أديب أشعري اسمه علي بن أيبك الصفدي، كتب قصيدة عن النبي ﷺ وضمنها بعض العبارات التي فيها إطراء منهي عنه، وأخطاء شرعية أخرى، فدار بها على الأشعرية، فأثنوا عليها ، فلما وصلت لابن أبي العز الحنفي؛ انتقد بعض ما فيها، فذهب الرجل إلى المشايخ الكبار، وبقايا السلف في عصره، وأئمة المسلمين كما يُقال، وعرض عليهم انتقادات ابن أبي العز، فلم يقبلوا انتقاداته هذه وردوا عليه، خاصة وأن ابن أبي العز كان ينتصر لمذهب أهل السنة، ويأخذ مقالات ابن تيمية، ويرد على مقالات الأشعرية، وكان يقول إنهم أكفر من المعتزلة.
فقد قال في شرح الطحاوية وهو يعدد أقوال أهل البدع فيما قالوه عن القرآن الكريم: «وثالثها: أنه معنى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبريه كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه، كالأشعري وغيره» ثم قال في (ص149): «ولا شك أن من قال: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفسه تعالى وإن المتلو المحفوظ المكتوب المسموع من القارئ حكاية كلام الله وهو مخلوق، فقد قال بخلق القرآن في المعنى وهو لا يشعر، فإن الله تعالى يقول: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ أفتراه سبحانه وتعالى يشير إلى ما في نفسه أو إلى المتلو المسموع؟ … فإن قالوا: إنما أشار إلى حكاية ما في نفسه وعبارته وهو المتلو المكتوب المسموع، فأما أن يشير إلى ذاته فلا – فهذا صريح القول بأن القرآن مخلوق، بل هم في ذلك أكفر من المعتزلة» [في شرح الطحاوية (ص128)]
ولهذا اتخذ الأشعرية انتقاداته للقصيدة فرصة لتأليب الحكام عليه، بحجة أنه ينتقص من النبي ﷺ
فقد قال الشاعر «حسبي رسول الله» فقال ابن أبي العز: هذا لا يُقال إلا الله تعالى،
وقال الشاعر: «اشفع لي» فقال الشيخ: هذا لا ينبغي؛ لأنه لا يُشفع إلا بإذن الله تعالى
وقال الشاعر: «توسلت به» فقال الشيخ: لا يتوسل إلا بالله تعالى
وقال الشاعر: «المعصوم من زَلَل» قال الشيخ: يُستثنى زلة العتاب.
فقالوا للحاكم «أن علي بن أيبك مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة وأن علي بن العز اعترض عليه وأنكر أمورا منها التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والقدح في عصمته وغير ذلك وأن العلماء بالديار المصرية خصوصا أهل مذهبه من الحنفية أنكروا ذلك» [«إنباء الغمر بأبناء العمر» (1/ 258)]
فأصدر مرسوما قال فيه: بلغنا أن جماعة بدمشق ينتحلون مذهب ابن حزم وداود ويدعون إليه… وبلغنا أن جماعة من الشافعية والحنابلة والمالكية يظهرون البدع ومذهب ابن تيمية فتقدم بطلبهم فإن ثبت عليهم منه شيء عمل بمقتضاه من ضرب ونفي …إلخ [«إنباء الغمر بأبناء العمر» لابن حجر (1/ 258)]
فعقدوا له المحاكمات وقال لهم: أنا ما قصدت إلا تعظيم الله، وما أنتقص النبي ﷺ.
فأمروا بتعزيره، وسجنوه في مكان في المدرسة، ثم ألبوا عليه الحكومة حتى سجنوه في برج في قلعة دمشق.
وأخذ أحد هؤلاء الفاسدون زوجة ابن أبي العز الحنفي، وتزوجها.
فخرج الشيخ من سجنه وصار يحلج القطن بدرهمين.
وأظنه لو كان في عصرنا لشمت به المدجنة وقالوا هذا عقاب من الله لمن يعادي أولياء الله الأشعرية.
بل نقول إنها محنة لعلها تكون له رفعة في درجته، وتكون لنا درسا نعرف به حقيقة هذه الفرقة التي يروج لها، ويمتحن المسلمين ويجبرون على تعظيم علمائها، وتسلم مناصب الإفتاء، والوزارات الدينية، وتفتح لها القنوات، والله لهم بالمرصاد.