بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
أحببت أن أبين في هذا المقال جانبا من عقيدة عز الدين بن عبد السلام بمقابل الصورة المبهرجة التي رسمها له الناس لأجل موقفه مع حكام زمانه. وخاصة أني وجدت بعض المتعالمين يستشهد على صحة عقيدة الأشاعرة لأن ابن عبد السلام منهم !! وفي مثلهم قال شمس الدين محمد بن أبي بكر
يا فرقة التنقيص بل يا أمة … الدعوى بلا علم ولا عرفان
والله ما قدمتم يوما مقا … لته على التقليد للإنسان
والله ما قال الشيوخ وقال إلا … كنتم معهم بلا كتمان
والله أغلاط الشيوخ لديكم … أولى من المعصوم بالبرهان
وسأنقل عنه ومن سيرته ما يرسم فكرة أوسع عنه.
أولا: تحريضه السلاطين على أهل السنة
وقد بدأت بها وإن كانت أخف من غيرها، إلا أنها ضد ما يتخيله العوام عنه. فقد ارسل الى الملك موسى بن أيوب الذي كان من أهل السنة، فراسله العز بن عبد السلام ليثنيه عنها إلى بدع الأشاعرة، ومما ارسله: “الَّذِي نعتقد فِي السُّلْطَان أَنه إِذا ظهر لَهُ الْحق يرجع إِلَيْهِ وَأَنه يُعَاقب من موه الْبَاطِل عَلَيْهِ وَهُوَ أولى النَّاس بموافقة وَالِده السُّلْطَان الْملك الْعَادِل تغمده الله برحمته ورضوانه فَإِنَّهُ عزّر جمَاعَة من أَعْيَان الْحَنَابِلَة المبتدعة تعزيرا بليغا رادعا وبدع بهم وأهانهم“
فأجابه الملك: “وَأما مَا ذكرته عَن الَّذِي جرى فِي أَيَّام وَالِدي تغمده الله برحمته فَذَلِك الْحَال أَنا أعلم بِهِ مِنْك وَمَا كَانَ لَهُ سَبَب إِلَّا فتح بَاب السَّلامَة لَا لأمر ديني (وجرم جَرّه سُفَهَاء قوم … فَحل بِغَيْر جانيه الْعَذَاب)”
“طبقات الشافعية” ج8ص230
ثانيًا: الطعن بفطرة الله التي فطر الناس عليها لأنها مخالفة لعقيدته
قال: “إِنَّ اعْتِقَادَ مَوْجُودٍ لَيْسَ بِمُتَحَرِّكٍ وَلَا سَاكِنٍ وَلَا مُنْفَصِلٍ عَنْ الْعَالَمِ وَلَا مُتَّصِلٍ بِهِ، وَلَا دَاخِلٍ فِيهِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَحَدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى أَدِلَّةٍ صَعْبَةِ الْمُدْرَكِ عَسِرَةِ الْفَهْمِ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا فِي حَقِّ الْعَادِي.” [قواعد الأحكام في مصالح الأنام ج1 ص201]
ويزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر الناس على الكفر. ويرى أن ما عليه عامة الناس كفر لولا أن عفا الله عنهم فيه
قال: “وَلِذَلِكَ كَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَا يُلْزِمُ أَحَدًا مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ بَلْ كَانَ يُقِرُّهُمْ عَلَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا انْفِكَاكَ لَهُمْ عَنْهُ، وَمَا زَالَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْمُهْتَدُونَ يُقِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْعَامَّةَ لَمْ يَقِفُوا عَلَى الْحَقِّ فِيهِ وَلَمْ يَهْتَدُوا إلَيْهِ، وَأَجْرُوا عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ … وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَامَحَهُمْ بِذَلِكَ وَعَفَا عَنْهُم لِعُسْرِ الِانْفِصَالِ مِنْهُ، لَمَا أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ … لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا عَفَا عَنْ الْمُجَسَّمَةِ لِغَلَبَةِ التَّجَسُّمِ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَوْجُودًا فِي غَيْرِ جِهَةٍ “
ويقصد بالجهة: علو الله تعالى، وسمى من آمن بعلو الله تعالى مجسِّمًا -سبحانك هذا بهتان عظيم-.
فإذا كان عامة المسلمين في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم (وهم الصحابة) وفي زمان خلفائه الراشدين (وهم الصحابة والتابعون) كلهم على عقيدة هي كفر لولا أن الله سامحهم، وكلهم مجسمة، ولم يحذرهم رسول الله من التجسيم هذا، فمن أين أتيتم بإيمانكم أنتم؟
ولهذا قال ابن تيمية عن العز بن عبد السلام: “وقال: وَأَبُو مُحَمَّدٍ [العز بت عبد السلام] وَأَمْثَالُهُ قَدْ سَلَكُوا مَسْلَكَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَيِّنْ الْحَقَّ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ وَلَا بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ بَلْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ خِلَافَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ: إمَّا كَتَمَهُ وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ.” [مجموع الفتاوى ج4ص159] وبيان ان أبا محمد يريد به العز بن عبد السلام يأتي في آخر مقالنا هذا، فقد كان ابن تيمية يرد عليه.
والعجيب أن العز ينقض كلامه هذا في رسالة له اسمها “ألملحة في اعتقا أهل الحق” فيقول: “وكيف يُدَّعَى على السَّلَفِ أنهم يعتقدون التجسيم والتشبيه، أو يَسكتون عند ظهور البدع، ويخالفون قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}” [الكتاب: رسائل العز بن عبد السلام في التوحيد ص17]
ثالثًا: قوله بأن القرآن مخلوق
قال عن رب العالمين: ” مُتَكَلم بِكَلَام قديم أزلي لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت ” إلى أن قال: ” وَقد أخبر الله تَعَالَى عَن حدوثها فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع من كِتَابه أَحدهَا قَوْله {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} جعل الآتى مُحدثا فَمن زعم أَنه قديم فقد رد على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا هَذَا الْحَادِث دَلِيل على الْقَدِيم … الْموضع الثَّانِي قَوْله {فَلَا أقسم بِمَا تبصرون وَمَا لَا تبصرون إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم} وَقَول الرَّسُول صفة للرسول وَوصف الْحَادِث حَادث يدل على الْكَلَام الْقَدِيم ” [رسائل العز بن عبد السلام ص 12 – طبقات الشافعية ج8ص218]
فإن لم يكن كلام الله تعالى كلام منه يسمعه السامع فما هو إلا خلق خلقه الله. ومعروف أن المتكلمين يقولون كلمة (مُحدَثْ) ويعنون: مخلوق، وكلمة (قديم) ويعنون الخالق وصفاته. فكان القرآن مخلوقا.
قال حرب الكرماني: سمعت إسحاق يقول: من قال: إن القرآن محدث على معنى مخلوق؛ فهو كافر باللَّه الغني العظيم. قال: قلت: ما معنى قوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]، قال: محدث من العرش آخر ما نزل من الكتب من العرش. ثم راجعته في ذلك، فقال: أحدث الكتب عهدًا بالرحمن [مسائل حرب ص 417 – 418]
وقال أحمد بن حنبل: ” فوجدنا دلالة من قول اللَّه {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يعلم فعلمه اللَّه، فلما علمه اللَّه؛ كان ذلك محدثًا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.” [الجامع لعلوم الإمام أحمد ج3ص579]
قال وكيع بن الجراح: “من قال إن القرآن مخلوق هذا كفر. فقال مثنى: يا أبا سفيان قال الله {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٍ} فإيش هذا؟ فقال وكيع: من قال القرآن مخلوق هذا كفر”. وقال: “من قال إن كلامه ليس منه فقد كفر، ومن قال إن منه شيئا مخلوقا فقد كفر”. [السنة لعبد الله بن أحمد 15]
والعجيب انكارهم أن كلام الله فيه حروف، وأول سورة بعد الفاتحة بدأها الله تعالى بقوله: (ألف لام ميم) فيا خيبة البدعة. وأما الصوت فإن الله يقول {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} والكاف والميم حرفان، والقول لا يكون إلا بصوت، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} والتكليم لا يكون إلا بصوت، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ} والنداء لا يكون إلا بصوت
ثم قال العز ان أهل السنة كذبوا على أحمد بن حنبل في مسألة الحرف والصوت، فقال: “وَأحمد بن حَنْبَل وفضلاء أَصْحَابه وَسَائِر عُلَمَاء السّلف بُرَآء إِلَى الله مِمَّا نسبوه إِلَيْهِم“
وهذا كلام أحمد ينقله ابنه عبد الله: قال عبد الله بن احمد: وقال أبي رحمه الله: حديث ابن مسعود رضي الله عنه (إذا تكلم الله عز وجل سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان) قال أبي: وهذا الجهمية تنكره .
وقال أبي: هؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس. من زعم أن الله عز وجل لم يتكلم فهو كافر. إلا أنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت. [السنة ج1ص281]
والعجيب أنك تجد العز بن عبد السلام بنفسه ينقض كلامه ويقول “وَالسَّمَاعُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا مِنْ السَّمَاعِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ … وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَغِلْ الْأَنْبِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ وَأَصْحَابُهُمْ بِسَمَاعِ الْمَلَاهِي وَالْغِنَاءِ وَاقْتَصَرُوا عَلَى كَلَامِ رَبِّهِمْ لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ ” [قواعد الأحكام ج2 ص218] فكيف نسمع من لا يتكلم بصوت؟
أما قوله: الْموضع الثَّانِي قَوْله {فَلَا أقسم بِمَا تبصرون وَمَا لَا تبصرون إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم} وَقَول الرَّسُول صفة للرسول وَوصف الْحَادِث حَادث يدل على الْكَلَام الْقَدِيم“
فقد فهم الآية فهما موافقًا لقول الوليد بن المغيرة الذي {فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } وقال {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} فقال تعالى {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}
فنسأله: أعلمت باقي الآيات أم لا، فق قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾
فقد أثبت ان هذا القول تنزيل من رب العالمين، فما تسمعون هو قول رسول يخبر بما أوحي إليه من كلام ربه. وقال تعالى { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} فالكلام كلام الله
وقوله: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} دليل أن هذا الرسول ﷺ كان ينسب القول لله تعالى.
ولا خلاف بين المسلمين أنهم يقولون “قال الله” ويذكرون الآيات، ولا أحد منهم يقول “قال الرسول ﷺ” ويذكر الآيات القرآنية، فهل أخذ الله منهم باليمين وقطع منهم الوتين لأنهم تقولوا على الله ما لم يقله؟
قال ابن قتيبة (ت276هـ): { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}. لم يرد انه قول الرسول، وإنما أراد: أنه قول رسول عن الله جل وعز. وفي «الرسول» ما دل على ذلك، فأكتفي به من ان يقول: عن الله.
وقال الطبراني (ت360هـ) قال تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } ؛ يعني القرآنَ أتَى به جبريلُ عليه السلام من عندِ الله وهو رسولٌ كريمٌ ، فقرأهُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الواحدي (ت468هـ): وقال الحسن: هو محمد ﷺ. وعلى هذا معناه: إنه لتلاوة رسول كريم، وتلاوته: قوله. وهذا هو الأظهر.
وقال ابن حيان (ت745هـ): لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ: هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَنَسَبَ الْقَوْلَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ مُبَلِّغُهُ وَالْعَامِلُ بِهِ.
وقال ابن كثير (ت774هـ): إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا، أَضَافَهُ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَلِّغَ عَنِ الْمُرْسِلِ
فأين الثرى من الثريا!
رابعًا: قوله باللفظ
اللفظية طائفة من القائلين بخلق القرآن لم يجرؤا على القول بأن القرآن مخلوق صراحة، وإنما موهوا بكلام، ككلام عز الدين السابق، وكقوله: “وَصفَة الله الْقَدِيمَة لَيست بمداد للكاتبين وَلَا أَلْفَاظ اللافظين وَمن اعْتقد ذَلِك فقد فَارق الدّين وَخرج عَن عقائد الْمُسلمين بل لَا يعْتَقد ذَلِك إِلَّا جَاهِل غبي“
وقوله: ” فَإِن لفظ الْقُرْآن يُطلق فِي الشَّرْع وَاللِّسَان على الْوَصْف الْقَدِيم وَيُطلق على الْقِرَاءَة الْحَادِثَة”
ومما قاله العلماء في من يموه هذا التمويه:
أحمد بن حنبل (ت241هـ): اللفظية إنما يدورون على كلام جهم؛ يزعمون أن جبريل عليه السلام إنما جاء بشيء مخلوق [رواه حرب في “مسائله” ص423، والخلال في “السنة” ج2ص324]
وقال: واللفظية: وهم الذين يزعمون أنا نقول: إن القرآن كلام اللَّه. ولكن ألفاظنا. بالقرآن وتلاوتنا وقراءتنا له مخلوقة، وهم جهمية فساق. [الجامع لعلوم الإمام أحمد ج3ص20]
وقال: الواقفة والجهمية واللفظية عندنا سواء. [مناقب الإمام أحمد ص 205]
وقال محمد بن جرير الطبري: ” أما القول في ألفاظ العباد في القرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي، ولا تابعي، ولا عمن في قوله الغنى والشفاء، وفي إتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الأولى أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله، فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: ” اللفظية جهمية “، قال الله تعالى (فأجره حتى يسمع كلام الله) ممن يسمع؟ قال: سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه رضي الله عنه أنه كان يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي: ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع”. [الاعتقاد]
قال أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان: ” وَمَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ أَوِ الْقُرْآنُ بِلَفْظِي مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ” [أصول الاعتقاد للالكائي: ج1ص179]
قال اللالكائي: سِيَاقُ مَا رُوِيَ فِي تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَئِمَّةِ. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي مُصْعَبٍ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ , وَأَبِي هَمَّامٍ الْوَلِيدِ بْنِ شُجَاعٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيِّ , وَهَارُونَ بْنِ مُوسَى الْفَرْوِيِّ , وَيَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارِ , وَهَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَمَّالِ , وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْحَكَمِ الْوَرَّاقِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيِّ , وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيِّ , وَأَبِي نَشِيطٍ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ , وَعَبَّاسِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ تَوْبَةَ النَّهْرَوَانِيِّ , وَأَبِي الْوَلِيدِ الْجَارُودِيِّ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ , وَأَبِي يُونُسَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ الْجُمَحِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَيَاضِيِّ , وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصِّينِيِّ، وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ , وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَزْمٍ الْقُطَعِيُّ , وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ , وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ , وَهَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ وَمِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالْعَوَاصِمِ وَالثُّغُورِ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ , وَالْمُؤَمِّلُ بْنُ إِهَابٍ الرَّبْعِيُّ الْمَكِّيُّ نَزِيلُ مِصْرَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ الْأَسَدِيُّ الْمَعْرُوفُ بِلُوَيْنٍ , وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ نَزِيلُ ثَغْرٍ , وَمَيْمُونُ بْنُ الْأَصْبَغِ النَّصِيبِيُّ , وَسَعِيدُ بْنُ رَحْمَةَ بْنِ نُعَيْمٍ الْمِصِّيصِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ , وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْمِصِّيصِيُّ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُفْيَانَ الْمَلَطِيُّ , وَإِسْحَاقُ بْنُ زُرَيْقٍ الرَّسْعَيْنِيُّ , وَمُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الْأَصْبَهَانِيُّ نَزِيلُ طَرَسُوسَ , وَزَرْقَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ , وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْخَشَّابُ , وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْقَزْوِينِيُّ نَزِيلُ طَرَسُوسَ , وَأَحْمَدُ بْنُ شَرِيكٍ الشَّجَرِيُّ , وَنَصْرُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمِصِّيصِيُّ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ.
أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ. وَقَالُوا: هَذِهِ مَقَالَتُنَا وَدِينُنُا الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ.
ثم نقل عنهم بأسانيده
خامسًا: تصوفه
قال السبكي عنه: “لبس خرقَة التصوف من الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي وَأخذ عَنهُ وَذكر أَنه كَانَ يقْرَأ بَين يَدَيْهِ رِسَالَة الْقشيرِي فحضره مرّة الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس المرسي لما قدم من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْقَاهِرَة فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ عز الدّين تكلم على هَذَا الْفَصْل فَأخذ المرسي يتَكَلَّم وَالشَّيْخ عز الدّين يزحف فِي الْحلقَة وَيَقُول اسمعوا هَذَا الْكَلَام الَّذِي هُوَ حَدِيث عهد بربه” [الطبقات الكبرى ج8ص214]
ثم قال السبكي: “وَقد كَانَت للشَّيْخ عز الدّين الْيَد الطُّولى فِي التصوف وتصانيفه قاضية بذلك”
سادسًا: قلة مروءته، وكيف وصف فعله
نقل الذهبي في ترجمته أنه: «كان يحضر السماع ويرقص ويتواجد» [تاريخ الإسلام ج14ص933]
قال السيوطي: «وَقَدْ صَحَّ الْقِيَامُ وَالرَّقْصُ فِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالسَّمَاعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ، مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عز الدين بن عبد السلام» [الحاوي للفتاوي (2/ 283)] ونقله عنه الهيتمي [الفتاوى الحديثية (ص212)]
وقال اليافعي: «يحضر السماع ويرقص وهذا مما شاع عنه، وكثر شهوده، وبلغ في الاستفاضة والشهرة مبلغا لا يمكن جحوده، وذلك من أقوى الحجج على من ينكر ذلك من الفقهاء على أهل السماع من الفقراء والمشائخ أهل المقامات الرفاع أعني صدور وذلك عن مثل الإمام الكبير الذي سبق أئمة زمانه بدمشق» [مرآة الجنان و عبرة اليقظان (ج4/ 117)]
هل هذا يعتبر قلة مروءة؟ يجيبك بنفسه
قال العز بن عبد السلام ”وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّصْفِيقُ فَخِفَّةٌ وَرُعُونَةٌ مُشْبِهَةٌ لِرُعُونَةِ الْإِنَاثِ لَا يَفْعَلُهَا إلَّا رَاعِنٌ أَوْ مُتَصَنِّعٌ كَذَّابٌ” [قواعد الأحكام ج2ص220]
وقال: ” وَلَا يَصْدُرُ التَّصْفِيقُ وَالرَّقْصُ إلَّا مِنْ غَبِيٍّ جَاهِلٍ، وَلَا يَصْدُرَانِ مِنْ عَاقِلٍ فَاضِلٍ” [قواعد الأحكام ج2ص221]
سابعًا: طعنه في أهل السنة
كان يصف أهل السنة بالحشوية والمشبهة
كما قال: “وَالحَشْوِيَّةُ المُشَبِّهَةُ، الذين يُشَبِّهُوْنَ االله بخَلقه، ضِربان: أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو … والآخر يَتَسَتَّرُ بمذهب السلف” [رسائل العز بن عبد السلام ص16]
وقال بعد ان اعترض على قول أهل السنة في الحرف والصوت: “ولولا ما وَجَبَ على العلماء من إعزاز الدين وإخمالِ المبتدعين، وما طَوَّلَتْ به الحشويةُ ألسنتَهم في هذا الزمان، مِنَ الطعنِ في أعراضِ الموحِّدين، والإزراءِ على كلام المنزهين، لما أَطَلْتُ النَّفَسَ في مثل هذا مع اتضاحه” [الرسائل ص23]
قال الإمامان أبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان: “وَعَلَامَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ الْوَقِيعَةُ فِي أَهْلِ الْأَثَرِ، وَعَلَامَةُ الزَّنَادِقَةِ تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ حَشْوِيَّةً يُرِيدُونَ إِبْطَالَ الْآثَارِ. وَعَلَامَةُ الْجَهْمِيَّةِ تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ مُشَبِّهَةً” [أصول الاعتقاد للالكائي ج1ص201]
فصل: لستُ أول من يتكلم فيه
أولا: كلام علماء أهل السنة فيه في عصره
قال السبكي، وهو أشعري متعصب “وَكَانَت طَائِفَة من مبتدعة الْحَنَابِلَة الْقَائِلين بالحرف وَالصَّوْت مِمَّن صحبهم السُّلْطَان فِي صغره يكْرهُونَ الشَّيْخ عز الدّين ويطعنون فِيهِ وقرروا فِي ذهن السُّلْطَان الْأَشْرَف أَن الَّذِي هم عَلَيْهِ اعْتِقَاد السّلف وَأَنه اعْتِقَاد أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ وفضلاء أَصْحَابه” [الطبقات ج8ص218]
ومعروف أن أهل البدعة يسمّون أهل السنة أسماء مثل “مبتدعة الحنابلة، والحشوية” وما أشبه ذلك، وأما الحرف والصوت فلا يختلف فيه اثنان من أهل السنة.
وكان هذا هو الحال حتى دخل جمال الدين الحصيري واقنع السلطان ان ابن عبد السلام على الحق. ثم اقنعه الملك الكامل الذي كان متعصبا للأشعرية ونصحه بقتل عشرين نفسًا من أهل السنة، فصار أهل السنة في محنة بسبب هؤلاء.
ثانيًا: رد ابن تيمية عليه
قال العز بن عبد السلام “وَالحَشْوِيَّةُ المُشَبِّهَةُ، الذين يُشَبِّهُوْنَ االله بخَلقه، ضِربان: أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} والآخر يَتَسَتَّرُ بمذهب السلف لِسُحْتٍ يأكله أو حُطَامٍ يأخذه: (أَظهَروا لِلنَّاسِ نُسْكاً…وعلى المَنقوشِ داروا) {يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}، ومذهب السلف إنما هو التوحيدُ والتنزيهُ، دُوْنَ التجسيمِ والتشبيهِ، وكذلك جميعُ المبتدعةِ يَزعُمون أنهم على مذهب السلف، فهم كما قال القائل: (وَكُلٌّ يَدَّعُوْنَ وِصَالَ لَيْلَى…وَلَيْلَى لَا تُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَا)” [الكتاب: رسائل العز بن عبد السلام في التوحيد ص16]
قال ابن تيمية: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْحَشْوِيَّةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَا يَتَحَاشَى مِنْ الْحَشْوِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ. وَالْآخَرُ: تَسَتُّرٌ بِمَذْهَبِ السَّلَفِ. وَمَذْهَبُ السَّلَفِ إنَّمَا هُوَ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ؛ دُونَ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ وَكَذَا جَمِيعُ الْمُبْتَدِعَةِ يَزْعُمُونَ هَذَا فِيهِمْ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: وَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلًا لِلَيْلَى وَلَيْلَى لَا تُقِرُّ لَهُمْ بذاكا
فَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ.
فَمِنْ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ: ذَمُّ مَنْ يُمَثِّلُ اللَّهَ بِمَخْلُوقَاتِهِ وَيَجْعَلُ صِفَاتِهِ مَنْ جِنْسِ صِفَاتِهِمْ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} …
ثم قال:
فَإِذَا كُنْت تَذُمُّ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ مِنْ سَلَفِك وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَبْقَ مَعَك إلَّا الْجَهْمِيَّة: مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ: مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ. وَلَمْ تَذْكُرْ حُجَّةً تُعْتَمَدُ. فَأَيُّ ذَمٍّ لِقَوْمِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَتَحَاشَوْنَ مِمَّا عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَأَئِمَّةُ الذَّامِّ لَهُمْ؟ وَإِنْ لَمْ تُدْخِلْ فِي اسْمِ ” الْحَشْوِيَّةِ ” مَنْ يُثْبِتُ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ لَمْ يَنْفَعْك هَذَا الْكَلَامُ بَلْ قَدْ ذَكَرْت أَنْتَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ هَذَا الْقَوْلَ. وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ لَا يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ أَنْ يَذُمَّ نَفْسَهُ أَوْ يَذُمَّ سَلَفَهُ – الَّذِينَ يُقِرُّ هُوَ بِإِمَامَتِهِمْ وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ اتَّبَعَهُمْ – كَانَ هُوَ الْمَذْمُومَ بِهَذَا الذَّمِّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَكَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَوَّلِهِمْ: {لَقَدْ خِبْت وَخَسِرْت إنْ لَمْ أَعْدِلْ} يَقُولُ: إذَا كُنْت مُقِرًّا بِأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنِّي أَظْلِمُ فَأَنْتَ خَائِبٌ خَاسِرٌ. وَهَكَذَا مَنْ ذَمَّ مَنْ يُقِرُّ بِأَنَّهُمْ خِيَارُ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُهَا وَأَنَّ طَائِفَتَهُ إنَّمَا تَلَقَّتْ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مِنْهُمْ. هُوَ خَائِبٌ خَاسِرٌ فِي هَذَا الذَّمِّ. وَهَذِهِ حَالُ الرَّافِضَةِ فِي ذَمِّ الصَّحَابَةِ.
وقال: أَمَّا أَنْ يَكُونَ انْتِحَالُ السَّلَفِ مِنْ شَعَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ: فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا. فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا حَيْثُ يَكْثُرُ الْجَهْلُ وَيَقِلُّ الْعِلْمُ. يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ [العز بن عبد السلام] مِنْ أَتْبَاعِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ يُصَرِّحُونَ بِمُخَالَفَةِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ. وَمَسْأَلَةِ تَأْوِيلِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.
وقال: وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّة الْكُلَّابِيَة كَصَاحِبِ هَذَا الْكَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ [العز بن عبد السلام] وَأَمْثَالِهِ – كَيْفَ تَدَعُونَ طَرِيقَةَ السَّلَفِ وَغَايَةُ مَا عِنْدَ السَّلَفِ: أَنْ يَكُونُوا مُوَافِقِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقال: وَأَبُو مُحَمَّدٍ [العز بت عبد السلام] وَأَمْثَالُهُ قَدْ سَلَكُوا مَسْلَكَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَيِّنْ الْحَقَّ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ وَلَا بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ بَلْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ خِلَافَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ: إمَّا كَتَمَهُ وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ.
خاتمة
أذكر أخي القارئ أن لا يكون من هذه الفئة التي قال عنها ابن القيم في كافيته
ولقد رأينا من فريق يدعي الإ … سلام شركا ظاهر التبيان
جعلوا له شركاء والوهم وسو … وهم به في الحب لا السلطان
والله ما ساووهم بالله بل … زادوا لهم حبا بلا كتمان
والله ما غضبوا إذا انتهكت محا … رم ربهم في السر والإعلان
حتى إذا ما قيل في الوثن الذي … يدعونه ما فيه من نقصان
فأجارك الرحمن من غضب ومن … حرب ومن شتم ومن عدوان
وأجارك الرحمن من ضرب وتعـ … ـزير ومن سب ومن تسجان
والله لو عطلت كل صفاته … ما قابلوك ببعض ذا العدوان
والله لو خالفت نص رسوله … نصا صريحا واضح التبيان
وتبعت قول شيوخهم أو غيرهم … كنت المحقق صاحب العرفان
حتى إذا خالفت آراء الرجا … ل لسنة المبعوث بالقرآن
نادوا عليك ببدعة وضلالة … قالوا وفي تكفيره قولان
قالوا تنقصت الكبار وسائر الـ … ـعلماء بل جاهرت بالبهتان
هذا ولم تسلبهم حقا لهم … ليكون ذاب كذب وذا عدوان
وإذا سلبت صفاته وعلوه … وكلامه جهرا بلا كتمان
لم يغضبوا بل كان ذلك عندهم … عين الصواب ومقتضى الإحسان
والحمد لله رب العالمين