هل أنكر “مجاهد بن جبر” رؤية الله يوم القيامة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه، وبعد:

صح عن مجاهد تفسير {ناظرة} بـ”منتظرة”

أخرج الطبري في تفسير {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} عن «وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن ‌مجاهد (إِلَى رَبِّهَا ‌نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب من ربها».

هذا صحيح عن مجاهد بن جير رحمه الله، فهل هذا يفهم منه إنكاره رؤية الله يوم القيامة؟

المتهمون مجاهدًا بأنه أنكر الرؤية لا يصح لهم الاحتجاج بهذه الرواية إذ أنها تفسير لآية، وليس فيها إنكار للرؤية التي ثبتت في مواضع أخرى.

بل إنها تتفق مع إثبات الرؤية كما بيَّن الإمام الدارمي، قال: «واحتج محتج منهم [الجهمية] بقول ‌مجاهد: {وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ‌ناظرة} [القيامة: 23] . قال: تنتظر ثواب ربها. قلنا: نعم، تنتظر ثواب ربها، ولا ثواب أعظم من النظر إلى وجهه تبارك وتعالى.». [الرد على الجهمية للدارمي – ت البدر (ص128)]

إلا أن هناك روايات تصرح بإنكاره الرؤية

قال الطبري:

«حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب من ربها، ‌لا ‌يراه ‌من ‌خلقه ‌شيء.». [تفسير الطبري (24/ 72 ط التربية والتراث)]

«حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان أناس يقولون في حديث: “فيرون ربهم” فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون إنه يُرى، قال: ‌يَرى ‌ولا ‌يراه ‌شيء». [تفسير الطبري (24/ 73 ط التربية والتراث)]

والروايتان تفرد بهما ابن حميد، وهو “محمد بن ‌حُمَيْدٍ بن حيان التميمي الرازي”

  • أحمد بن حنبل: «قال له ابن وارة: يا أبا عبد الله رأيت ‌محمد ‌بن ‌حميد؟ قال: نعم، قال: كيف رأيت حديثه؟ قال: إذا حدث عن العراقيين يأتي بأشياء مستقيمة، وإذا حدث عن أهل بلده مثل إبراهيم بن المختار وغيره أتى بأشياء لا تعرف، لا يُدرى ما هي؟ قال: فقال أبو زرعة وابن وارة: صح عندنا أنه يكذب، قال: فرأيت أبي بعد ذلك إذا ذكر ابن حميد نفض يده» [المجروحين لابن حبان ت حمدي (2/ 321)]
  • قال البخاري: «فِيهِ نظر». [التاريخ الكبير للبخاري (1/ 69 ت المعلمي اليماني)]
  • قال العقيلي: «كَتَبَ أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ ‌مُحَمَّدِ ‌بْنِ ‌حُمَيْدٍ، حَدِيثًا كَثِيرًا، ثُمَّ تَرَكَا الرِّوَايَةَ». [الضعفاء الكبير للعقيلي (4/ 61)]
  • قال ابن حِبَّان: «كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات». [المجروحين لابن حبان ت حمدي (2/ 321)]
  • قال ابن القيسراني: «‌وَابْن ‌حميد ‌مَتْرُوك الحَدِيث». [ذخيرة الحفاظ (4/ 2163)]

فلا يجوز الاحتجاج بهذا الكلام ألبتَّة.

وإنكار الرؤية كفر، فكيف يُتَّهم تابعي جليل بمقولةٍ كفرية -حتى لو لم يُقَل بوقوع الكفر عليه- بلا بيِّنة.

وقد جاء عن مجاهد إثبات الرؤية

1- قال اللالكائي: «عبد الرحمن قال: ثنا أبي قال: ثنا عبد الرحمن بن خلف الرقي، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ليث، عن مجاهد، {للذين أحسنوا الحسنى} قال: الحسنى: الجنة ، و الزيادة: النظر إلى الرب». [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 512)]

هذه الرواية علتها جهالة شيخ أبي حاتم، وابنُ أبي حاتم ليس مِن عادته الرواية عن المجاهيل والضعفاء، وقد بين الشيخ عبد الله الخليفي في مقال له أن الراوي هو “عبد الرحمن بن خالد القطان الرقي” وسائر الإسناد غير مستنكر، وأما الليث، فقد بيَّنتُ صحة روايته عن مجاهد في التفسير في مقال “المقام المحمود

2- وقال: «عبد الرحمن قال: ثنا حماد بن محمد بن يزيد بن مسلم الأنصاري، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا إبراهيم بن يزيد المكي، عن الوليد ‌بن ‌عبد ‌الله ‌بن ‌أبي ‌مغيث، ‌عن ‌مجاهد، ‌في قوله عز وجل {وجوه يومئذ ناضرة}  قال: ” حسنة {إلى ربها ناظرة} قال: تنظر إلى ربها تبارك وتعالى “». [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 515)]

3- وقال: «أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، قال: ثنا جعفر بن محمد بن الحجاج، قال: ثنا نصر بن عبد الملك، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الليث، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: ” {وجوه يومئذ ناضرة} [القيامة: 22] ‌قال: ‌نظرت ‌إلى ‌ربها ‌ناظرة». [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 515)]

وهذه الروايات لا تخلو من كلام، لكن تعددها وتأييد الصحيح لها (كما سيأتي) يجعلها معتبرة.

 

قال إسحاق بن راهويه: أخبرنا جرير، عن منصور، قال: كان أناس يقولون في حديث: إنهم يرون ربهم قال: فقلت لمجاهد: ‌إن ‌أناسا ‌يقولون: ‌إنه ‌يرى. فقال: ألا تسمع إلى قول الله عز وجل: {وجوه يومئذ ناضرة} [القيامة: 22] يقول: «نضرة من السرور إلى ربها ‌ناظرة». [مسند إسحاق بن راهويه (3/ 796)] ونقله ابن المحب في [صفات رب العالمين (4/ 1489)]

  • جرير هو ابن عبد الحميد الضبي: وثقه النسائي وابن أبي حاتم والعجلي وقال اللالكائي: مجمع على ثقته [تهذيب التهذيب (2/ 586)] وقد تكلموا فيه والصواب توثيقه.
  • منصور: هو ابن المعتمر: قال أبو حاتم: هو ثقة. وقال يحيى بن سَعِيد: مَنْصور عن مجاهد أثبت من ابن أبي نَجِيح عن مجاهد.». [الكمال في أسماء الرجال (9/ 37)]

فالإسناد صحيح.

فإن قيل: (إنه هنا لم يفسر كلمة “ناظرة”) فالجواب: إنه أجراها على ظاهرها للرد على من أنكر الرؤية.

وقد أورد عبد الله بن أحمد هذا الأثر -بدون السؤال الموجه لمجاهد- وعدَّه ف الرد على الجهمية في باب “ما جحدت الجهمية الضلال من رؤية الرب تعالى يوم القيامة” وفي باب “‌‌الرد على الجهمية”

فبهذا تبرأ ساحة مجاهد من هذه التهمة التي يروجها عليه المعتزلة وغيرهم

والحمد لله.

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 192 times, 3 visits today)
هل أنكر “مجاهد بن جبر” رؤية الله يوم القيامة
تمرير للأعلى