بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
قبل كل شيء، ليس الكلام عن حكم مشاهدة المواد القذرة، فإنها محرمة بكل حال، إنما الكلام عن فعل الاستمناء بنفسه.
وقد اختلف العلماء في حكمه، فمنهم من أباحه، ومنهم من حرمه ومنهم من فصًّل.
أما من حرمه، فلقول الله تعالى: {وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ 5 إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ 6 فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ} فقال: المستمني قد ابتغى غير الزوجة وملك اليمين، فهذا من العادين، ففعله حرام.
وأن النبي ص قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام) ولم يقل بالاستمناء.
وأنه قال: «سَبْعَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وذكر منهم: «النَّاكِحُ يَدَهُ». [جزء ابن عرفة (ص64)]
وأما من أباحه، فقد قال: إن الآية يراد بها الجماع، فلا يكون إلا مع الأزواج أو ملك اليمين، ولا يدخل الاستمناء فيها، وأما الحديث، فإذا نصح النبي ص بشيء لا يعني تحريم ما سواه،
أما حديث الناكح يده، فقال ابن الجوزي: «هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم». [العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (2/ 144)]
فلا يوجد دليل على التحريم، والأصل في الأفعال غير التعبدية الإباحة.
وعند كل من الفريقين ما يؤيده من كلام الصحابة.
_______
أما المحرمون فاستندوا إلى
آثار الصحابة
* روى ابن أبي شيبة «18414 – حدثنا وكيع عن عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس قال: “هو الفاعل بنفسه”». [مصنف ابن أبي شيبة (10/ 12 ت الشثري ـ وقالوا: حسن)]
* وروى ابن أبي شيبة «18415 – حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن شيخ قال: سئل ابن عمر عنها يعني -الخضخضة- فقال: ذاك الفاعل بنفسه.». [مصنف ابن أبي شيبة (10/ 12 ت الشثري)] وإسناده ضعيف، شيخ ابن أبي ذئب مجهول.
«[14511] عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبد الله بن عثمان، عن مجاهد، قال: سئل ابن عمر عنه قال: ذلك نائك نفسه.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 331 ط التأصيل الثانية)] حسن، عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم صدوق.
آثار التابعين:
18416 – حدثنا وكيع عن أفلح عن القاسم قال: سئل عن: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} فمن ابتغى وراء ذلك فهو عاد.
«[14510] عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، أنه كره الاستمناء، قلت: أفيه حد؟ قال: ما سمعته.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 331 ط التأصيل الثانية)] صحيح
__________
وأما المبيحون فاستندوا إلى آثار منها
آثار الصحابة
«عن أبي يحيى قال: رأيت رجلًا سأل ابن عباس فقال: يا أبا عباس إني رجل أعبث بذكري حتى أنزل، قال: فقال ابن عباس: أف أف! هو خير من الزنى ونكاح الإماء خير منه». [مصنف ابن أبي شيبة (10/ 12 ت الشثري)]
أبي يحيى المكي واسمه مِصدع
قال ابن حِبَّان: «كان ممن بخالف الأثبات في الروايات، وينفرد عن الثقات بالألفاظ الزيادات [مما] يوجب ترك ما انفرد منها، والاعتبار بما وافقهم منها.». [المجروحين لابن حبان ت حمدي (2/ 379)] و«قال عَمَّار الدُّهْنيُّ: كان مصدع عالمًا بابن عبَّاس. روي له الجماعة إلَّا البُخَاري.». [الكمال في أسماء الرجال (8/ 394)]
وله متابعة رواها البيهقي: «14133 – أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، أنبأ أبو عبد الله بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأ جعفر بن عون، أنبأ الأجلح، عن أبي الزبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما». [السنن الكبرى – البيهقي (7/ 323 ط العلمية)]
قال أبو طاهر المخلص: «483- (117) حدثنا عبدُ اللهِ: حدثنا محمدٌ: حدثنا سلمةُ، عن سوادةَ قالَ: سمعتُ عكرمةَ وسُئلَ عن جَلْدِ عُميرةَ فقالَ: أف أف، نكاحُ الأَمةِ خيرٌ مِنه، وهو خيرٌ مِن الزِّنا.». [المخلصيات (1/ 311)]
عبد الله: هو البغوي، صدوق، وفيه كلام. محمد: هو ابن حميد الرازي، ضعيف متهم. سلمة: هو ابن الفضل، ضعيف.
«• [14512] عبد الرزاق، عن الثوري ومعمر، عن الأعمش، عن أبي رزين، عن أبي يحيى، عن ابن عباس، قال: قال رجل له: إني أعبث بذكري حتى أنزل؟ قال: إن نكاح الأمة خير منه، وهو خير من الزنا.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 331 ط التأصيل الثانية)]
«• [14513] أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش مثله بإسناده، عن ابن عباس.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 331 ط التأصيل الثانية)]
«• [14514] عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمار * الدهني، عن مسلم، قال: رأيت سعيد بن جبير، لقي أبا يحيى فتذاكرا حديث ابن عباس، فقال له أبو يحيى: سئل ابن عباس…». [مصنف عبد الرزاق (7/ 331 ط التأصيل الثانية)]
«• [14516] أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني إبراهيم بن أبي بكر، عن رجل، عن ابن عباس، أنه قال: وما هو إلا أن يعرك أحدكم زبه حتى ينزل ماء.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 332 ط التأصيل الثانية)] ضعيف، إبراهيم مجهول الحال، وقال الذهبي: محله الصدق، وشيخه مبهم. وذكر له عبد الرزاق إسنادا ثانيا
وروى ابن حزم «عن قتادة عن رجل عن ابن عمر أنه قال: إنما هو عصب تدلكه». [المحلى بالآثار (12/ 407)] ضعيف، فيه مبهم.
وروى ابن حزم :حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار – بندار – أنا محمد بن جعفر – غندر – نا شعبة عن قتادة «العلاء بن زياد عن أبيه أنهم كانوا يفعلونه في المغازي ” يعني الاستمناء ” يعبث الرجل بذكره يدلكه حتى ينزل – قال قتادة: وقال الحسن في الرجل يستمني يعبث بذكره حتى ينزل، قال: كانوا يفعلون في المغازي.». [المحلى بالآثار (12/ 408)]
«• [14517] أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد قال: كان من مضى يأمرون شبانهم بالاستمناء يستعفون، والمرأة كذلك تدخل شيئا.
قلنا لعبد الرزاق: ما تدخل شيئا؟ قال: يريد الشق، يقول: تستغني به عن الزنا.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 332 ط التأصيل الثانية)]
«• [14518] وذكره معمر، عن أيوب أو غيره، عن مجاهد.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 332 ط التأصيل الثانية)] صحيح لولا الشك
وآثار التابعين:
* «• [14515] عبد الرزاق، عن الثوري، عن عباد بن منصور، عن جابر بن زيد أبي الشعثاء قال: هو ماؤك فأهرقه.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 332 ط التأصيل الثانية)] ضعيف لأجل عباد بن منصور، فهو ضعيف مدلس.
«• [14519] أخبرنا معمر، عمن سمع الحسن يرخص في ذلك.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 332 ط التأصيل الثانية)] فيه مبهم.
«• [14520] عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عمرو بن دينار: ما أرى بالاستمناء بأسا.». [مصنف عبد الرزاق (7/ 333 ط التأصيل الثانية)] صحيح
___________
الخلاصة:
اختلفت الرواية عن ابن عباس، فجاء عنه التغليظ، وجاء أنه خير من الزنا.
واختلفت الرواية عن ابن عمر والقول بالنهي حسن الإسناد، والإباحة ضعيف.
وصح المنع عن القاسم بن محمد وعطاء.
وجاء عن مجاهد وجابر بن زيد والحسن البصري الإباحة ولم تثبت.
وصحت الإباحة عن عمرو بن دينار
__________
قول المذاهب الأربعة في المسألة:
المذهب المالكي
قال ابن المنذر: «وبلغني أن مالكا سئل عن هذه المسألة فتلا: {والذين عن لفروجهم حافظون} الآية.». [الأوسط لابن المنذر (9/ 124)]
المذهب الشافعي
قال الشافعي: «وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}». [الأم للإمام الشافعي (5/ 102 ط الفكر)]
المذهب الحنبلي
قال ابن تيمية: «والاستمناءُ مُحرَّمٌ عندَ عامةِ العلماءِ، وهو أظهرُ الروايتينِ عن أحمدَ، والأخرى أنه مكروهٌ؛ لكن إنِ اضطُرَّ إليه – مثلُ: أن يخافَ الزنى أو المرضَ إن لم يفعلْه -؛ ففيه قولانِ مشهورانِ، وقد رخَّصَ فيه في هذه الحالِ طوائفُ من السلَفِ والخلَفِ». [مختصر الفتاوى المصرية (1/ 87 ط ركائز)]
المذهب الحنفي
قال ابن نجيم: «وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَزَبًا بِهِ فَرْطُ شَهْوَةٍ لَهُ أَنْ يَسْتَمْنِي بِعِلَاجٍ لِتَسْكُنَ شَهْوَتُهُ وَلَا يَكُونُ مَأْجُورًا عَلَيْهِ لَيْتَهُ يَنْجُو رَأْسًا بِرَأْسٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ». [البحر الرائق (1/ 61)]
____________
والقول الذي أرتضيه، وأسأل الله أن يكون صوابا ما قرره الحنابلة:
قال ابن قدامة: «ويحرم الاستمناء باليد؛ لأنها مباشرة تفضي إلى قطع النسل، فحرمت كاللواط، ولا حد فيه؛ لأنه لا إيلاج فيه، فإن خشي الزنا، أبيح له؛ لأنه يروى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.». [الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 93)]
وقال المجد ابن تيمية: «ويباح لمن يخشى العنت أن يستمنى بيده فإن لم يخشه حرم». [المحرر في الفقه على مذهب أحمد – ومعه النكت والفوائد السنية (2/ 154)]
وقال المنجى: «وقال أبو الخطاب في رؤوس مسائله: والاستمناء محرم إلا أن يخاف العنت ولا يجد طَوْل حرة ولا أمة. وهو شرط حسن يجب أن يلحظ إلا أن يكون المحتاج إليه له زوجة وهو في موضع لا يتمكن من وطئها؛ كمغازي الصحابة المذكورة.». [الممتع في شرح المقنع – ت ابن دهيش ط ٣ (4/ 283)]