الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
يروِّج مميعة المنتسبين للسلفية، وكذلك جماعة الإخوان، وبعض الأشاعرة هذا النص لأحمد ابن تيمية:
( وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَحْشَةٌ وَمُنَافَرَةٌ. وَأَنَا كُنْت مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبًا لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ وَاتِّبَاعًا لِمَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَأَزَلْت عَامَّةَ مَا كَانَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْوَحْشَةِ) [مجموع الفتاوى ج3ص227] |
يريدون بهذا النص الزعم أن أحمد ابن تيمية كان على منهجهم في تمييع مسائل الاعتقاد، أعني هذا المنهج الذي يروِّجون له بأن يرضى المسلم بمقالات أهل البدع، ويقر بها، ويرى صحة النقيضين بحجَّة تجميع المسلمين واتِّحاد كلمتهم.
فمن كان هذا منهجه فلا بارك الله فيه، وليس هو أهل لأن ننظر في كلامه، فضلا عن أن نقلِّده في ديننا، أيا كان اسمه، أحمد ابن تيمية أو غيره.
ولكن تبرئةً لهذا المسلم مما يُكاد له، وفضحًا لمَن يبتُرُ الكلام لترويج البِدَع؛ أقول:
إذا شققت الصفحة المنقول عنها تلكم السطرين مِن مجموع الفتاوى؛ ستجد على ظهرها هذا الكلام:
(وَقَدْ كَتَبْت فِي هَذَا مَا يَجِيءُ عِدَّةَ مُجَلَّدَاتٍ وَذَكَرْت فِيهَا مَقَالَاتِ الطَّوَائِفِ جَمِيعِهَا، وَحُجَجَهَا الشَّرْعِيَّةَ وَالْعَقْلِيَّةَ وَاسْتَوْعَبْت مَا ذَكَرَهُ الرَّازِي فِي كِتَابِ “تَأْسِيسِ التَّقْدِيسِ” و”نِهَايَةِ الْعُقُلِ ” وَغَيْرِ ذَلِكَ،) إلى أن قال: (وَقَرَّرْت الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ الصَّحِيحَةَ وَمَيَّزْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّبُهَاتِ الْفَاسِدَةِ، مَعَ مَا يَجِيءُ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولٍ عَظِيمَةٍ وَقَوَاعِدَ جَسِيمَةٍ) |
فأحمد ابن تيمية له كتاب اسمه (بيان تلبيس الجهميَّة في تأسيسي بدعهم الكلامية) مطبوع في ثمان مجلدات ومجلد للفهارس، يرد فيه على الأشاعرة.
وله كتاب اسمه (التسعينية) في ثلاث مجلَّدات في الرد على الأشعريَّة.
فمن كان يروِّجُ لنصِّ أحمد ابن تيمية السابق ولا يرد على ضلالاتهم؛ فهو متناقض ضال، كاذِبٌ لزعمه موافقة ابن تيمية، وقد وافقه بسطرين، وخالفه بأحد عشر مجلدًا يرى أنها مِن الباطل!
ثانيًا:
النصُّ هذا حملوه على غير مُراد كاتبه، ودليلُ ذلك أنه قال بعده:
(بَيَّنْت لَهُمْ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ مِنْ أَجَلِّ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَحْوِهِ الْمُنْتَصِرِينَ لِطَرِيقِهِ كَمَا يَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ) |
والكتاب الذي زعم فيه أبو الحسن الأشعري موافقةَ أحمد هو كتاب (الإبانة) الذي ينكره أكثر الأشاعرة، ويخالفون ما فيه حتى لو أقرُّوا بصحَّتِه.
فابن تيمية يريد إرجاع الأشاعرة إلى هذا الكتاب، وإلى ما فيه ليكون ذلك تأليفا للمسلمين واتفاقًا على موافقة السُّنَّة، لا على الوقوف بين السنّة والبدعة.
حتى قال:
وَلَمَّا أَظْهَرْت كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ، وَرَآهُ الْحَنْبَلِيَّةُ؛ قَالُوا: (هَذَا خَيْرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ [يعني ابن قدامة]) وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ |
فهو أظهر لهم كلام أبي الحسن الذي وافق السنَّة، وبه فرحوا، وليس الأمر أن حضَّهم على قبول المخالفات والبِدَع كما يفعل المميعة!
تنبيه: وهذا قد فعلته أنا، وفعله غيري، فلي فيديو أرَغِّب فيه بكتاب الإبانة، وأظهرت فيه مقالات الأشعري الموافقة لأهل السٌّنَّة، وشرحت رسالة الأشعري إلى أهل الثَّغر، وفعلت ذلك لا اقتداءً بابن تيمية، ولا بكلامه هذا، وإنما هذا ما حصل. فأين فعل المميعة الذين يروجون سطرين من كلام ابن تيمية؟
ثم قال:
(مَعَ أَنِّي فِي عُمْرِي إلَى سَاعَتِي هَذِهِ لَمْ أَدْعُ أَحَدًا قَطُّ فِي أُصُولِ الدِّينِ إلَى مَذْهَبٍ حَنْبَلِيٍّ وَغَيْرِ حَنْبَلِيٍّ، وَلَا انْتَصَرْت لِذَلِكَ، وَلَا أَذْكُرُهُ فِي كَلَامِي، وَلَا أَذْكُرُ إلَّا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا) |
ولكنك تجد من يروِّج السطرين يقرُّ هذه المذاهب، وينتصر لبعضها، ويثبِّتُها خلافًا لابن تيمة.
فانظر أخي الكريم إلى الحق، وابحث عنه عند أهله لا عند المقتسمين البتَّارين للنُّصوص.
اللهم اجعلنا من أتبعا أنبياءك.
آمين.
والحمد لله رب العالمين.