بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فالحجب من المسائل المهمة في علم الفرائض، وقد قال العلامة محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي ([1]) : “اعلم أن أصل الفرائض معرفة الحجب وحفظه, فيجب إيعابه وحفظه”. ([2]) وقال العلامة ابن ضويان: “وهو باب عظيم. ويحرم على من لم يعرف الحجب أن يفتي في الفرائض” ([3]) وهذا دافع لطالب العلم أن يهتم بهذا الباب ويضبط مسائلة، وهذا ما دفعني لاختيار هذا الموضوع لبحثي.
الحجب
الحجب لغة: قال ابن فارس: الْحَاءُ وَالْجِيمُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ. يُقَالُ حَجَبْتُهُ عَنْ كَذَا، أَيْ مَنَعْتُهُ. ([4])
الحجب في الاصطلاح: منع من قام به سبب الإرث بالكلية أو من أوفر حظيه، ويسمى الأول حجب حرمان، والثاني حجب نقصان. ([5])
أنواع الحجب
الحجب ينقسم إلى قسمين: حجب بالوصف، وحجب بشخص. وإذا أطلقوا الحجب يريدون عادة الثاني.
أولا: الحجب بالوصف
وهو أن يحجب الشخص لصفة ارتبطت به، وهي ثلاث صفات: وهي الرق والقتل واختلاف الدين. ([6])
قال في الرحبيّة:
١٦-وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيراثِ *** وَاحِدةٌ مِنْ عِلَلٍ ثَلاثِ
١٧-رِقٌّ، وَقتْلٌ، واخْتِلافُ دِينِ *** فَافْهَمْ؛ فَلَيْسَ الشَّكُّ كَاليَقِينِ
الأول: الرِّق: وذلك أن مال المملوك لسيده، فإذا ورث ف
الثاني: القتل: لقوله ﷺ: (ليس لقاتل شيء)([7]) وقَالَ عُمَرُ: لَوْلا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ ” لَوَرَّثْتُكَ. ([8])
الثالث: اختلاف الدين: لقول رسول الله ﷺ (لا يتوارث أهل ملتين) ([9]) وهذا قول الجمهور، وذهب معاوية وسعي رضي الله عنهما إلى أن المسلم يرث من الكافر ([10])
ثانيا: الحجب بالشخص
وينقسم إلى: حجب حرمان، وحجب نقصان.
القسم الأول: حجب الحرمان
معناه أن الشخص المحجوب لا يرث شيئًا إذا وُجِدَ الحاجب. ومثالُه: الجد يحجبه الأب، فإذا وُجِدَ الأب لم يرث الجد شيئًا.
وهناك من الورثة ما لا يمكن أن يُحجَب حجب حرمان، وهم ستة: الأبوان والزوجان وَالِابْن وَالْبِنْت. وذلك أن القاعدة أن الأقرب يحجب الأبعد، وهؤلاء هم الأقرب للمورث، فلا يُتصوَّر حجبهم حرمانًا، وهذا بالإجماع ([11])
القسم الثاني: حجب النقصان
معناه أن وجود الحاجب يعني إنقاص مقدار ميراث المحجوب حجب نقصان. ومثاله: كما في قوله تعالى ﴿كُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾([12]) فهنا ولد المرأة حجب زوجها حجب نقصان، فوجوده أنقص ميراث الزوج من النصف إلى الربع.
وهو لخمسة من الورثة ([13])
- الزوج، إذ يُحجب من النصف إلى الربع، بوجود الولد.
- الزوجة تُحجَب من الربع إلى الثمن بوجود الولد.
- الأم تحجب من الثلث إلى السدس بالولد، أو الاثنين من الإخوة والأخوات.
- بنت الابن مع بنت الصلب من النصف إلى السدس تكملة للثلثين
- الأخت لأب تحجب الشقيقة من النصف إلى السدس.
الفرق بين المحروم والمحجوب
الفرق بين المحروم والمحجوب: يظهر الفرق بين المحروم والمحجوب الامرين الآتيين:
1 – المحروم ليس أهلا للارث أصلا كالقاتل، بخلاف المحجوب فإنه أهل للارث ولكن حجب لوجود شخص آخر أولى منه بالميراث.
2 – المحروم من الميراث لا يؤثر في غيره فلا يحجبه أصلا بل يجعل كالمعدوم، فإذا مات شخص عن ابن كافر وأخ مسلم، فالميراث كله للاخ ولاشئ للابن. ([14])
مسألة: هل وجود وارث محروم يحجب غيره؟
الجواب أنه لا يحجب غيره حجب نقصان ولا حجب حرمان في قول الجمهور وهو قول زيد رضي الله عنه، وحجتهم أن وجوده كعدمه. وذهب ابن مسعود رضي الله عنه أنه يحجب، وحجته ظاهر القرآن الكريم. ([15])
والحمد لله رب العالمي
* * *
([2]) الجامع لمسائل المدونة ج21 ص418.
([5]) الموسوعة الفقهية الكويتية ج17 ص10
([6]) اختلاف الأئمة العلماء ج2 ص85
([7]) رواه مالك (653)، وأحمد (348)
([9]) رواه أبو داود (2911) وابن ماجه (2731).
([11]) الموسوعة الفقهية الكويتية ج3 ص46
([13]) الموسوعة الفقهية الكويتية ج3 ص46.
([15]) الموسوعة الفقهية الكويتية ج3 ص46. وبداية المجتهد ج4 ص135