الموضوع سينقسم إلى حلقتين بإذن الله
الأولى، وهي حلقتنا هذه: نتكلم فيها عن وصول النصيرية إلى حكم الدولة.
الحلقة الثانية: كيف تحكم النصيرية بأهل السنة في سوريا، ولماذا بقي أهل السنة لهم مساجد وجامعات، بينما النصيرية ليسوا كذلك؟

أما الطائفة النصيرية من حيث عقائدها وتاريخها، فقد وعدناكم سابقا بإذن الله أن نجعل لها حلقة في سلسلة تاريخ الطوائف بشكل مفصل.
لكن سنأخذ نبذة عنها:

النصيرية طائفة منبثقة من الشيعة الإثني عشرية، يسمون أنفسهم بالعلوية نسبة إلى علي بن أبي طالب، ويسميهم المسلمون: النصيرية، نسبة إلى المؤسس؛ محمد بن نصير النميري، ثم جاء الخصيبي (وهو المؤسس الثاني) ونشرها في بلاد الشام، وصيرها دينا جديدًا مستقلا عن الإسلام، ودينهم يؤمن بثالوث مشكل من علي بن أبي طالب، ومحمد ص وسلمان الفارسي، وأما الله فإنه ظهر للناس في سبعة من البشر، منهم علي بن أبي طالب، كما يؤمنون بالتناسخ، وهو انتقال الرح من ميت إلى مولود جديد، قد يكون بشرا أو دابة، ويقولون إن روح المسلم تنتقل إلى حمار بعد موته. عندهم في كتابهم المقدس سورة اسمها سورة الشتائم، كلها لعن للصحابة، وسأوثق كل شيء إن يسر الله في الحلقة الخاصة بدينهم.
لكن النصيرية يعملون بالتقية، فيظهرون في كل بلد أنهم من أهل الدين المعروف فيه.
ومع هذه التقية، وإخفائهم دينهم وكتبهم، إلا أن المسلمين والشيعة تفطنوا لهم، وحكموا بكفرهم، وواجهوا ضغوطات حكومية في مراحل مختلفة، حتى أن المماليك دمروا قراهم. ولاحقتهم الحكومة العثمانية وقتلت منهم الكثير، وكذلك الأرمن فعلوا بهم في أضنة، فاجتمعوا في جبال الساحل، وبقي منهم بقايا في اسكندرون واللاذقية وطرطوس.
بعد الحرب العالمية الأولى صار اقتتال بين العلويين والإسماعيليين في سوريا بسبب أن الإسماعيليين، وأسفر عن تخريب كبير للبيوت والحقول، مع العلم أن العلويين يعتمدون على الزراعة بشكل كبير.
في 29 سبتمبر 1923 أعلنت فرنسا دولة خاصة للعلويين مستقلة، تشمل اللاذقية وطرطوس، ثم بدأت محاولات دمجها في سوريا عام 1936 وعادت جزءًا من سوريا عام 1942.
استقلت سوريا في 17 نيسان/ أبريل 1946 حين خرج منها آخر فرنسي.
العلويون في هذه المرحلة اجتمعت فيهم ثلاث خصال: 1 الرغبة بالبقاء في السلطة 2 انكشاف انتمائهم الطائفي، وبالتالي الخوف 3 الفقر. وهذا أدى بهم إلى الانخراط بشكل كبير في الجيش، في حين لا يرغب أكثر الناس في دخوله.
ولأجل الانخراط في المجتمع كان أمامهم حل وحيد، وهو: بث الفكر العروبي والوطني، ليكون هذا هو الانتماء المتفق عليه بينهم وبين المسلمين، ومن خلاله يصيرون جزءًا غير منبوذ في المجتمع. وتغلغلوا في حزب البعث الذي قفز منذ عام 1963 إلى الحكم، فخلال فترة الوحدة بين مصر وسوريا، شكّل بعض ضباط حزب البعث، ومعظمهم من الطائفة العلوية، لجنة عسكرية. هذه اللجنة كانت وراء انقلاب حزب البعث في سوريا بتاريخ 8 مارس 1963. وبدؤوا بالسيطرة على الحزب من خلال إبعاد المؤثرين الكبار فيه مثل النصراني ميشيل عفلق، والدرزي سليم حاطوم. والاسماعيلي عبد الكريم الجندي، والمنتسب للسنة أمين الحافظ.

حافظ الأسد بدأ مسيرته بالانضمام إلى حزب البعث العربي الاشتراكي خلال شبابه، وساهم في انقلاب 8 آذار 1963 الذي أوصل الحزب إلى السلطة. بعد ذلك، تولى مناصب عسكرية بارزة، منها قيادة القوى الجوية، مما عزز نفوذه داخل الجيش. في انقلاب 1966، شارك في الإطاحة بالقيادة القديمة لحزب البعث، وعُيّن وزيرًا للدفاع. خلال حرب 1967، التي شهدت هزيمة سوريا أمام جيش إسرائيل. في نوفمبر/تشرين الثاني 1970، قاد انقلابًا داخليًا (الحركة التصحيحية) أطاح فيه بصلاح جديد والقيادة البعثية المنافسة، واستولى على السلطة. لاحقًا، عُيّن رئيسًا للوزراء ثم انتُخب من خلال انتخابات مزورة رئيسًا للجمهورية عام 1971، ليبدأ حكمه الطويل الذي استمر حتى وفاته عام 2000.

وطد حكمه بعدة طرق
1 تصفية خصومه الحاليين والمحتملين.
2 وضع أقاربه، وأفراد عائلته في المناصب الحساسة في الدولة.
3 كان هو بنفسه القائد للجيش.
4 جعل نفسه شخصية وطنية، من خلال توزيع صوره في كل غرفة في أي دائرة حكومية، وحتى في المدارس، وجعل المغنين يغنون له.
5 جعل ولاء البلد لحزبه، فطلاب المدارس في المرحلة الابتدائية يسمون “طلائع البعث” ليشعر أي سوري منذ طفولته أنه جزء من هذا الحزب.
6 السيطرة على أصحاب رؤوس الأموال، من خلال تبعيتهم لأقاربه، فيدخل أقاربه في شراكة معهم قسرا.
7 توظيف نظام مخابراتي قوي، وسجون تعسفية.
8 التجارة بالقضية الفلسطينية
9 الظهور بمظهر القائد التحرري الشعبي الذي يسعى وراء لقمة المواطن. وفعلا كان هناك دعم للوقود، والخبر، وسيطرة على الأسعار.
10 شراء ذمم الشيوخ (وهو موضوع الحلقة القادمة)

والشعب في الحقيقة كثير منهم انخدع به واحتفى به

بالترغيب والترهيب فتح السوريون عيونهم بعد سكرة التقلبات السياسية ليجدوا بلدهم تمتلكها عائلة نصيرية من جبل العلويين، تحكمها بالحديد والنار، وتسرق خيرات بلدها، وتعطيهم من الجمل أذنه.
وأن عليهم أن يعيدوا كل 7 سنين انتخاب المرشح الوحيد. وأن ابنه باسل بدأ يتجهز ليكون الخليفة، فتنشر صوره مع صورة أبيه، وتعلق في الدوائر والمدارس، ويتصدر اسمه الشاشات، ثم خطف ملك الموت روحه عام 1994 في ظروف مجهولة، صدرت للإعلام على أنها حادث سير. وبدأ بتجهيز بشار الذي أنهى دراسة طب العيون في بريطانيا، وفعلا صار شخصية مؤثرة في سوريا بشكل كبير، وأنشأ مراكز لتعليم العمل على الكمبيوتر الذي كان أمرًا حديثًا في سوريا، ثم الانترنت، فصار يصدر على أنه الرجل الذي دخل السياسة لتطوير سوريا.
عندما هلك حافظ أسد في 10 يونيو 2000، استغل النظام الحاكم سيطرته على مؤسسات الدولة لترتيب انتقال سريع للسلطة إلى بشار. تمت الدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الشعب السوري، حيث جرى تعديل الدستور بشكل عاجل لخفض السن الأدنى لرئيس الجمهورية من 40 إلى 34 عامًا، لتتوافق مع عمر بشار.
ثم تم ترشيح بشار لمنصب رئيس الجمهورية عبر التزكية من حزب البعث الحاكم. ليكون المرشح الوحيد، فانتخبه الشعب في انتخابات مزورة كالعادة (سموها استفتاء شعبيا) وذلك في يوليو 2000.

استلم بشار الحكم وسط وعود بالإصلاح والانفتاح، وقرارات بزيادة الرواتب والتوظيف، لكن سرعان ما ظهر أنه يتبع نهج والده في حكم البلاد بقبضة أمنية وتحكم كامل بمفاصل الدولة.

وأما ما جرى بعد استلامه فأمر يطول الحديث عنه، وليس مقصودي الكلام عنه في هذا السياق.