلقة عن أحمد بن طيب.
هذه الأمثلة تكشف عن ميل عالمي عام نحو “الدين دون دين” دين غير متميز بنفسه، لا يرفع به أهله رأسا.
فيا شبابنا
إنّ معركة العقيدة اليوم أشدّ من معارك السلاح، وإنّ كيد المفسدين يستهدف أعزّ ما تملكون: دينكم. فكونوا على بينة، ولا تغتروا بزخرف الشعارات ولا ببريق المصطلحات. تذكروا أن الله جل وعلا قال: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: 113].
وأن النبي ﷺ حذركم فقال: «تركتُكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» (رواه ابن ماجه بسند صحيح).
أوصيكم أن تكونوا حصنًا لدينكم، عارفين بالحق، ثابتين على التوحيد، غير متنازلين عن كلمة الإسلام الخالصة. ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ • لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ [الكافرون: 1-2].
أطلبوا العلم، واحفظوه، وذبوا عنه، وحافظوا عليه، واحملوا مشاعل النبوة. خذوا من جهدكم وأوقاتكم لذلك. كونوا دعاة حق، دعاة صلابة ووضوح. واحذروا أن تكونوا أدوات بغير علم في مشاريع التمييع والتذويب العقائدي.