الصوفية
التصوف هو مذهب سلوكي، فما معنى ذلك.
عندنا في الدين اعتقاد، وفقه وسلوك، فالاعتقاد يتعلق بالأمور العلمية المرتبطة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر. والفقه يرتبط بالعبادات، كالصلاة والزكاة، والمعاملات كالتجارة، والأنكحة، والقضاء. وعندنا السلوك، وهو كيف نضبط نفسنا ونهذبها، وهذا الأخير كان يطلق عليه أسماء، كالنُّسك، والورع، والزهد، والأدب.
ثم أطلقوا عليه لاحقا اسم التصوُّف.
ثم تحول التصوُّف إلى طُرق، ثم صار مفهوم التصوف هو التشبه بالله أو الفناء فيه.
التسمية
من المتفق عليه أن هذا الاسم ظهر في أواخر القرن الثاني للهجرة، ولكن لا يعلم على وجه التحديد من أين جاء هذا الاسم، قيل: من الصفاء، وهذا مستبعد، فلو كان من الصفاء لكانوا الصفويَّة، وقيل من الصَّفِّ، ولو كان كذلك لكانوا الصَّفِّيَّة.
وقال البيروني إنه مشتق من كلمة “سوف” أو “صوفيا” اليونانية التي تعني الحكمة، مع أن الحكمة مرتبطة بالعقليات، لا بالسلوك، ولكن قد يكون ذلك لما ينتشر بينهم من معتقدات ذات أصول فلسفيَّة.
وقيل إنها من الثيوصوفيا، التي معناها عشاق الإله.
وقيل نسبة إلى الصوف، وهذا الذي يصح لغةً، وهذا الذي ذهب إليه السهروردي والطوسي وابن تيمية وابن خلدون وغيرهم.
وانتُقِد هذا التعريف بأنه في الواقع لا يعرفون بلبسه. ولكني وجدت ما يدل على لبسهم له في ما نُقِل عن سليمان الداراني: «إذا رأيتَ الصوفيَّ يتنوَّق (مرجع1) في الصوف فليس بصوفيٍّ »(مرجع2)) والصُّوف في ذلك الزمان يلبسه الفقراء، فهو كالعلامة على الفقر أو الزُّهد.
أسماء الصوفيَّة
للصوفيَّة أسماء أخرى يتسمَّون بها غير اسم الصوفي، منها:
شكفتيَّة، وهو مشتق من كلمة “شكفت” الفارسية التي تعني الكهف.
جوعيَّة: وهذا معروف في الشام، وذلك أنَّهم يجوعون زهدًا في الدنيا بزعمهم.
الفقراء: وهذا من أشهر أسمائهم، وذلك إما أنهم يفتقرون إلى الله، أو لأنهم زهدوا في الدنيا فصاروا قليلي المال.
الدَّراويش: وهي كلمة معرَّبة من الفارسيَّة بمعنى الفقير (مرجع3)
المجاذيب: وهذا يطلق على الصوفيِّ الذي سُلِبَ عَقلُه. وقد يدَّعون أنَّ ذلك حصل لتعلُّقِ روحه بالله تعالى، أو لأنَّه لم يحتمِل أنوار الشريعة.
النشأة
نشأ التصوف في حياة التابعين من قبل من مال إلى الزيادة في التعبد، ولكنه لم يظهر كفكر خاص له أصوله من كلام عن المراتب والأحوال والطرق إلا في أواخر المئة الثانية من الإسلام، وفي هذه الأوقات ظهر اسم الصوفيَّة.
وأول من ظهر شيوخهم: شقيق بن إبراهيم البلخي من أهل بلخ ت194هـ، ويقال إنه أول من تكلَّم عن علوم الأحوال.
ثم معروف الكرخي في الكرخ وبغداد ت200هـ، وكان صالحًا، أثنى عليه الإمام أحمد، ونسبت له بدع وخرافات.
ثم أبو سليمان الداراني، في ضواحي دمشق، ت215هـ.
اختلاف التصوف عن السلوك
كما قدمنا فإن الأصل أنه نظام التزكية والسلوك الموصل إلى الله، ولكن هل هذه فعلًا حقيقة التصوُّف؟ الجواب: لا. بل الصوفيَّة شطحوا في مفهومهم هذا إلى مسالك بعيدة كما سيأتي.
مفهوم التصوف في حقيقته عبر عنه الكلاباذي بـ «التخلق بأخلاق الصِّفَات الإلهية» (مرجع4)
وقال ذو النون المصري الصوفي: «معاشرة العارف كمعاشرة الله يحتمل عنك ويحكم عنك تخلقا بأخلاق الله الجميلة»(مرجع5)
وقال الغزالي: «منتهى العبد أن يتخلق بأخلاق الله تعالى»(مرجع6)
وقال ابن عربي: «فاعلم أن التصوُّفَ تشبُّهٌ بخالقنا» (مرجع7)
فمن أين أخذوا هذا المفهوم؟
في الواقع هذا يطابق تعريف الفلسفة، قال الرَّزِيُّ وابن تيميَّة أنَّا الفلاسفة عرَّفوا الفلسفة بأنَّها: «التشبه بالإله بقدر الطاقة البشرية»(مرجع8)
وهذا التَّأثر بالفلسفة واضح جدًّا في فكر الغزالي «فعلى ابْن سينا ومؤلف ” رسائل إخْوَان الصَّفَا ” عول الْغَزالِيّ فِي علم الفلسفة»(مرجع9)
ويستخدم الصوفيَّة مصطلحًا يزعمون أن حقيقته هي حقيقة التصوف وغايه، ألا وهو «الفناء» يقول الكلاباذي: «إِنَّه فنَاء إِرَادَة فِي إِرَادَة وفناء أَخْلَاق فِي اخلاق وصفات فِي صفات أَو كَمَا يَقُول الصُّوفِيَّة فانيا عَن أَوْصَافه بَاقِيا بأوصاف الْحق»(مرجع10) وإخوان الصفا هم فلاسفة إسماعيلية من غلاة الشيعة، وأما ابن سينا ففيلسوف معروف كفره العلماء.
أما عن استقائهم من أديان شرق آسيا الوثنيَّة
فيقول أبو يزيد البسطامي الصوفي: «إنّي انسلخت من نفسي كما تنسلخ الحيّة من جلدها ثمّ نظرت الى ذاتي فإذا أنا هو»(مرجع11)
وهذا المفهوم هو نفسه مفهوم النيرفانا عند البوذيين.
ومن هنا يظهر لك تأثُّر الصُّوفيَّة بالفلاسفة وبالأديان الشرق آسيوية. والعجيب أن المدينة التي كانت معقل البوذية في فارس، وهي «بلخ» صارت معقل الصوفيَّة.
وهذا الفناء بعد أن اتَّفق الصوفيَّة عليه، انقسموا في حقيقته.
فمنهم من ذهب إلى أنه امتلاء القلب والرُّوح بالتعلُّقِ بالله تعالى.
ومنهم من ذهب إلى أنه امتزاج في نفس الله تعالى, وهم الحلوليَّة، والاتِّحاديَّة.
ومنهم من ذهب إلى أن أصل الموجودات كلِّها هي الله، كأعضاء الجسد الواحد، والفناءهو الكشف عن هذه الحقيقة، وهؤلاء أهل وحدة الوجود.
وقد نُقل عن أبي يزيد البسطامي قوله: «سبحاني سبحاني أنا ربي الأعلى»(مرجع12)
حقيقة التصوف (الفناء)
يُشاع بين الصوفية أن التصوُّف هو مرتبة الإحسان، وهي المرتبة الواردة في حديث جبريل، ففيه مرتبة المسلم، ومرتبة المؤمن الطائع، ومرتبة المحسن الذي يستشعر مراقبة الله في كل أعماله، فالتصوف هو هذه الدرجة.
هذا ما يُقال على العام، ولكن الكتب تقول إن حقيقة التصوُّف هي الفناء.
يقول التفتازاني: “الفناء في الحقيقة المطلقة، وهو أمر يميز التصوف بمعناه الاصطلاحي الدقيق” (مرجع13)
ويقول الشيخ محمد زكي إبراهيم : “التصوف فناء صفة العبد، ببقاء صفة المعبود”(مرجع14)
يقول الهجويري: “الصوفي هو الفاني عن نفسه، والباقي بالحق، قد تحرر من قبضة الطبائع، واتصل بحقيقة الحقائق، والمتصوف هو من يطلب هذه الدرجة بالمجاهدة، ويقوم نفسه في الطلب على معاملاتهم” (مرجع15)
يقول أبو المواهب الشاذلي: “الفنا هو أساس الطريق، وبه يتوصل إلى مقام التحقيق، ومن لم يجد بمهر الفنا، لم يستجل طلعة الحَسْنا، وليس له في غد واليوم نصيب مع القوم” (مرجع16)
ومنهم من يعبر عن التصوف كما قال الكلاباذي: «التخلق بأخلاق الصِّفَات الإلهية» (مرجع4)
فما هو الفناء؟
يلاحظ من تعريفاتهم أن للفناء نوعين، أحدهما معنوي والآخر ذاتي، فالمعنوي هو فناء صفات العبد بصفات الله، وقد يكون فناء إرادة العبد في إرادة الله، والذاتي هو فناء الذات.
فإن فناء الذات هو عين الحلول والاتِّحاد، وأما المعنوي فليس كذلك.
ولا بد لنا من إدراك أمرين:
الأول: أن الحلولية خرجوا من الإسلام، ولكن كلام الحلولية وغير الحلولية من الصوفية متقارب في ألفاظه.
الثاني: الحلولية يعتقدون أن حقيقة الحلول والاتِّحاد سر مِن الأسرار لا يُكشف إلا لِمَن وصل للدرجات العليا، بل مَن كشفه زنديق. فيقول أحد أئمتهم “الحلَّاج” : “ما انفصلت البشرية عنه ولا اتصلت به ” (مرجع17) وهذا الحلاج اختلفوا فيه، فمنهم من قال إنه كافر، ومنهم من قال إنه ولي، ومنهم من قال ولي، ولكنه استحق أن يُعامل معاملة الكافر لأنه كشف سر الشريعة، كما كشفه فرعون فاستحق الذم، كما في كتاب الطوسي: “ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلا فرعون، فقال: أنا ربكم الأعلى” (مرجع18)
وهذا السر إذا انكشف فلا يبقى معنى للتعبد بعد أن تعرف أن العبد رب والرب عبد، كما نقل حجة الجهمية الغزالي عن أحد علماءهم: «وللعلماء بالله سر لو أظهروه لبطلت الأحكام» (مرجع19)
فإذا علمنا الأمرين وجب أن لا نظلم الفريق القائل بالفناء المعنوي برميه بالكفر، وأن لا يخدعنا الفريق الحلولي بزعمه أنه ليس من أهل الحلول.
وإذا علِمنا أن القائلين بالفناء المعنوي، إذا قالوا بفناء الصفات البشرية في الصفات الإلهية فإنهم لا يستثنون شيئا من الصفات، وبالتالي هذا سيؤدي إلى قول الاتِّحادية لا محالة.
يقول التفتازاني: «ويقصد بالفناء: الحالة النفسية التي يشعر معها الصوفي بذاته، كما يشعر أنه بقي مع حقيقة أسمى، مطلقة، هي الله عند صوفية المسلمين، أو الكلمة عند صوفية المسيحيين، أو براهما في تصوف البرهمية.. وهكذا. وقد ينطلق بعض الصوفية إلى القول: بالاتحاد بهذه الحقيقة، أو أنها حلت فيهم، أو أن الوجود واحد لا كثرة فيه. ويعود بعضهم إلى البقاء بعد الفناء، فيثبتون الاثنينية بين الله والعالم» (مرجع20)
فإذن ليست حقيقة التصوُّف في مفهومه الحالي هو حقيقة الإحسان الذي قال عنه رسول الله ﷺ: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك» بل هي حقيقة أخرى.
تلقِّي العلم
يقول كثير من الصوفيَّة أنهم حريصون على الكتاب والسنَّة، وينقلون لنا كلام عبد القادر الجيلاني رحمه الله: «طِر إلى الحق عزّ وجلّ بجناحي الكتاب والسنة» (مرجع21) وقوله: «طريقتنا مبنيةٌ على الكتابِ والسنةِ فمن خالفهما فليس منَّا، وكلُ حقيقةٍ لا تشهدُ لها الشريعةُ فهي زندقةٌ» وهذا كلام معروف عندهم متداول بينهم، ولكن هل له تطبيق؟
قال الحسين بن منصور: «إذا بلغ العبد إلى مقام المعرفة أوحى الله تعالى إليه بخواطره وحرس سره أن يسنح فيه غير خاطر الحق» (مرجع22)
وقال ابن عربي الصوفي: «قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه في هذا المقام وصحته يخاطب علماء الرسوم أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت يقول أمثالنا حدثني قلبي عن ربي وأنتم تقولون حدثني فلان» (مرجع23).
وقال أبو يزيد البسطامي مفسرا قوله تعالى: ﴿ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب﴾ قال: «وحيا بما يلقي الله برفع الوسائط ﴿أو من وراء حجاب﴾ ما يكلمك به في صورة التجلي حيث كان) (مرجع24).
وقال الشلبي: «إذا طالبوني بعِلمِ الوَرَق برزت لهم بعلم الخِرَق» (مرجع25)
ونقلوا عن الجنيد: «المريد الصادق غنى عَن علم الْعُلَمَاء». (مرجع26))
فحقيقة أمرهم أنهم يصلون إلى الانحلال عن الشريعة لا إلى مقام الإحسان كما يدعون.
سبب الانتشار
هناك عدد من الأسباب أدَّت، أو ساعدت على انتشار التصوُّف، منها:
- حاجة الإنسان إلى الانسلاخ عن المادِّيَّة في بعض أوقاته، فيلجأ المتديِّن إلى بعض أنماط التَّصَوُّف الذي يأخذه إلى جانب روحي بعيد عن المادة، ولهذا يجدون لذَّةً في الحضرات، كما يجد الناس لذَّة في التَّأمُّل واليوغا وغيرها.
- الرضى عن النفس في القرب من الخالق تعالى.
- التطمينات في غفران الذُّنوب، وشفاعة المشايخ في يوم القيامة، وأن صفاء القلب قد يغني عن العمل، وعند بعض الصُّوفيَّة هناك تحلل من الشَّرائع، فليس على من بلغ اليقين واجبات دينيَّة.
- بعد بعضهم عن الصِّراعات الفقهيَّة، والعقَديَّة، وعن الجدالات.
- بعد أكثرهم عن الخوض في السِّياسة، بل الموالاة للأنظمة الحاكمة أيًّا كانت، مما يؤدي إلى عدم التضييق عليهم من الحكومات.
- وجود شخصيَّات مشهورة تنتسب أو تُنسَب إلى التَّصَوُّف، كالسيوطي، والعز بن عبد السلام، والغزالي، والنووي.
- تبرير ما يُنتَقد على الصُّوفيَّة، إمَّا بتأويله، أو بالتبرُّء منه بحجَّة أنه ليس من طريقتنا نحن الصوفية الصادقين.
مصطلحات صوفية
الحال والمقام:
هي في العموم درجات في الترقي إلى الله تعالى، فإذا كان هِبةً مؤقتة نزلت في الشخص، من غير إرادة منه، فهذه الحال، كالمحبة، والشوق، واليقين، وأما إذا تطلبها الشخص بعمله، وداوم عليها، فهي المقام.
قال القاشاني عن الحال: “ما يرد على القلب بمحض الموهبة من غير عمل كحزن، أو خوف، أو بسط، أو قبض، أو شوق، أو ذوق يزول بظهور صفات النفس، سواء أعقبه المِثل أو لا، فإذا دام وصارا ملكا يُسمى مقامًا (مرجع27)
وأول المقامات هو التوبة، ثم الورع، ثم الزهد، ثم الصبر، ثم الرضا.
الحلول:
دخول شيء في شيء بلا امتزاج، كالماء في الكأس.
الاتحاد:
امتزاج شيئين حتى يصيرا ماهية واحدة، كالسكر الذائب في الماء.
الوحدة:
هي نفسي وجود تعدد في الأشياء، وهي وحدة الوجود.
وتطبيق ذلك في تصورهم للإله، فالحلوليون يرون أن إلههم في كل فراغ، وهم الجهمية الأولى، والاتِّحاديون يرونه ممتزج بكل شيء، والوحدويون يرون أن كل شيء هو ظهور لإلههم بهذا الشكل، ولا يوجد في الوجود سوى إلههم.
والثلاثة ليسوا يُعَدُّون من المسلمين
وحدة الشهود:
أن لا ترى في ما تشاهده إلا ما يذكرك بعظمة الله تعالى، وحسن خلقه وتدبيره.
الحقيقة المحمدية:
هي نور محمد صلى الله عليه وسلم. يعتقد الصوفيون أن هذا النور هو أول خلق الله ومصدر الوجود كله، وكان موجودًا قبل خلق الكون. هذا النور، المعروف بالنور المحمدي، يتجلى في قلوب الأولياء والصالحين، وهو الرابط الروحي بين المؤمنين والنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
كتبهم
كتب الصوفية كثيرة جدًا، لكن أهمها:
التعرف لمذهب أهل التصوف – لأبي بكر الكلاباذي (توفي سنة 380 هـ):
يقدم الكتاب شرحًا وتفسيرًا للتصوف من منظور إسلامي تقليدي، ويستعرض أحوال وأقوال الصوفية الأوائل وأصول مذهبهم.
الرسالة القشيرية – لعبد الكريم القشيري (توفي سنة 465 هـ):
يعرض تاريخ التصوف وأصوله وقواعده وأخلاق الصوفية، ويذكر أسماءهم وأخبارهم، وزهدَهم.
إحياء علوم الدين – للغزالي (توفي سنة 505 هـ):
من أكبر كتبهم، وفيه من الأخلاق والعبادات والأخبار جَمع كبير، وحوى من الأحاديث الموضوعة، والضلالات شيئًا كثيرًا، حتى سمَّاه بعضهم “إماتة علوم الدين” وأفتى بعضهم بحرقه، وفيه فوائد.
ومن الكتب المختلف فيها بسبب كفر مؤلفيها:
فصوص الحكم – لابن عربي (توفي سنة 638 هـ)
الفتوحات المكية – لمحيي الدين بن عربي (توفي سنة 638 هـ)
الطواسين – للحلاج (توفي سنة 309 هـ)
أئمتهم
جابر بن حيان ت200هـ
كان فيلسوفًا كيميائيًا ومعروفًا بأبي الكيمياء، وكان على مذهب المتصوفة من أهل الإسلام. له مؤلفات في الكيمياء والفلسفة والسحر وعلوم الأسرار. وقيل أنه شخصية وهمية.
عبدك الصوفي ت261هـ
اشتهر بالتصوف وكان من أوائل من أطلق عليهم اسم “صوفي”. ذكر المطلي فرقة “العبيدية” ونسبها إلى عبدك الصوفي.
شريك الكوفي ت150هـ
أبو هاشم عثمان بن شريك، أول من أطلق عليه “صوفي”، وصف بأول من تكلم في الأحوال والمقامات.
ذو النون المصري ت245هـ
وضع أسس التصوف وكان أول من فسر الإشارات الصوفية. اشتهر بالسحر وعلوم الباطن.
أبو يزيد البسطامي ت261هـ
كان مجوسيا وله شيخ سندي، تلقى عنه الحقائق في التصوف. أحمد بن محمد الخراساني ت295هـ. شيخ الطائفة بالعراق، اشتهر بعباراته في الحلول والفناء في الإله.
محمد الجنيد ت297هـ
سيد الطائفة المجمع عليه، له آراء متناقضة في الكتاب والسنة. اشتهر بآرائه في التصوف وعباراته المتعلقة بالعلم والتصوف.
الحسين بن منصور الحلاج ت309هـ
وُلد في خراسان، وتعلم على يد سهل التستري والجنيد. أشار إلى فكرة الفناء في الحلول والاتحاد. كان متهمًا بالشعوذة ومعروفًا في الكيمياء والتصوف، وقُتل بسبب آرائه.
شهاب الدين السهروردي ت587هـ
من أوائل الفلاسفة في الشرق، تخصص في الفلسفة والكيمياء. قُتل بأمر الملك الملقب بالعادل ابن صلاح الدين الأيوبي بسبب أفكاره.
الطريقة
هي الأسلوب الذي يتخذه الصوفي في سيره إلى الله ليتحقق بمقام الإحسان.
وبعبارات أخرى: الطريقة هي مجموعة أذكار خاصة، ومنهج حياة يتلقاه الصوفي من شيخه فيعمل به ليتقرب إلى الله، فيأخذ منه قواعد عامة، مثل “اخدم الخلق لتتقرب إلى الحق” وأوراد بألفاظ محددة مع عدد محدد تقال في أوقات محددة. وقد يرتبط بها أسلوب معين في الذكر، مثل أن يقول “اجلس على ركبتيك مستقبلا الكعبة وقل كذا” أو مثلا “تجلس وتتخيل شيخك بين عينيك وتقول كذا”
كما أنهم قد يجعلون لأتباع الطريقة لباسًا يتميزون به، وسُبحَةً خاصَّة لتكتمل الطقوس.
وزيادة على ذلك فإن شيخ الطريقة قد يكون عنده بدع عقدية خاصة يتبعونه فيها.
تنقسم الطرق الصوفية إلى ثماني طرق رئيسية،
- الجيلانية أو القادرية (نسبة إلى عبد القادر الجيلاني)
- الرفاعية (نسبة إلى أحمد الرفاعي)
- الأحمدية (نسبة إلى أحمد البدوي)
- الشاذلية (نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي)
- الدسوقية (نسبة إلى إبراهيم الدسوقي)
- الخلوتية (نسبة إلى زين الدين الخلوتي)
- النقشبندية (نسبة إلى بهاء الدين النقشبندي)
- التيجانية (نسبة إلى أبي العباس التيجاني).
تتفرع عن هذه الطرق العديد من الفروع التي تنسب إلى مؤسسيها، فكل صوفي تصير له شهرة وأتباع يؤسس طريقة، فصار عندنا كركرية شاذلية، ويسري جبر أسس طريقة سماها اليسرية الشاذلية، وهكذا.
مصطلحات تتعلق بالطرق
شيخ الطريقة: مؤسسها
الشيخ: هو المعلم الذي أخذ الطريقة بالإسناد وصار عنده إذن بإعطائها.
المريد: هو التلميذ الذي بايع شيخه على الالتزام بالطريقة.
البَيعَة: هي عهد يعطيه التلميذ للشيخ أن يلتزم الطريقة. وتسمى العهد.
الحِزبُ والوِرد: كلاهما أذكار مخصوصة، لكن الوِرد محدود بوقت، والحزب ليس مؤقتًا.
الدوائر في الطريقة
يترقى الإنسان في الطريق عبر مستويات
- منتسب: هو من انتسب للطريقة، يتشبه بأهلها، ولكنَّه عامِّيٌّ.
- متصوف: وهو مَن أخذ العهد.\
- صوفيٌّ: هو الذي ألبسه شيخه الخرقة (العمامة) وأعطاه الإسناد الإجازة، وصار قادرًا على أن يأخذ العهد مِن غيره.
وهذه أعلى درجات سلَّم الترقي، إلا أن يرث مشيخة الطريقة بعد موت شيخه، أو يؤسس طريقة لنفسه.
وقد يكون الترقي في درجات الولاية، وهذه الدرجات هي:
البَدَل، أو الوَتَد:
البدل هو أحد درجات الأولياء في التصوف. والأبدال هم مجموعة من الأولياء يقوم العالَم بهم، وسموا بالأبدال، لأنهم كلما مات واحد منهم، أتى غيره، واختلفوا في عددهم سبعة، أو سبعة عشر، أو ثلاثون، أو أربعون. وقيل كلهم في الشام. يقولون: (الأبدال ثلاثون رجلا بالشام، بهم يجارون وبهم يرزقون، إذا مات منهم رجل أبدل الله مكانه)
ولهم تسميات بحسب المنطقة، فالأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصب باليمن والأخيار بالعراق.
ومن الأعاجيب ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي يزيد البسطامي أنه قيل له : إنك من الأبدال السبعة الذين هم أوتاد الأرض ، فقال: أنا كل السبعة .
الولي:
الولي هو الشخص الصالح الذي تقرب إلى الله بالأعمال الصالحة والزهد، حتى تولى الله أمره. يُعتقد أن الأولياء لهم مكانة خاصة عند الله ويمنحهم الكرامات، وهي قدرات خارقة للطبيعة.
وللأولياء مراتب عندهم، الأخيار، ثم الأبدال، ثم الأوتاد، ثم النقباء، ثم القطب.
القطب:
هو الشخص الذي يتربع على قمة الهرم الروحي، فهو موضع نظر الله من خلقه. يُعتقد أن القطب يكون على اتصال مباشر مع الله وله تأثير كبير على الكون، ومنهم من يعتقد أنه يتصرف في الكون. والأصل أنه واحد، لكن تقريبا في الواقع كل طريقة لها قطبها الخاص.
الغوث:
الغوث هو لقب آخر يُطلق على القطب، وذلك لأنهم يستغيثون به من دون الله، فيغيثهم كما يزعمون. ويسمى أيضًا: «الإنسان الكامل»
متفرقات
الجوع
«قَالَ أَبُو عُثْمَان المغربي الرباني لا يأكل فِي أربعين يوما والصمداني فِي ثمانين يوما». (مرجع28))
وقال «الداراني يَقُول: مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخره الجوع.» (مرجع28))
وقال «الروذباري يَقُول: إِذَا قَالَ الصوفي بَعْد خمسة أَيَّام أنا جائع فألزموه السوق ومروه بالكسب» (مرجع29)) والمقصود ذمه بأن هذا من الناس الذين ليسوا أهلا للتصوف.
وقال الغزالي: «وعلامة فنائك عنك وعن هواك: ترك التكسب» (مرجع30)
قال إمامنا حرب الكرماني: «ومن حرم المكاسب والتجارات، وطلب المال من وجوهها؛ فقد جهل وأخطأ، وخالف، بل المكاسب من وجوهها حلال، قد أحله الله ورسوله ﷺ والعلماء من الأمة، فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله، ويبتغي من فضل ربه، فإن ترك ذلك على أنه لا يرى الكسب فهو مخالف» (مرجع31))
تقديس الشيخ
الشيخ عند الصوفيَّة أمر عظيم جدًا قال السهروردي: «فالشيخ للمريد أمين الإلهام كما أن جبريل أمين الوحي ، فكما لا يخون جبريل في الوحي لا يخون الشيخ في الإلهام ، وكما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى فالشيخ مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً لا يتكلم بهوى» (مرجع32) فمِن أهم الأمور عند الصوفية وجود الشيخ، حتى قال القشيري: «يجب عَلَى المريد أَن يتأدب بشيخ فَإِن لَمْ يكن لَهُ أستاذ لا يفلح أبدا» (مرجع33)) ولا شك بأهميَّة تلقي العلم عن أهله، إلا أن الأمر عند الصوفية وصل إلى تقديس الشيوخ إلى درجة أن الحق لا يُقبَل عندهم مِن أحد حتى يرضَوا بشيخه، مع أن الشيخ نفيه قد يكون مِن أهل الباطل، فكيف يكون وجوده معيارًا للحق، يقول أبي يزيد البسطامي: «من لَمْ يكن لَهُ أستاذ فإمامه الشَّيْطَان» (مرجع34)) مع أن الواقع أن بعض الشيوخ المقدسين عندهم قد يتتلمذ الشيطان عليه.
وقال أبو عبدالرحمن السلمي: «من لم يتأدب بشيخ فهو بطال، ومن لم يلحقه نظر شيخ وشفقته لا يجيء منه شيء» (مرجع35)
وأخطر مِن ذلك قول ذي النون المصري: «طاعة مريد شيخه، فوق طاعته ربه» (مرجع36) إلا أنهم يؤولون هذا الشرك بأن الشيخ أعلم من المريد بالله. فوصل بهم هذا إلى عدم مراجعة المسائل وعرضها على الوحي ومنهج الصحابة والتابعين، وهذا للأسف ورثته عنهم المدجنة والمداخلة من السلفية.
وقال ابن عربي: «ومن شروط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه ونبيه» (مرجع37)
بل حتى الإنكار القلبي على الشيخ منعوه، قال القشيري: «ومن شرطه (مرجع38) أَن لا يَكُون لَهُ بقلبه اعتراض عَلَى شيخه» (مرجع34))
بل وصل بهم الأمر إلى اعتقاد صفاتٍ إلهية في الشيوخ، وهذا مبحث طويل قد أفرده في مجال خاص.
- أي يتأنَّق[↩]
- البداية والنهاية (11/ 29[↩]
- معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية (3/ 262)[↩]
- التعرف لمذهب أهل التصوف (ص5)[↩][↩]
- حلية الأولياء ط السعادة (9/ 351)[↩]
- إحياء علوم الدين (4/ 204)[↩]
- الفتوحات المكية 2/266[↩]
- تفسير الرازي (4/ 59) و الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق (1/ 61)[↩]
- طبقات الفقهاء الشافعية (1/ 257)[↩]
- التعرف لمذهب أهل التصوف (ص5)[↩]
- تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة (ص62)[↩]
- تلبيس إبليس (ص304)[↩]
- الموسوعة الفلسفية العربية 1/259[↩]
- مجلة التصوف الإسلامي الصادرة عن المجلس الصوفي الأعلى في مصر، عدد رجب 1414هـ ص42[↩]
- كشف المحجوب 1/231[↩]
- قوانين حكم الإشراق ص60[↩]
- طبقات الصوفية، السلمي، ص311[↩]
- اللمع، الطوسي، ص299[↩]
- إحياء علوم الدين، للغزالي ج1ص100[↩]
- الموسوعة الفلسفية العربية، معن زيادة، 1/259[↩]
- الفتح الرباني والفيض الرحماني ص165[↩]
- [↩]
- الفتوحات ج1ص280[↩]
- الفتوحات ج4ص412[↩]
- تلبيس إبليس ص284[↩]
- الرسالة القشيرية (2/ 354[↩]
- صطلاحات الصوفية ص 57[↩]
- الرسالة القشيرية (1/ 272[↩][↩]
- الرسالة القشيرية (1/ 218[↩]
- مجموعة رسائل الإمام الغزالي ص14[↩]
- إجماع السلف في الاعتقاد كما حكاه حرب الكرماني (ص73[↩]
- عوارف المعارف ج4ص73[↩]
- الرسالة القشيرية (2/ 573[↩]
- الرسالة القشيرية (2/ 574[↩][↩]
- مجموعة آثار ابو عبد الرحمن السلمي – صفحة 153[↩]
- المعجم الصوفي ص157 لحنفي عبد المنعم[↩]
- الإبريز للسلجماسي ص202[↩]
- أي المُريد[↩]