بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)
رواه أحمد (9474) وأبو داود (2350) والطبري في التفسير (3015)
كلهم من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
وله متابعة من حديث حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة، عن النبي
رواها أحمد (10630) والطبري (3016)
وهذان الإسنادان ضعفهما أبو حاتم الرازي
قال ابن أبي حاتم: «وسألت أبي عن حديث رواه روح بن عبادة، عن حماد، عن محمد ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) أنه قال: إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه؟
قلت لأبي: وروى روح أيضا عن حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة، عن النبي، مثله، وزاد فيه: وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر
قال أبي: هذان الحديثان ليسا بصحيحين؛ أما حديث عمار: فعن أبي هريرة موقوف، وعمار ثقة. والحديث الآخر: ليس بصحيح». العلل (2/ 235)
قلت: حكم أبو حاتم على الأخير بالوقف، وعرَّض بحَمَّاد، بذكره توثيق عمَّار، إذ روح ثقة، فبقي حماد وهو ثقة يخطئ.
وأما إسناد محمد بن عمرو فحكم عليه بالضعف.
ومحمد بن عمرو هو ابن علقمة الليثي صدوق، «قال ابن المدينى: سألت يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمرو قلت: كيف هو؟ قال: تريد العفو أو تشدد؟ قال: قلت: بل أشدد. قال: ليس هو ممن تريد. قال: قال يحيى: سألت مالكًا عنه فقال نحو ما قلتُ لك». قبول الأخبار ومعرفة الرجال (2/ 58)
وروايته عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ضعيفة. قال يحيى بن معين: «مازال الناس يتقون حديث محمد ابن عمرو. قيل له: وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة عن أبى سلمة بالشيء من رأيه ثم يحدث به مرة أخرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة» قبول الأخبار ومعرفة الرجال (2/ 57)
وقال ابن القطان الفاسي: «وهو حديث مشكوك في رفعه». بيان الوهم والإيهام (2/ 282)
وممن بين ضعفها من أهل الحديث المعاصرين: الشيخ ماهر الفحل (المصدر)، والشيخ عبد الله السعد (المصدر)، والشيخ العدوي (المصدر)
ثانيًا
بعد ثبوت ضعف الرواية سندًا، فهي من حيث المتن فهي معلولة أيضًا
فهي مخالفة لكتاب الله تعالى إذ قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} والأذان إعلام بتبيُّن الفجر. وعندها ينتهي وقت الأكل والشرب، لا بعدها كما هو في الحديث.
ومخالف للحديث الصحيح «إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» فإذا نادى مؤذن الفجر الصادق انتهى وقت الأكل والشرب
وإن قيل إن هذا استثناء من القاعدة الكلية؛ قلنا: لابد لهذا الاستثناء من سند صحيح حتى يُقبل.
ثالثًا
من علل هذا الحديث عدم إفتاء السلف بمقتضاه، فقد فتشت عن أحد من فقهاء السلف أفتى بمعنى ظاهر هذا الحديث فلم أجد، ومعلوم أن مما يعل الحديث هجر السلف العمل به، فلو كان صحيحا لكان عليه العمل. قال ابن رجب: (فأما ما اتفق على تركه فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يُعمَل به) [فضل علم السلف ص56 بتحقيقي]
وقد أفتى السلف بأشد من هذا، فقد قال الشافعي: «فإن طلع الفجر وفي فيه شيء قد أدخله ومضغه لفظه؛ لأن إدخاله فاه لا يصنع شيئا إنما يفطر بإدخاله جوفه، فإن ازدرده بعد الفجر، قضى يوما مكانه». [الأم للإمام الشافعي (2/ 105 ط الفكر)] قلت: هنا يتكلم عن طعام في فمه وقد مضغه، فأفتى بفساد صومه إذا ابتلعه، فكيف بمن لا يزال الإناء في يده.
وقال حرب: قيل لأحمد: رجل يتسحر وقد طلع الفجر؟ قال: إذا استيقن بطلوع الفجر، أعاد الصيام، وإن شك فليس عليه شيء أرجو. [شرح العمدة – كتاب الصوم 1/ 496]
والذين ذكروا هذا الحديث من المتقدمين كابن حزم والبيهقي وجهاه إلى أنه حال الشك في دخول الفجر، وعلى هذا تابعهما شراح الحديث. وهذا توجيه بعيد، لأن ابن أم مكتوم كان يؤذن إذا قيل له (أصبحت) كما صح عنه. لكن قصدي بهذا الإيراد أن العمل بظاهره مهجور سلفًا وخلفا.