بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
قال أحد الباحثين
هنا سأورد نقولا يراها الإخوة الذين يشنعون على الأشاعرة ويضللونهم بأعيانهم، كما فعلوا مع الإمامين الجليلين النووي وابن حجر رضوان الله عليهما، ويعظمون كثيرا من مثبتي الصفات بعد القرون الثلاثة ويجعلونهم أهل السنة دون غيرهم، وأنا سائلهم: ما الذي جعل هؤلاء يحتفظون بلقب أهل السنة ويسقط عن الآخرين؟ |
قلت: سيتبين لك أن الكاتب لا يفرق بين البدع وأنواعها
فقد روى أبو عبد الرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» وغيره عن الحافظ ابي إسحق الحربي، تلميذ أحمد بن حنبل، وأحد أئمة السنة أنه قال: «قبر معروف الترياق المجرب».
أي أن قصد الدعاء عند قبر معروف الكرخي دواء مجرب لإجابة الدعاء. وكان معروف من العباد الصالحين مدحه أحمد وغيره.(“طبقات الصوفية”(ص 81). ) بل قد روي عن معروف أنه أوصى ابن أخيه أن يدعو عند قبره. |
الجواب:
الكاتب عزى روايته إلى طبقات الصوفية، وفي الأصل مكتوب «إبراهيم بن الجزري» ولا يستبعد أن تكون تصحيفًا
إسناد روايته: سَمِعت أَبَا الْحسن بن مقسم الْمُقْرِئ بِبَغْدَاد يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الصفار يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن الْجَزرِي يَقُول: «قبر مَعْرُوف الترياق المجرب». طبقات الصوفية للسلمي (ص81)
(أَبَا الْحسن بن مقسم الْمُقْرِئ) هو أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم العطار المقرئ البغدادي. «قال أبو القاسم الأزهري: كذاب وقال الخطيب: … كان يظهر النسك والصلاح، ولم يكن في الحديث ثقة، وقال حمزة السهمي: حدث عمن لم يره». ميزان الاعتدال (1/ 134)
ورواها الخطيب «أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَد الحيري، قَالَ: أَخبرنا مُحَمَّد بْن الحسين السلمي، قَالَ: سمعت أبا الْحَسَن بْن مقسم، يقول: سمعت أبا عَلِيّ الصفار، يقول: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي، يقول: قبر معروف الترياق المجرب». تاريخ بغداد ت بشار (1/ 445)
وهي من طريق ابن مقسم الذي بينا حاله سابقا.
وفيه محمد بن الحسين، أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري. «ضعفه البرقانى. وقال أبو النجيب عبد الغفار الارموى: رأيت أهل الموصل يوهون أبا الفتح، ولا يعدونه شيئا. وقال الخطيب : في حديثه مناكير، وكان حافظا، ألف في علوم الحديث». ميزان الاعتدال (3/ 523)
فهذا ضعف على ضعف، ونكارة على نكارة.
فكيف تذكر هذه الرواية في السياق العلمي؟
وأما تسوية الباحث بين مسألة دعاء الله تعالى بجانب القبر، مع مسألة إنكار صفات الله، فهذا دليل على عدم تفريقه بين أنواع البدع ومراتبها.
فهذه أشد ما يُقال فيها أنها بدعَةٌ عمليَّةٌ، أراد صاحبها التماس موضع فيه بركة عند دعائه، كما قال الذهبي: «البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء، كما أن الدعاء في السحر مرجو، ودبر المكتوبات، وفي المساجد، بل دعاء المضطر مجاب في أي مكان اتفق، اللهم إني مضطر إلى العفو، فاعف عني». سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (9/ 344) وهذا الفعل مناف لإغلاق الباب على القبورية، وقال ابن تيمية: «قصده للدعاء عنده رجاء الإجابة بدعة لا قربة باتفاق الأئمة». الفروع وتصحيح الفروع (3/ 229)
لكن هل هذا كمن سلك سبيل المتكلمين يرد الكتاب والسنة والإجماع، ولا يعرف ربَّه بصفاته المنصوصة بالوحي؟
واختلس الكاتب حكاية من موقع للأحباش، وعزاها إلى كتاب «الحكايات المنثورة» في الصفحة (3834)، دون إشارة إلى مصدره الحقيقي، ألا وهو ذلك الموقع الحبشي!
روى الحافظ الضياء المقدسي في كتابه الحكايات المنثورة (ص 3834) أن الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي أصيب بدُمَّل أعياه علاجُه، فمسح به قبر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه تبركًا فبرئ. |
قلت: فمن أين جئتم بهذا الكتاب العظيم الذي بلغ قرابة الأربعة آلاف صفحة؟ إنما هو مخطوط يقع في إحدى عشرة صورة، ممحو من أوله أسم كاتبه وناسخه.
وهذا هو المخطوط لمن أراده:
فإذا كان يستحي أن يقول أنه أخذ كلامه من الأحباش، فالأولى أن لا ينقل أصلا.
وقد وقع بأخطاء أخرى، كنقله عن الصرصري من باب الإلزام لنا
أما الاستغاثة مباشرة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبغيره من الصالحين فقد كثرت شيئا فشيئا عند العامة ثم عند بعض الصالحين والشعراء كما في شعر جمال الدين يحيى الصرصري الحنبلي (656) وغيره ثم عمت وطمت في القرون المتأخرة وبالغ الناس فيها جدا.
وقد قال عنه ابن القيم في “اجتماع الجيوش” : “(قَوْلُ حَسَّانَ السُّنَّةِ فِي وَقْتِهِ) الْمُتَّفَقِ عَلَى قَبُولِهِ، الَّذِي سَارَ شِعْرُهُ مَسِيرَةَ الشَّمْسِ فِي الْآفَاقِ، وَاتَّفَقَ عَلَى قَبُولِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ أَيَّ اتِّفَاقٍ، وَلَمْ يَزَلْ يُنْشَدُ فِي الْجَوَامِعِ الْعِظَامِ وَلَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَحْيَى بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ الصَّرْصَرِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الْإِمَامِ فِي اللُّغَةِ وَالْفِقَهِ وَالسُّنَّةِ وَالزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ قَالَ فِي قَصِيدَتِهِ الْعَيْنِيَّةِ الَّتِي أَوُّلَهَا شِعْرًا:
|
فأين الإلزام؟
وما المانع من تبديعه إذا ثبت وقوعه في هذه البدعة الخبيثة؟
وهل يظن الكاتب أن مبتدعا إذا قال شعرًا اتفق المسلمون على قبوله، فهذا ينفي البدعة عنه!
إلا يرى أن للبوصيري أبياتًا حسنة يقبلها ويرددها المسلمون، مع ما في قصيدته من أبيات منكرة شركية خبيثة، فهل ما قاله مما يُقبَل ينفي عنه البدعة والتلبس بالشرك؟
قال:
والمقصود هو أن كثيرا من الأثريين في أبواب صفات الباري لم يكونوا كذلك في أبواب أخرى، والعكس بالعكس.
|
كل ما ذكره من بدع قد وقع بها أو جوزها الذين يدافع عنهم، وزادوا عليها عدم معرفتهم بالله على ما جاء في الكتاب والسنة، فكيف يقاس هذا بذاك!؟
والله المستعان