هل كان ابن خزيمة قبوريًّا؟

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد

الشبهة:

وقال الحاكم في “تاريخ نيسابور” … وسمعتُ أبا بكر محمد بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى، يقول: «خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة، وعديلُه أبو عليّ الثقفي، مع جماعة مِن مشايخنا، وهم إذْ ذاك متوافرون، إلى زيارة قبر عليّ بن موسى ‌الرِّضَا بطُوس، قال: فرأيتُ مِن تعظيمِه – يعني: ابن خُزيمة – لتلك البُقْعَةِ، وتواضُعِه لها، وتضرُّعِه عندها، ‌ما ‌تحيَّرنا مِن ذلك»

[تهذيب التهذيب (9/ 551)]

والجواب:

أولًا: في الرواية (فرأيتُ مِن تعظيمِه – يعني: ابن خُزيمة – لتلك البُقْعَةِ) وقد يعني أبا علي الثَّقَفي. فلا يمكن الجزم أن المقصود ابن خزيمة.

ثانيًا: أكبر ما هنالك أنه تواضع وتضرَّع لله، فليس فيها أنه طاف بالقبر، أو دعا المقبور، أو تبرَّك بالقبر، فليست هذه مِن أفعال القبوريين.

ثالثا: قولهم: (ما تحيرنا من ذلك) إن صحت الرواية، فهو دليل على أنه ليس من عادته هذا الفعل.

رابعا: الكتاب الذي ينقل عنه ابن حجر مفقود، والمصدر الوحيد الذي يذكر القصة هو كلام ابن حجر هذا. فهو محل نظر في قبوله، وذلك أن ابن حجر بنفسه قال: «ثم البدعة؛ وهي السبب التاسع من أسباب الطعن في الراوي» إلى أن قال: «وقيل: (يقبل من لم يكن داعية) إلى بدعته؛ لأن تزيين بدعته قد يحمله على ‌تحريف ‌الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه، وهذا (في الأصح)… إن روى ما يقوي بدعته؛ فيُرَد على المذهب المختار» [نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص175 ت القاسم)]

فهل هذه الرواية فيها تأييد بدع ابن حجر التي يدعو إليها؟

الجواب: نعم

فابن حجر يرى التبرك مشاهدة آثار النبي وأصحابه، فقد قال: «وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم فيشمل ذلك جميع الأزمنة؛ لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم منه، وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم للاقتداء بهديهم، ومن بعد ذلك لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه.». [فتح الباري لابن حجر (4/ 93 ط السلفية)]

ويرى ابن حجر أن شد الرحل لزيارة القبر جائزة، وينكر على من لا يراها، فقد قال: «والحاصل أنهم ألزموا ابن ‌تيمية ‌بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنكرنا صورة ذلك، وفي شرح ذلك من الطرفين طول، وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية». [فتح الباري لابن حجر (3/ 66 ط السلفية)]

ويرى جواز التبرك بالقبور، فقد قال تقلا عن البيضاوي في كلامه عن حديث (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبول أنبيائهم مساجد): «فأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد». [فتح الباري لابن حجر (1/ 525 ط السلفية)]

 

والله أعلم.

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 12 times, 1 visits today)
هل كان ابن خزيمة قبوريًّا؟
تمرير للأعلى