شذوذ لفظة (فسيراني) في حديث «من رآني في المنام، ‌فسيراني ‌في ‌اليقظة»

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد

روى البخاري في صحيحه

باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

[6999] حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، حدثني أبو سلمة، أن أبا هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

«من رآني في المنام، ‌فسيراني ‌في ‌اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي»

[صحيح البخاري (9/ 97)]

هذا الحديث الأصل فيه أنه روي على الشك، كما رواه الإمام مسلم: «من رآني في المنام ‌فسيراني ‌في ‌اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة» فشك الراوي ورواه على الشك، لكنه اختُصر في هذا الموضع، فحار فيه الشُّراح، ووجهوه بتوجيهات ضعيفة، وتعلق به القبورية وبنوا عليه الخرافات.

والحديث هذا في واقعه خطأ من الراوي، وصوابه: «‌فكأنما ‌رآني ‌في ‌اليقظة» كما جاء في المتواتر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تخريج الرواية:

مدار الرواية على الزهري، ورواه عنه يونس بن يزيد، وابن أخي الزهري.
عن ابن أخي الزهري رواه يعقوب، ثم عنه أحمد بن حنبل وزهير بن حرب.

وعن يونس رواه عبد الله بن وهب، ثم عنه أبو الطاهر وحرملة وأحمد بن صالح كلهم على لفظ الشك، وانفرد عبدان عن عبد الله بن وهب بذكر لفظة واحدة.

أحمد بن حنبل 22606 حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب الزهري حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ‌رآني في المنام، ‌فسيراني في اليقظة، أو فكأنما ‌رآني في اليقظة
مسلم 11-2267 زهير بن حرب
مسلم 11-2266 أبو الطاهر وحرملة عبد الله بن وهب يونس بن يزيد
أبو داود 5023 أحمد بن صالح
البخاري 6999 عبدان من ‌رآني في المنام، ‌فسيراني في اليقظة

البيان:

حديث أبي هريرة مداره على الزهري، وقد رواه بالشك بين لفظتين: «فسيراني ‌في ‌اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة»

وقد رواه في الطبقة الأولى من بعد راويان، وفي الطبقة الثانية راويان، وفي الثالثة خمسة رواة، كلهم على الشك، إلا أن عبدان في هذه الطبقة رواه على الجزم بأحد لفظيه دون ذكر الآخر، فخالف سائر الرواة، قال الشافعي: «إنما ‌الشاذ ‌أن ‌يروي ‌الثقة ‌حديثا يخالف فيه الناس، هذا الشاذ من الحديث». [معرفة علوم الحديث للحاكم (ص119)]

والحق -بإذن الله- أن الصواب هو اللفظ الثاني «كأنما رآني في اليقظة» وهو الموافق لما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد جاءت الرواية عن أبي هريرة بإسناد صحيح في مسند أحمد (3798) حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي ‌هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ‌رآني ‌في المنام، فقد رآني في اليقظة» دون شك، وسيأتي بعد.

وصح هذا اللفظ من حديث جحيفة.

ابن ماجه 3904 محمد بن يحيى سليمان الدمشقي سعدان بن يحيى صدقة بن أبى عمران عون بن أبى جحيفة جحيفة من ‌رآني في المنام، ‌فكأنما رآني في اليقظة
أبو يعلى 881 قاسم بن أبى شيبة أبو أسامة
ابن حبان 4508 أبو عروبة محمد بن وهب بن أبي كريمة محمد بن سلمة أبو عبد الرحيم زيد بن أبي أنيسة

وأما الرواية عن أبي هريرة

علي بن حجر (246) إسماعيل بن جعفر ‌العلاء بن عبد الرحمن عبد الرحمن بن يعقوب أبو هريرة فقد رآني
الطيالسي (2542) شعبة وأبو عوانة أبو حصين أبو صالح (ذكوان) فقد رآني في اليقظة
أحمد (9316) محمد بن جعفر شعبة فقد رآني
ابن أبي شيبة (32489) سفيان الثوري فقد رآني
أحمد (3798) وكيع فقد رآني في اليقظة
أحمد (8508) عفان (136) عبد الواحد عاصم بن كليب كليب فقد رآني
أحمد (9966) عبد الرحمن فقد رآني
إسحاق (261) المغيرة ‌المخزومي فقد رآني
أحمد (7168) محمد بن فضيل فقد رآني
أحمد (7553) يعلى ويزيد محمد بن عمرو أبو سلمة قثد رأى الحق
أحمد (9488) أبو معاوية
أحمد (9324) محمد بن جعفر هشام محمد بن سيرين فقد رآني
أحمد (10110) يحيى فقد رآني

وقد روي الحديث عن غير واحد من الصحابة

من حديث عبد الله بن مسعود
«‌من ‌رآني ‌في المنام، فإياي رأى». [مسند أحمد (4/ 318 ط الرسالة)]
«‌من ‌رآني ‌في المنام، فقد رآني». [مسند أحمد (6/ 24 ط الرسالة)] [سنن الترمذي 2429 (4/ 325)]
«‌من ‌رآني ‌في المنام، فقد رآني». [مسند أحمد (6/ 24 ط الرسالة)]

من حديث أنس بن مالك
«‌من ‌رآني ‌في المنام، فقد رآني». [مسند أحمد (21/ 339 ط الرسالة)] [صحيح البخاري 7000 (9/ 97)]

من حديث جابر
«من رآني في النوم، فقد رآني». [مسند أحمد (23/ 94 ط الرسالة)] [صحيح مسلم 2268 (7/ 54)] [سنن ابن ماجه 3900 (2/ 1284 ت عبد الباقي)]

من حديث طارق بن أشيم
«‌من ‌رآني ‌في المنام فقد رآني». [مسند أحمد (25/ 215 ط الرسالة)]

من حديث أبي سعيد الخدري
«‌من ‌رآني ‌في المنام، فقد رآني». [سنن ابن ماجه (2/ 1284 ت عبد الباقي)]

من حديث ابن عباس
«من ‌رآني ‌في المنام، فقد رآني». [سنن ابن ماجه (2/ 1285 ت عبد الباقي)]

من حديث أبي قتادة
«‌من ‌رآني ‌في المنام فقد رأى الحق. [مسند الدارمي – ت حسين أسد (2/ 1360)]

وقد سبق أبو جحيفة وأبو هريرة.

فهذا عن سبعة من الصحابة غير أبي هريرة، والمروي عن أبي هريرة نفسه على خلاف تلك الرواية

 

الخلاصة:

  • الراوي شك في لفظين، فلابد أن أحدهما خطأ، (فسيراني) أو (كأنما رآني)
  • ثم وجدنا الراوي الذي روى (فسيراني) دون ذكر الشك؛ خالف جماعة من الرواة الذين شاركوه في الإسناد نفسه. وهذا شذوذ بحسب القاعدة المتفق عليها عند علماء الحديث.
  • ثم ثبت عن أبي هريرة وغيره اللفظ الثاني (كأنما رآني) من طريق آخر.
  • ثم وجدنا الأمر (فسيراني) مشكل في معناه، بينما الثاني (كأنما رآني) موافقًا للمتواتر من طريق سبعة من الصحابة.

فكان الصواب (كأنما رآني) وأما (فسيراني) خطأ.

 

والله أعلم.

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 164 times, 22 visits today)
شذوذ لفظة (فسيراني) في حديث «من رآني في المنام، ‌فسيراني ‌في ‌اليقظة»
تمرير للأعلى