بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
يقول الجهمية إن ابن عباس أوَّل صفة الساق لله تعالى، ف«عن ابن عباس (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) قال: عن أمر عظيم». [تفسير الطبري (23/ 554 ط التربية والتراث)] فهم يؤولون كما أول، فيكونون اتَّبعوا السلف.
الجواب:
للجواب على هذا أمران: الأول على فرض صحة ما نسبوه لابن عباس، والثاني بيان أن ابن عباس لم يؤول قول الله تعالى {يوم يُكشف عن ساق}
الأول:
الأصل في التأويل أنه صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر إلى الذهن إلى معنى أبعد يصح في اللغة.
والتأويل في كلامنا عن القرآن يراد به أمران: أولهما: التفسير والشرح والبيان، وهذا متفق عليه بين الناس، والثاني: التحريف، وهو ما يستخدمه الأشعرية مع نصوص الصفات.
فأما التفسير كقولنا {إن ترك خيرا} المراد بالخير المال. والعرب تسمي المال خيرا، وسياق الآية يقتضيه.
فهل الأشعرية يؤولون نصوص النص بهذه الطريقة؟ الجواب: لا. وإنما الذي يسميه الأشعرية تأويلا هو: صرف النص عن ظاهره لكون ظاهره يقتضي التشبيه. قال الغزالي: «وقد يطلق على ما ورد في صفات الله مما يوهم ظاهره الجهة والتشبيه ويحتاج إلى تأويله». [المستصفى (ص85)] فهم جعلوا وسواس التشبيه الذي في عقولهم، وقواعد اليونان التي درسوها حاكمة على كتاب الله، فأولوا الألفاظ لأجلها، وهذا تحريف متعمَّد، فهذا فيصل بين النوعين.
فهل ورد عن ابن عباس أنَّه أول {يوم يُكشف عن ساق} لأن ظاهره يقتضي التشبيه؟ الجواب: لا.
فعلى أي أساس يستوي تأويله مع تأويل الحهمية؟ وبعبارة أدق: أنَّى يستوي تفسيره مع تحريف الجهمية!
ثانيا: هل ابن عباس أوَّل قول الله تعالى {يوم يُكشف عن ساق}
الجواب: لا.
لا يخفى على طالب علم أن القرآن نزل على سبعة أحرف، منها ما نُسخ ومنها ما بقي. ومما كان يقرآ به ابن عبَّاس {يوت تَكشِف عن ساق}
قال الفرَّاء: حدثني سفيان عن عمرو ابن دينار عن ابن عباس أنه قرأ: «يوم تكشف عن ساق» يريد: القيامة والساعة لشدتها قال.. [معاني القرآن للفراء (3/ 177)]
وقال الطبري: «وذكر عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: (يوم تكشف عن ساق) بمعنى: يوم تكشف القيامة عن شدة شديدة». [تفسير الطبري (23/ 196)]
«قال: يعقوب الحضرمي، عن ابن عباس أنه ” قرأ {يوم تَكشف عن ساق} [القلم: 42] بالتاء مفتوحة “». [الرد على الجهمية لابن منده – ط المكتبة الأثرية (ص17)]
فإذا كان ابن عباس يقرأ بالتاء، ففاعل الكشف مؤنث، فهل يمكن أن يقال إن ضمير التأنيث عائد على الله؟ هذا محال، ولهذا أعاده على يوم القيامة، قال الطبري «والعرب تقول: كشف هذا الأمر عن ساق. إذا صار إلى شدة». [تفسير الطبري (23/ 196)]
وأما ما جاء في التفاسير من إضافة تفسيره إلى القراءة المعروفة {يُكشَف} فلعله لأنهم أرادوا الآية بنفسها، دون تدقيق في مسألة ماذا قرأ ابن عباس.
وحتى لو لم نلتفت لهذا الجواب فإنه لا يضر كما في الجواب الأول.
خاصة أن ابن عباس يثبت القدمين لله تعالى، فكيف يوافق تفسيره تحريف الجهمية؟
قال ابن عباس: «الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر أحد قدره» [تفسير عبد الرزاق (3/ 250)]
قال الدارمي: عن ابن عباس قال: «الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل» فهذا الذي عرفناه عن ابن عباس صحيحا مشهورا.. [نقض الدارمي على المريسي – ت الشوامي (ص146)]
والله أعلم