بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فيما يلي رد على أحد المدجنة حول مسألة تحريك السبابة في تشهد الصلاة.
وَمَا وَصَفَ بن عُمَرَ مِنْ وَضْعِ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَقَبْضِ أَصَابِعِ يَدِهِ تِلْكَ كُلِّهَا إِلَّا السَّبَّابَةَ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُشِيرُ بِهَا وَوَضْعِ كَفِّهِ الْيُسْرَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُسْرَى مَفْتُوحَةً مَفْرُوجَةَ الْأَصَابِعِ كُلُّ ذَلِكَ سُنَّةٌ فِي الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ مُجْتَمِعٌ عَلَيْهَا لَا خِلَافَ – عَلِمْتُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ – فِيهَا
وَحَسْبُكُ بِهَذَا إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيكِ أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى تَحْرِيكَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ
وَكُلُّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ فِي الْآثَارِ الصِّحَاحِ الْمُسْنَدَةِ عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام وجميعه مباح والحمد لله
قلت: العبرة بإسناد هذا المروي
قلت:
ليس فيها تحريك.
«وقد روينا عن ابن عباس أنه قال في تحريك الرجل أصبعه في الصلاة، قال: ذاك الإخلاص.». [الأوسط لابن المنذر (3/ 388)]
قلت:
لم يسندها
ثم دلس، فأوهم السامع أن البيهقي روى رواية التحريك، وسيأتي بيان ذلك.
قلت:
الرواية مضطربة، ولفظ التحريك فيها شاذ.
ففي المسند لم يُذكر فيها التحريك، وعند عبد الرزاق ذكر التحريك، وعند ابن أبي شيبة
«8654 – حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال: هو الإخلاص يعني الدعاء بالإصبع». [مصنف ابن أبي شيبة (5/ 343 ت الشثري)]
وعند عبد الرزاق نفسه: «• [3355] عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عباس بن عبد الله بن معبد، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: الابتهال هكذا وبسط يديه وظهورهما إلي وجهه، والدعاء هكذا ورفع يديه تحت لحيته، والإخلاص هكذا، يشير بإصبعه.». [مصنف عبد الرزاق (2/ 532 ط التأصيل الثانية)]
وفي السنن الكبرى لأحمد بن الحسين: من طريق «الأعمَشِ، عن أبى إِسحاقَ، عن العَيزارِ قال: سُئلَ ابنُ عباسٍ عن الرَّجُلِ يَدعو يُشيرُ بإصبَعِه، فقالَ ابنُ عباسٍ: هو الإخلاصُ». [السنن الكبير للبيهقي (3/ 634 ت التركي)]
وفي الخلافيات: «[1782] وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا ابن مطر، أنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمع رجلا من بني تميم، كان يجالسنا عند البراء، قال: سألت ابن عباس عن الرجل يقول بإصبعه، ومد السبابة، فقال: ذاك الإخلاص». [الخلافيات – البيهقي – ت النحال (2/ 402)]
وعنده بإسناد حسن:
«31380 – حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن العباس بن ذريح عن ابن عباس قال: الإخلاص هكذا –وأشار بأصبعه». [مصنف ابن أبي شيبة (16/ 207 ت الشثري)]
وعند ابن قتيبة:
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن عباس قال: «الإخلاص هكذا، وبسط يده اليسرى وأشار بإصبعه من يده اليمنى. [عيون الأخبار (2/ 307)]
وفي العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي:
«سفيان بن عيينة عن أبي معبد عن عكرمة عن ابن عباس قال: الإخلاص هكذا- وبسط يده اليسرى وأشار بأصبعه من يده اليمنى». [العقد الفريد (3/ 175)]
كلها ليس فيها ذكر للتحريك !
ولمَّا سئل أبو زرعة، رجح رواية ابن عيينة، وقال: «ابنُ عُيَينة أحفظُهُم كلُّهم.». [العلل لابن أبي حاتم (5/ 442 ت الحميد)]
قلت:
أيضًا عن مجاهد اختلفت الرواية، فقد رواها ابن أبي شيبة:
«8656 – حدثنا حفص بن غياث عن عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال: الدعاء هكذا وأشار بإصبع واحدة [مقمعة الشيطان.». [مصنف ابن أبي شيبة (5/ 344 ت الشثري)]
قلت:
الرواية الكاملة: «ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، وقال فيه: ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب». [سنن أبي داود (1/ 265 ط مع عون المعبود)]
فأخفى المدلس قوله «وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد» ليوهم السامع أن الكلام كان في جلوس التشهد.
ثم انظر أين رواه أبو داود! رواه في «أبواب تفريع استفتاح الصلاة». [سنن أبي داود (1/ 262 ط مع عون المعبود)]
ورواه عبد الحق الإشبيلي في «بَاب وضع اليمني على الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة». [الأحكام الكبرى (2/ 191)]
قال ابن قدامة: «فصل: وإن كانت يداه في ثوبه، رفعهما [أي في تكبيرة الافتتاح] بحيث يمكن؛ لما روى وائل بن حجر، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء، فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة. وفي رواية، قال: ثم جئت في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب، تتحرك أيديهم تحت الثياب. رواهما أبو داود. وفي رواية؛ فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم». [المغني لابن قدامة (2/ 139)]
هذا ما تيسر جمعه حول هذه المسألة، مع بيان لاختلاف الروايات وتبيين لبعض ما وقع من أخطاء في النقل.
والله أعلم بالصواب، وهو الموفق إلى سواء السبيل.