بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
قلت:
قال النحاس (ت338هـ): ” «معكم» نصب بالاستقرار ومن أسكن العين جعل «مع» حرفا.”([1]).
قال ابن سيده (ت 458هـ): “مَعَ، وَهُوَ اسْم مَعْنَاهُ الصُّحْبَة. وَكَذَلِكَ مَعْ، بِسُكُون الْعين، غير أَن مَعَ المحركة الْعين تكون اسما وحرفا، وَمَعَ المسكنة: حرف لَا غير. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:
ورِيشِي منكمُ وهوايَ مَعْكُمْ … وَإِن كانتْ زِيارَتُكُمْ لِمَاما”([2]).
ثم قال: ” أما من فتح الْعين مَعَ الْألف، فانه بناه على قَوْلك: كُنَّا مَعًا، فَلَمَّا جعلهَا حرفا، وأخرجها من الِاسْم، حذف الْألف، وَترك الْعين على فتحهَا، فَقَالَ مَعَ الْقَوْم، وَمَعَ ابْنك. قَالَ: وَهُوَ كَلَام عَامَّة الْعَرَب”([3]).
وقال ابن منظور : “ومَعَ، بِتَحْرِيكِ الْعَيْنِ: كَلِمَةٌ تَضُمُّ الشَّيْءَ إِلى الشَّيْءِ وَهِيَ اسْمٌ مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ وأَصلها مَعاً” ([4])، فأثبت كونها اسمًا. ثم نقل قائلا: “قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَن مَعَ اسمٌ حَرَكَةُ آخِرِهِ مَعَ تَحَرُّكِ مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ يسَكن ويُنَوَّنُ، تَقُولُ: جاؤوا مَعاً.”([5])، ثم قال: “وَقِيلَ: إِنَّ بِمَعْنَاهَا مَعْ بِسُكُونِ الْعَيْنِ غَيْرَ إِنَّ مَعَ الْمُتَحَرِّكَةِ تَكُونُ اسْمًا وَحَرْفًا وَمَعَ السَّاكِنَةِ الْعَيْنِ حَرْفٌ لَا غَيْرُ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
ورِيشِي مِنْكُمُ وهَوايَ مَعْكُمْ، … وإِنْ كانتْ زِيارَتُكم لِماما”([6]). ونحو هذا الكلام جاء في تاج العروس.
وردّ قوم حرفيتها، فقال جمال الدين الجياني: ” وزعم قوم أن الساكن العين حرف، وليس بصحيح، لأن المعنى مع الحركة والسكون واحد فلا سبيل إلى الحرفية. وزعم النحاس أن النحويين مجمعون على أن الساكن العين حرف. وهذا منه عجب، لأنَّ كلام سيبويه مشعر بلزوم الاسمية على كل حال، وأن الشاعر إنما سكّنها اضطرارا.”([7]).
وقال ابن يعيش: ” وقد اعتقد فيها الحرفيّةَ من أسكنها”([8])، وهذه العبارة تُشعر بتضعيفه هذا القول.
وقد تكلم عن هذه المسألة الدكتور: عبده الراجحي في كتابه: التطبيق النحوي، فقال: “مع: ظرف معرب، يفيد الزمان والمكان حسب ما يضاف إليه، فتقول:
سافر زيد مع الفجر.
مع: ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة، وشبه الجملة متعلق بـ”سافر”.
جلست مع زيد.
مع: ظرف مكان منصوب بالفتحة الظاهرة، وشبه الجملة متعلق بـ”جلس”.
تنبيه: يظن بعضهم أن “مع” حرف جر، وهذا غير صحيح؛ لأن “مع” اسم بدليل تنوينها حين تقع حالا:
جاء الأولاد معًا.
والتنوين من علامة الأسماء كما تعلم.” ([9]) انتهى.
وقد اخترت خمس آيات من كتاب الله تعالى، من الآيات التي جاءت فيها كلمة مع، وهي ﴿مع الراكعين﴾، ﴿مع الذين أنعم الله عليهم﴾، ﴿وإن الله مع المؤمنين﴾، ﴿مع الخوالف﴾، ﴿مع العسر يسرا﴾. ثم نظرت في كتب الإعراب التالية: إعراب القرآن للنحاس، إعراب القرآن للدعاس، إعراب القرآن للباقولي، إعراب القرآن للأصبهاني، فلم أجد أحدًا منهم أعربها حرف جر، لكن وجدت للنحاس الكلام الآنف ذكره.
والذي ظهر لي أن إعرابها على أنها حرف جاء عن أئمة اللغويين، وتخطئتهم في ذلك ليست بالقول الهيّن، إلا أن القول المشهور والظاهر اسميتها.
هذا والله أعلم
والحمد لله رب العالمين
[1] إعراب القرآن / سورة البقرة (2) : آية 14
[2] المحكم والمحيط الأعظم ج1 ص110.
[3] المصدر السابق.
[4] لسان العرب، معع.
[5] المصدر السابق.
[6] المصدر السابق.
[7] شرح التسهيل لابن مالك ج2 ص241.
[8] شرح المفصل ج3 ص433.
[9] التطبيق النحوي ص236.