بسم الله، والحمد لله، والصلاة على النبي وآله ومَن والاه
وبعد
فإننا نرى المستسلفة، أو مُمَيِّعَةَ المُستَسلِفَة الذين يرضون تميل قلوبهم إلى الجهمية، ويتألمون إذا سمعوا كلاما في الرد عليهم، ثم عجزوا عن الإتيان بما يعينهم على ما هُم فيه مِن كلام العلماء المتقدمين، فوجدوا عبارة لابن تيمية نشروها على أنها تؤيد بدعتهم، فينشرون العبارة:
«فَمَا فَاتَحْتُ عَامِّيًّا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَطُّ»
يقصدون صفات الله تعالى، فيحاولون إقناع الناس بأن الخلاف بين عامة المسلمين من جهة وبين الجهمية أو الأشعرية من جهة؛ يجب أن لا يتكلم فيه المرء إلا في المخابئ السِّريَّة، وأن العالِم من أهل السنة واجبه -كما فعل ابن تيمية بزَعمِهِم- أن يترُكَ عامَّة الناس لا يكلمهم في صفات ربِّهِم، ويترك تعليمهم، ويتركهم مطية لإضلال المضلين.
فإذا سمعت هذا الصنف مِن الناس؛ فقل له: إقرأ -يا مستلف زورا وبهتانا- ما قبل هذه العبارة المبتورة بأسطر؛ تجد ابن تيمية طلب منه الأشاعرة التالي، قال:
«وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا عِنْدَ الْعَوَامّ»
هل علمتَ لماذا هم كانوا ينهونه عن ذلك؟ قال ابن تيمية -الذي ألصقت مذهبك الخبيث به زورًا-:
«انَّ أَعْظَمَ مَا يَحْذَرُهُ الْمُنَازِعُ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ مَا يَزْعُمُ أَنَّ ظَاهِرَهَا كُفْرٌ وَتَجْسِيمٌ»
فهل مذهب السلف أن هذه الآيات ظاهرها التجسيم؟ وهل السَّلف منعوا العوام منها؟ أم هو مذهبك الخبيث الذي بُني على التمييع والتجهم ورِقَّة الدين؟
فعندما رد ابن تيمية على كلامهم؛ قال مُخبِرًا عن واقع الحال:
«وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: ” أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ ” فَمَا فَاتَحْتُ عَامِّيًّا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَطُّ»
فابن تيمية كان يجالسه طلاب العلم، فيسمعون منه، فالواقع أنه ليس ممن يخوض مع العوام، فلم يكلمهم فعليا بذلك، ولكن هل يرى عدم تكليمهم؟
فاسمع ما قال بعد سطرين :
«وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ الْآيَةَ»
يرد بهذه الآية طلبهم له بعدم تكليم العامة بذلك.
فإذا رددت -يا من انتسبت إلى السلف زورًا- الآية ولم تُقِم لها وزنا لأجل عبارة قالها ابن تيمية، فقد قال ابن تيمية هذه الآية مستشهدا بها، ورادًّا بها على من أراد منعه من الكلام في آيات الصفات عند العامة وكتمان ما أنزل الله.
ثم قال ابن تيمية عن أحبابِك الأشاعرة الذين تريد كتم ما أنزل الله للتزلٌّف إليهم، قال ابن تيمية لهم بعد أسطر من الكلام السابق:
«وَقُلْتُ لَهُمْ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ: يَا مُبَدِّلِينَ يَا مُرْتَدِّينَ عَنْ الشَّرِيعَةِ يَا زَنَادِقَةً»
وقال:
«وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ تَبْدِيلِ دِينِ الرَّحْمَنِ بِدِينِ الشَّيْطَانِ»
فهذا قوله عمَّن رددت القرآن لتنصرهم.
وهذا كله بعد أسطر يسيرة من الكلام الذي رددت به -أيها المستسلف زورا- كلامَ الله.
ولو قلبت صفحة أخرى -أيها المستسلف زورا- لوجدت ابن تيمية يقول:
«انَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: “نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا عِنْدَ الْعَوَامّ وَلَا يَكْتُبَ بِهَا إلَى الْبِلَادِ وَلَا فِي الْفَتَاوَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا” = يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ أَعْظَمِ أُصُولِ الدِّينِ وَدَعَائِمِهِ التَّوْحِيدِ»
فانظر أيها المستسلف زورا كيف أنك اقتطعت كلام ابن تيمية مُحَاوِلًا قَلبَ مذهبه وعكس مُرادِه كفِعلِ السَّحَرَة.
ثم قال في الصفحة التالية عن ما تدعو إليه -ايها المستسلف زورًا–
«أَوَلَيْسَ هَذَا نَوْعًا مِنْ الْأَمْرِ بِهَجْرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَتَرْكِ اسْتِمَاعِهِ»
ثم قال: «وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فَهَلَّا قَالَ فَاسْتَمِعُوا لَهُ لَا لِأَعْظَمَ مَا فِيهِ وَهُوَ مَا وَصَفْت بِهِ نَفْسِي فَلَا تَسْتَمِعُوهُ أَوْ لَا تُسْمِعُوهُ لِعَامَّتِكُمْ»
ثم كان سائرُ كلامِه في صفحاتٍ عديدة كلَّه في الرد على مذهبكم الخبيث في عدم كلام العامة في صفات ربهم تبارك اسمه.
فأنّى تؤفكون!
وأُذَكِّر أخي القارئ بأن لا يعل نفسه عرضة لتزوير أمثال هؤلاء لكلام أهل العلم، وليتخذ لنفسه قاعدتين:
الأولى: إن العالِمَ سواءً كانَ ابن تيمية أو غيره، إذا وجدتَ له جُملةٌ أو عِبارةً يُخالِفُ فيها منهج السَّلَف المعلوم الواضح؛ فأوَّل ما يجب أن يخطر ببالك هو أنَّك غير تابع له، وغير مسؤول عن كلامه، وغير مضطر لتقليده.
الثانية: قبل ان تُسيء الظن بهذا العالِم؛ فاعلم أن هذا الكلام في الغالب مبتور يظهر فيه غير مراد كاتبه، خاصة أعني العلماء الذين عُرِفوا بتقليد السَّلَفِ واتِّباعِهم، فلا تصدق ما نُسِبَ له حتَّى تقرأ الكلام مِن أوله إلى آخره.
وقد وقع لي أن قرأتُ لأحد الجهميَّة اقتص كلامًا لابن تيمية موهم لباطل، فما فهمت مراد ابن تيمية من الكلام المبتور، حتى رجعت مئة صفحة قبله قرأتُها، فعرفت أنه لم يقصد الباطل الذي يُتَوَهَّهَّم عند قراءة الكلام المبتور.
هذا والحمد لله رب العالمين