فضل السنن والمستحبّات

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الواجب والمستحب يشتركان في حصول الأجر لمن فعلهما طاعة لله وهو مسلم، ويفترقان في تاركهما، فتارك الواجب يستحق العقاب على تركه، أما تارك المستحب فلا يستحق العقاب، ولكنه يستحق اللوم على تركه.

يلام لأن المستحبات، إذا كان الله لا بعاقب عليها، فهذا لا يعني أنها غير مطلوبة، بل هي مطلوبةٌ لكن لا على وجه الإلزام، فمن قصّر فيها لا يعدُّ عاصيًا، ولكنه أيضًا لا يعدُّ ممتثلًا طائعًا. ولهذا فإن الله تعالى قسّم المسلمين إلى ثلاثة أقسام، فقال: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ يعني هذه الأمة، قال: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ وهؤلاء العصاة ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ وهذا الذي أدى الواجباب، وترك المحرمات، قال:  ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ فالذي يجب أن نسعى إليه هو هذا: السبق بالخيرات، قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، وقال عن أنبيائه: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾، فلابد للمؤمن أن يسارع ويسابق في هذا المضمار،

صح! هو إذا أدى الواجبات، وترك المنهيات يدخل الجنة، ولكن : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَحَجَّ الْبَيْتَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا؟، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ» .  فَقَالَ مُعَاذٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَأُخْبِرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «ذَرِ النَّاسَ يَا مُعَاذُ، (ذر الناس يعملون ) فإن فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ سَنَةٍ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَى الْجَنَّةِ، وَأَوْسَطُهَا وَمِنْهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ (وفوقه عرش الرحمن)، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ»

ونحن نسأل الله الفردوس الأعلى، ولكن هل نريد أن نصل إليها بالأماني والأحلام، أم بالعمل؟ رسول الله ﷺ يقول (ذر الناس يعملون) فإذن لابد من العمل للوصول إلى الدرجات العليا.. نحن ليس بيدنا الوصول، الوصول بيد الله ، ولكن نحن علينا السعي والعمل.

كلنا يسأل الله ان يكون رفيقًا لرسول الله ﷺ في الجنة، فهل رفقة الرسول ﷺ تُنال بالقود عن الطاعة، وبالكسل، وفي إضاعة الوقت بما لا ينفع؟ فضلا عن إضاعته بالمعاصي أو بما هو شبيه بالمعاصي؟

 

بل إن التطوع هو الحصن للفرائض، وهو وقودها، فمن لا تطوّع له؛ تكون العبادة أجنبيّة على قلبه، حادثةً على نفسه، غيرَ مألوفة، فيستثقلها، ويحاول التخلص منها بأسل الطرق، وأسرعها.. وهذا نجده واضحا في رمضان.. فمن لا تطوّع له من الصيام تجد أن نفسه تستثقل قدوم رمضان استثقالًا كبيرًا، ويعاني في صيامه، وقد يضيّع كثيرًا من أجره بالتذمر، وبشكوة الله إلى الخلق.. الجو حار.. الوقت طويل… عندنا أعمال..

بينما صاحب التطوّع يجد لذّة العبادة.. وإن قصّر ؛ فتقصيره سيكون بالتطوع، أما إن كان لا تطوع له! فالتقصير يكون في الأصل، في الأساس، في العبادات

وقد يكون بعضكم جرّب في قراءة القرآن أن يقرأ جزءً، فتجده لا يُنهيه إلا بمشقّة بالغة، وقد لا يتخيل كيف كان رسول الله ﷺ يقرأ القرآن كاملا في ليلة في رمضان.. وقد يجد ان بعض عبادات السلف ضرب من الخيال، لأنه لم يعتد، ولم يجرّب.

قال رسول الله ﷺ: (من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) فهذا فضل عظيم، تكفير لذنوب السنين في أربعة أيام، فيحرص على حفظ لسانه فيها فلا يستطيع، لأنه لم يتعرف علي الله في وقت الرخاء.. لسانه مشغول بالقيل والقال في وقت الرخاء، فإذا جاء وقت الشدّة لا يعان عليه، ولا يستطيع، ولا تحتمل نفسه ذلك الالتزام.

 

واسمع هذا الحديث القدسي العظيم، في فضل من يكثر الطاعات والنوافل

يقول ربنا تبارك وتعالى: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) رواه البخاري

أفيفرّط العاقل بهذا الفضل العظيم، أن يحفظ الله له سمعه وبصره وأركانه ويجعلها لا تنشغل إلا بما يرضيه، ويجعله موفقًا مستجاب الدعوة… ويكفي أنه يقول (حتى أحبه)

بعض الغافلين ينفق من وقته وماله وطاقته الشيء الكثير ليحبه عبد من عباد الله، والبعض يبيع دينه ودنياه وكرامته ليتقرب إلى مسؤول أو حاكم -والعياذ بالله- .. يبيعون أنفسهم تقربًا للعبد. ويغفلون عن التقرب إلى ملك الملوك، رب السماوات والأرض، الغني الحميد.

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ

الله الاذي (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)

الله الذي (وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يؤوده حفظهما) .. ذلك العظيم.. يحبك أنت، يحفظك أنت. يكون سمعك الذي تسمع به، وبصرك الذي تُبصر به، ويدك التي تبطش بها، ورجلك التي تمشي بها. بمعنى أن يجعلك خالصًا له، يضع عليك كنفه. يحفظك، ويقربك منه

فإذا حفظك فمن ذا الذي يضرك من دونه

وإن لم يحفظك فمن الذي يحفظك ؟

إن قرّبك منه فأي شيء ستحتاج بعد ذلك

وأن لم يقربك منه، فمن ذا الذي ينفعك قربه

حب الله عظيم. والقرب منه مقام كريم. فلا يفرط في هذا شخصٌ سوي العقل مستقيم.

فكن سابقًا بالخيرات، كن طائعًا، كن عبدًا شكورًا، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ تودد إليه ليجعل لك ودا.

تقرّب إليه ؛ يقرّبك ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ فسابق أخي المسلم.

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 219 times, 1 visits today)
فضل السنن والمستحبّات
تمرير للأعلى