بداية الفتوحات الإسلامية في الهند
في القرن الأول الهجري بدأت الرحلات التجارية البحرية بين العالم الإسلامي والهند، وبفضل التجار المسلمين بدأ ينتشر الإسلام على سواحل الهند. لاحقًا، تعرضت عددٌ من السفن التجارية الإسلامية لهجوم من قراصنة بالقرب من السواحل الهندية، وأسِرَ نساءٌ وأطفال مسلمين.
ولا يزال يتوسع شرقا حتى وصل بلاد القنوج، وجهز جيشه لدخولها، لكن في ذلك الوقت مات الخليفة الوليد بن عبد الملك، وخَلَفه “سليمان بن عبد الملك”، فعزل كل أقارب الحجَّاج، ومنهم محمد بن القاسم، وعيَّن بدلا منه “يزيد بن أبي كبشة” ثم “حبيب بن المهلب” وهنا توقفت الفتوحات في الهند زمانًا طويلا بسبب الخلافات السياسية الداخلية في الدولة الأموية. |
الغزنويون: أولى التوسعات الإسلامية الكبرى في الهند
الغزنويون كانوا سلالة تركية حكمت من غزنة (في أفغانستان الحالية) وكانوا تابعين للخلافة العباسية، لكن لهم نوع من الحكم المستقل. توسعت الدولة الغزنوية في الهند في الرابع والخامس للهجرة. كان أشهر حكام الغزنويين كان محمود بن سُبُكْتِكِيْن الغزنوي (361-421هـ)، الذي قاد فتوحات كبيرة في الهند.
حملات الغزنويين لم تصل إلى توحيد الهند تحت حكم إسلامي واحد، لكنها وضعت الأساس له |
الدولة الغورية
ثم انتقل الحكم من الغزنويين إلى الغوريين بعد سلسلة من الصراعات في أواخر القرن السادس الهجري. في عام 582 هـ، قاد السلطان الغوري غياث الدين محمد الغوري، هجومًا حاسمًا على مدينة غزنة، وتمكن من الإطاحة بالحكم الغزنوي. هذا الهجوم جاء في وقت كانت فيه الدولة الغزنوية في تراجع كبير بسبب الهزائم العسكرية وضعف القيادة.
بعد سقوط غزنة، تمكن الغوريون من السيطرة على معظم أراضي الدولة الغزنوية، مؤسسين دولة جديدة قامت على أنقاضها.
بدأت الدولة الغورية في توسيع نفوذها في شمال الهند وخاضت عدة معارك مع الممالك الهندوسية، أهمها معركة تارهين الثانية عام 588 هـ التي انتصر فيها الغوريون بقيادة محمد الغوري على الملك الهندوسي بريثفي راج شوهان. هذا الانتصار مكنهم من ترسيخ سيطرتهم في المنطقة.
تأسيس سلطنة دلهي
توفي محمد الغوري عام 602 هـ، وتولى بعده قطب الدين أيبك -حاكم لاهور- إدارة الأقاليم الغورية في شمال الهند، ثم وأعلن استقلاله مؤسسًا سلطنة دلهي التي أصبحت كيانًا مستقلاً تمامًا عن الغوريين. وهذه التي تسمى دولة المماليك في الهند لأن أيبك كان مملوكًا، ولا علاقة لها بدولة المماليك في مصر. ومعنى مملوك: عبد.
خلال فترة حكم سلطنة دلهي، توسع الإسلام في شمال الهند وأصبحت السلطنة مركزًا سياسيًا وثقافيًا مهمًا. حكمت السلطنة عدة سلالات، بما في ذلك
- المماليك: وهم المؤسسون استمروا في الحكم من عام 602هـ (1206م) إلى عام 689هـ (1290م)، وكانت هذه الفترة هي بداية الحكم الإسلامي المستقل في شمال الهند.
- سلالة الخلجي: بعد أن أسقطت سلالة الخلجي دولة المماليك في عام 689هـ (1290م)، تمكنت من بسط سيطرتها على مناطق واسعة في شمال وجنوب الهند. كانت هذه السلالة قوية ومؤثرة في توسع الدولة الإسلامية في الهند. حكم الخلجيون حتى عام 720هـ (1320م).
- سلالة تغلق: تمرد قائد الجيش غياث الدين تغلق على سلالة الخلجي واستولى على الحكم في عام 720هـ (1320م). وحكمت الهند سلالة تغلق واستمرت حتى عام 815هـ (1413م)، حينما سقطت السلطنة ودخلت في فترة من الاضطراب والتفكك.
- ما بعد تغلق: مرت سلطنة دلهي بفترة من عدم الاستقرار حيث شهدت صعودًا وهبوطًا للعديد من السلالات الحاكمة، بما في ذلك سلالة سيد وسلالة لودهي. انتهت هذه الفترة في عام 933هـ (1526م) مع توحيد الهند من جديد تحت حكم الإمبراطورية المغولية بعد معركة بانيبات الأولى.
المرحلة المغولية
تحول المغول إلى الإسلام تدريجيًا، بداية من القرن السابع الهجري، عندما اعتنق بركة خان -حفيد جنكيز خان- الإسلام.
في القرن العاشر الهجري، قاد “بابر” المغولي جيشه للسيطرة على الهند. في عام (932 هـ). وتمكن من إنشاء إمبراطورية مغولية مسلمة حكمت الهند لقرون عديدة.
وتوسعت الإمبراطورية المغولية في مناطق تشمل دولًا بمفهومنا الحالي مثل الهند، باكستان، وأفغانستان، بالإضافة إلى أجزاء من بنغلاديش وإيران الشرقية. كما امتدت نفوذها إلى نيبال وأجزاء من بورما (ميانمار الحالية).
ثالث الحكام في هذه الدولة “جلال الدين محمد” المعروف بـ “أكبر العظيم” أنشأ دينا سماه “دين إلهي” شبيه بفكرة الدين الإبراهيمي اليوم، حاول من خلاله دمج تعاليم الهندوس والمسلمين، وسمح للهندوس بتولي المناصب القيادية بعد أن ألغى الجزية عنهم، وتزوَّج من هندوسيات، كما منع المسلمين من ذبح البقر إكراما للهندوس. لكن بعد هلاكه عادت الأمور إلى نصابها تدريجيًّا
شركة الهند الشرقية: من التجارة إلى الاستعمار
في القرن الحادي عشر، كانت أوروبا تعيش صراعات دينية وسياسية واقتصادية. وكانت التجارة بالتوابل والمواد الخام الهندية هي الأقوى عالميًّا
في (1009 هـ / 1600 م) أسست بريطانيا -بمرسوم من إليزابيت الأولى- شركة الهند الشرقية بهدف التجارة مع الهند وشرق آسيا.
كانت الشركة تعمل مقرات لها مؤلفة من مكاتب ومستودعات ومساكن للموظفين في منطقة واحدة، وتقوم بحمايتها بشكل جيد عن طريق موظفي أمن بريطانيين وهنود، حتى تصير وكأنها ثكنة عسكرية، وأخذك هذه المقرات بالتزايد. كما أن أساطيلهم البحرية كانت مزودة بالحرس والسلاح لحمايتها ضد القراصنة. بدأ يتشكل لهذه الشركة جيش حقيقي في الهند. كما بدأت الشركة بالتوغل في المجالات التعليمية والثقافية، والتدخل بالسياسة الهندية.
في هذه الأوقات كانت الحكومة في الهند تضعُف بسب النزاعات الداخلية.
بدأ التوتر بين الشركة والحكومة لأسباب، منها اتهامها بالتهرب من دفع الضرائب، ومحاولاتها السيطرة على التجارة الهندية، بل السيطرة على المدن الهندية الساحلية.
بعد أن رفضت الحكومة المغولية منحها امتيازات تجارية إضافية وتقليل الضرائب المفروضة عليها، في عام 1686 أرسل الملك جيمس الثاني سفنًا حربية إلى الشركة واندلع قتال عسكري بين الشركة والحكومة، حاولت الشركة فرض سيطرتها بالقوة على مدينتي تشيتاغونغ وهوغلي، إلا أنه بعد معارك عنيفة انتصرت الحكومة الهندية واستولت على جميع مصانع الشركة واعتقل أعضاء من جيشها، بينما استولت قوات الشركة التي يقودها السير جوزيه تشايلد على المزيد من سفن المغول التجارية وسفن الحجاج المسلمين، إلى أن انتهت الحرب بهزيمة الشركة في عام 1689 وتوقيع معاهدة أعادت الأمور إلى ما كانت عليه.
حينما قامت الحرب بين فرنسا وبريطانيا، قامت الشركة بتعزيز تحصيناتها في الهند بحجة الخوف من اعتداء الشركة الفرنسية عليها، ولكن سراج الدولة والي البنغال أمر الشركة بإيقاف تحصيناتها، فلم تستجب، فقام الوالي عام (1756م) بشن حملة عسكرية ضدها.
في (1170 هـ / 1757 م) وقعت معركة بلاشي بين الشركة والحكومة، إلا أن قائد الجيش “مير جعفر” (وكان شيعيا) تآمر مع البريطانيين وأسقط الحكم في البنغال بأيديهم، وخلال المئة عام التالية، وسعت نفوذها لتشمل معظم شبه القارة الهندية، وكذلك ميانمار، كما سيطرت على أفغانستان لفترة وجيزة.
في عام 1784، أقرت الحكومة البريطانية “قانون الهند”، الذي أسس نوعًا من السيطرة الحكومية على أنشطة الشركة من خلال إنشاء مجلس السيطرة في لندن. أصبحت الشركة الآن مسؤولة أمام الحكومة البريطانية، مما جعلها قوة سياسية كبرى في الهند.
بين عامي (1799-1849) في هذه المدة، خاضت الشركة العديد من الحروب ضد الممالك الهندية المختلفة مثل مملكة ميسور، المراثا، والسيخ. هذه الحروب انتهت بضم المزيد من الأراضي الهندية تحت سيطرة الشركة.
في 1857، حدثت ثورة كبرى ضد حكم الشركة عُرفت بثورة الهند الكبرى أو التمرد الهندي. وسببها استخدام خراطيش جديدة مدهونة بدهون الخنزير والبقر، مما أثار غضب المسلمين والهندوس خاصة من الجنود المرتزقة الذين كانوا تحت حكم الشركة.
رغم أن التمرد كان واسع النطاق، إلا أنه فشل في نهاية المطاف بسبب قلة التنظيم والقوة العسكرية المتفوقة للبريطانيين. بعد قمع التمرد، حلت بريطانيا شركة الهند الشرقية في عام 1858 وأخذت السيطرة المباشرة على الهند، مما أدى إلى بداية فترة الحكم البريطاني المباشر المعروف بـ”الراج البريطاني” ومعنى “راج” حُكم.
الراج البريطاني
بعد تولي التاج البريطاني الحكم في الهند، أعيد تنظيم الجيش الهندي ليصبح تحت السيطرة البريطانية الكاملة. الجنود الهنود كانوا يعملون تحت قيادة بريطانية، وكانوا يعتبرون جزءًا من الجيش البريطاني في الهند. رغم ولاء الجنود الهنود للبريطانيين، إلا أن هذا الولاء كان نابعًا من نظام عسكري صارم وتحكم بريطاني محكم في الجيش.
رغم وجود حركات تمرد ومقاومة إسلامية، مثل ثورة 1857، إلا أن هذه التمردات لم تنجح في تحقيق استقلال المسلمين بسبب عدة عوامل:
- عدم توحد المسلمين، فقد كانت هناك اختلافات دينية وعرقية بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين الهندوس.
- البريطانيون كانوا يملكون قوة عسكرية متفوقة وقدرة على قمع التمردات بسرعة، مما جعل من الصعب على التمردات تحقيق نجاح دائم.
- البريطانيون استخدموا سياسة “فرق تسد”، وأحيوا الطائفية مما أدى إلى تقسيم المقاومة الداخلية وإضعاف الحركات الإسلامية.
- أنشؤوا دينًا يسمى بـ”القاديانية” يزعم مؤسسه أنه المهدي الموعود والمسيح ابن مريم الذي ينزل للمسلمين آخر الزمان، وقال بأن الجهاد جهاد النفس فقط، والخلافة أمر متعلق بالدين لا بالسياسة.
بعد تولي التاج البريطاني الحكم في الهند، بدأت بريطانيا بإعادة تنظيم الجيش والإدارة لضمان السيطرة ومنع حدوث تمردات أخرى. لكن مع مرور العقود، بدأت الحركات القومية الهندية تتصاعد، مطالبة بالاستقلال عن الحكم البريطاني.
في الوقت نفسه كانت بريطانيا ضعيفة بسبب الحرب العالمية الثانية، فيصعب عليها قيادة إمبراطورية كبيرة، وخاصة مع وجود معارضة قوية، إضافة إلى التوتر والنزاعات بين المسلمين والهندوس التي تشكل قلقا من قيام حرب أهلية لا يستطيع البريطانيين تحمل تبعاتها، كل هذا أدى إلى تسريع عملية استقلال الهند.
كانت أكثر حركات التحرر ذات طابع دستوري، في عام 1906، أسس “محمد علي جناح” ما سماه “حزب الرابطة الإسلامية لعموم الهند” بهدف حماية مصالح المسلمين هناك، مركّزًا على تأمين تمثيل أكبر للمسلمين في السلطة.
لكن أشهر مقاوم هندي كان “ماهاتما غاندي” الذي قاد حركة التمرد السلمية والعصيان المدني وحشد حوله كثيرا من الناس، مع كون حركته تدعو لوحدة الهند إلا أنها كانت دات طابع هندوسي، مما أثار خوف المسلمين على مستقبلهم في هذا البلد، ومع أن غاندي حاول إظهار نفسه بصورة المتسامح مع المسلمين، إلا أنه ظهر عليه تعصبه لهندوسيته من خلال دعوته إلى “رام راجيا” (حكم الإله الهندوسي رام) كما كان يتكلم عن العصر الذهبي للهند بناء على أساطير هندوسية. |
في مقال على “Young India” بتاريخ 1 يناير 1925. قال:
“I worship it and I shall defend its worship against the whole world.”
“أنا أعبدها، وسأدافع عن عبادته أمام العالم أجمع.”
وقال في صحيفة “Young India” بتاريخ 29 يناير 1925.
“My religion teaches me that I should by my personal conduct instill into the minds of those who might hold different views the belief that cow-killing is a sin, and therefore it ought to be abandoned.”
“إن ديني يعلمني أنه ينبغي لي من خلال سلوكي الشخصي أن أغرس في عقول أولئك الذين قد يحملون وجهات نظر مختلفة، الاعتقاد بأن قتل الأبقار خطيئة، وبالتالي، يجب التخلي عنها.”
فهل غاندي كان في مصلحة الهندوس؟
الدين الهندوسي يقسم الناس إلى طبقات، في عام 1932، اقترح رئيس الوزراء البريطاني رامزي ماكدونالد خطة تمنح “الداليت” (المنبوذين) في الهند مقاعد برلمانية خاصة، قبلت الرابطة الإسلامية هذه الفكرة، لكن رفضها غاندي بشدة، حتى أنه أضرب عن الطعام حتى الموت لإجبار البريطانيين على إلغاء الخطة. مما جعل زعيم الداليت يتنازل له عن ذلك. وهذا أمر أقلق المسلمين، إذ أن غاندي كان هكذا مع طبقة من أهل دينه، فماذا سيفعل بالمسلمين لو تمكَّن؟!
هذا جعل القيادات التي تُعتَبر إسلامية، التي كانت تميل للديمقراطية والدستورية تشعر أنه لا مجال للوحدة، فانفصلت بذلك المقاطعات ذات الأغلبية المسلمة عن المقاطعات ذات الأغلبية الهندوسية، فصارت الهند وباكستان.
هذا الانقسام تسبب بهجرة ملايين الناس مسلمين وهندوس من ديارهم، هذه الهجرة القسرية لم تقتصر على تغيير المكان فقط، بل كانت مصحوبة بأحداث عنف طائفية مرعبة. قُتل مئات الآلاف من الناس في الاشتباكات العرقية والطائفية التي رافقت عملية الهجرة. وأصبح الملايين من الناس بلا مأوى، مما أدى إلى واحدة من أكبر الأزمات البشرية في التاريخ الحديث.