التأمين، المراد به وأقسامه وأحكامه

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

موضوع البحث

لقد كلفني الدكتور أحمد الشثري -حفظه الله- بعمل ورقة بحثية بعنوان التأمين، المراد به وأقسامه وأحكامه.

فاخترت ثلاثة من الكتب التي صنفت في الموضوع لسبرها واختصار ما فيها، وهي:

  • التأمين بين الحلال والحرام لعبد الله بن منيع.
  • عقود التأمين حقيقتها وحكمها لحمد بن حماد بن عبد العزيز الحماد.
  • نظام التأمين موقعه في الميدان الاقتصادي وموقف الشريعة منه لمصطفى الزرقا

خطة البحث

سأقسم البحث إلى مقدمة وخاتمة ومبحثين

المبحث الأول مخصص للتعريف بالتأمين وأنواعه.

المبحث الثاني عن حكمه ونقاش أقوال العلماء عنه.

 

 

المبحث الأول
حقيقة التأمين وأنواعه

معنى التأمين

التأمين لغًة:

قال ابن فارس: «‌الْهَمْزَةُ ‌وَالْمِيمُ ‌وَالنُّونُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ: أَحَدُهُمَا الْأَمَانَةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْخِيَانَةِ، وَمَعْنَاهَا سُكُونُ الْقَلْبِ، وَالْآخَرُ التَّصْدِيقُ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْأَمَنَةُ مِنَ الْأَمْنِ. وَالْأَمَانُ إِعْطَاءُ الْأَمَنَةِ» ([1])

التأمين في الاصطلاح:

يستخدم الفقهاء لفظة «التأمين» بمعنى قول آمين. كما في حديث «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» جاء في الموسوعة الفقهية: «التَّأْمِينُ دُعَاءٌ؛ لأَِنَّ الْمُؤَمِّنَ يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَجِيبَ الدُّعَاءَ» ([2])

إلا أنه استخدم مؤخرا بمعنى ضمان خَدَمي أو مالي حال وقوع حادث. وهذا موضع بحثنا هذا.

جاء في معجم متن اللغة: «‌عقود ‌التأمين: عقود تضمن حياة العاقد إلى مدة معينة، أو تضمن ماله لوصوله إلى مأمنه لقاء جعل خاص على شروط معينة» ([3])

 

صورة التأمين

شركة التأمين تأخذ المال من زبائنها، مقابل تعويضهم بالتعويض المتفق عليه عند حدوث الحادث المتفق على نوعه.

 

أنواع التأمين

يمكن تقسيم التأمين باعتبارين

أولا: أنواعه من حيث نوع التعويض

ينقسم التأمين بهذا الاعتبار إلى:

تأمين ذو تعويض خدمي: مثل العلاج، وإصلاح الأعطال.

تأمين ذو تعويض مالي: وذلك عند التأمين على مال أو عين لتعويضها حال السرقة أو الحريق.

والخدمي في حقيقته في أكثر حالاته مالي، إذ شركة التأمين لا تقدم الخدمة بنفسها، ولكن تتكفل بدفع مصاريفها للطرف الثالث الذي يقدمها. لكنه يعتبر خدميًا لأنهم لا يعطون المال للعميل.

 

ثانيا: أنواعه من حيث المؤمن عليه

وبهذا الاعتبار يوجد أنواع يصعب حصرها، منها:

التأمين على الحياة([4]): يحصل به أهل المتوفى مبلغا ماليًا حال وفاته. أو يحصل هو على مبلغ حال إصابته بعجز جسدي. ويمكن أن يشمل ذلك سداد الديون.

تأمين على الممتلكات: تقوم الشركة بتعويض الزبون في حال تلفت ممتلكاته لسبب خارج عن إرادته.

تأمين على الغير: تقوم الشركة بالتعويض في حال تسبب الزبون بتلف ممتلكات أو إيذاء جسد طرف ثالث بغير عمد.

 

ثالثا: أنواعه من حيث الإدارة المالية

ينقسم التأمين بهذا الاعتبار إلى:

تأمين تجاري: وصورته أن تأخذ الشركة من زبائنها مبلغا محددا مقابل التعويض عند حصول حادث. وفي حال السلامة من الحوادث تكون هذه المبالغ مرابح للشركة.

تأمين تعاوني: يكون على شكل صندوق تعاوني يدفع مشتركوه مبالغ شهرية، يعطى منها من أصابه حادث، وتوزع المبالغ الفائضة على المشتركين، أو يبقى في الصندوق، على أنه لا يكون مملوكً لأحد.

 

المبحث الثاني:
حكم التأمين

اختلفت أنظار العلماء المعاصرين إلى هذه المسألة بين مبيح وحاظر ومفصِّل، وسنستعرض أقوالهم وحججهم في هذا المبحث بإذن الله تعالى

الأصل الذي اعتمد عليه القائلون بالتحريم هو كون العقود هذه مبنية على الغرر، حيث أن الزبون يفع ثمت عِوَض مجهول، قد يكون كبيرًا أو صغيرًا أو معدومًا، وقد نهى رسول الله ﷺ عنه، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ ‌الْغَرَرِ» ([5])

حجة المانعين

أولًا: أنه غرر

قال الإمام مالك: «وَمِنَ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ، أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ قَدْ ضَلَّتْ دَابَّتُهُ، أَوْ أَبَقَ غُلَامُهُ، وَثَمَنُ الشَّيْءِ مِنْ ذلِكَ خَمْسُونَ دِينَاراً، فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُ مِنْكَ بِعِشْرِينَ دِينَاراً. فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ، ذَهَبَ مِنَ الْبَائِعِ ثَلَاثُونَ دِينَاراً. وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ذَهَبَ الْبَائِعُ مِنَ الْمُبْتَاعِ بِعِشْرِينَ دِينَاراً» ([6])

وصورة ما قاله الإمام شبه مطابقة لصورة التأمين، فكأن الزبون يقول لها: اشتريت منك إصلاح السيارة -مثلًا- فإن تعطلت خسرت الشركة فوق ما دفع لها، وإن لم تتعطل خسر الزبون ماله.

ثم أردف الإمام: «وَفِي ذلِكَ أَيْضاً عَيْبٌ آخَرُ. إِنَّ تِلْكَ الضَّالَّةَ إِنْ وُجِدَتْ لَمْ يُدْرَ أَزَادَتْ، أَمْ نَقَصَتْ. أَمْ مَا حَدَثَ بِهَا مِنَ الْعُيُوبِ؟. فَهذَا أَعْظَمُ الْمُخَاطَرَةِ»

وكذلك فإن الشركة لا تعلم هذا الإصلاح كم يكلِّف.

ثانيًا: أنه غُرم محقق وغُنم محتمل. وهذه هي صورة القمار المنهي عنه شرعًا.

ثالثًا: أنه من باب أخذ الأجرة على الضمان، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على حرمته، فقال: «أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحمالة بجعل ‌يأخذه ‌الحميل، لا تحل، ولا تجوز» ([7])

 

حجة المبيحين

يحتج المبيحون قول المحرمين بحجج متعددة

منها إلزام المانعين بأنهم أباحوا التأمين التعاوني، وليس بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري فرق مؤثر، قالوا: فيكون مباحًا كالتعاوني.

ثانيًا: ما استدل به المانعون على المنع، كان باعتبار أن هذا عقد معاوضة مالية، بينما هو عقد ضمان أمان وسلامة، مع ضمان الطمأنينة النفسية في حال العقد، وهو بمثابة توظيف الحارس، لمنع سرقة محتملة، وتجهيز جيش لمنع عدوان محتمل.

ثالثًا: دعوى الإجماع على حرمة الأجرة على الضمان لا تصح، ومن ذلك ما رواه ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: «تَبَايَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَرَسًا غَائِبَةً وَشَرَطَ إنْ كَانَتْ هَذَا الْيَوْمَ حَيَّةً فَهِيَ مِنِّي. ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ أَجَدِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي الْبَيْعِ فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: لَيْتَهُمَا قَدْ تَبَايَعَا حَتَّى نَنْظُرَ أَيُّهُمَا أَجَدُّ فَابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَسًا أُنْثَى غَائِبَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إنْ كَانَتْ هَذَا الْيَوْمَ صَحِيحَةً فَهِيَ مِنِّي، وَلَا أَخَالُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إلَّا وَقَدْ كَانَ عَرَفَهَا، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لِعُثْمَانَ: هَلْ لَكَ أَنْ أَزِيدَكَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَهِيَ مِنْكَ حَتَّى يَقْبِضَهَا رَسُولِي؟ قَالَ: نَعَمْ فَزَادَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ عَلَى ذَلِكَ فَمَاتَتْ، فَقَدِمَ رَسُولُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَجَدُّ مِنْ عُثْمَانَ»([8])

قالوا: وقد زاده أربعة آلاف مقابل الضمان.

 

خاتمة

تبين لي من خلال البحث أمورًا منها:

أن الخلاف في المسألة معتبر، مع كوني ارتحت إلى قول المانعين.

تحتاج المسألة إلى زيادة بحث، إذ كثير من الأقوال فيها قيلت على سبيل التقليد.

في مثل هذه المسألة يكون الورع عاملًا مهمًا في التطبيق. لقول رسول الله ﷺ: «يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، ‌وَإِنْ ‌أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» ([9])

*والحمد لله أولا وآخرًا*

([1])  [مقاييس اللغة (1/ 133)].

([2])  [الموسوعة الفقهية الكويتية (1/ 111)].

([3])  [معجم متن اللغة (1/ 208)].

([4])  رجعت في هذه الفقرة إلى شركات التأمين التالية: شركة قناة السويس لتأمينات الحياة  https://www.scli-egypt.com/index.php/Arabic/               الأهلية: https://ahlia.ps/page/38/ البنك القطري https://www.qnb.com/sites/qnb/qnbqatar/page/ar/arcreditlife.html بنك الشرق الأوسط https://www.hsbc.ae/ar-ae/insurance/life/

 

([5])  صحيح مسلم (4-1513).

([6])  موطأ مالك – رواية يحيى (4/ 960 ت الأعظمي).

([7])  الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (6/ 230).

([8])  المدونة (3/ 327).

([9])  مسند أحمد (29/ 528 ط الرسالة).

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 426 times, 1 visits today)
التأمين، المراد به وأقسامه وأحكامه
تمرير للأعلى