ليلة القدر (فضلها وموعدها والعمل فيها)
(1) ما هي ليلة القدر؟
هي الليلة التي أنزل الله فيها القرآن {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] وفيها ينزل قدر الله للسنة المُقبلة (من رزق وولادو ووفاة …الخ) {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 4، 5] والعبادة فيها أفضل عند الله من عبادة ألف شهر (83 سنة وربُع) ليس فيها ليلة القدر {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] وينزل فيها جبريل والملائكة إلى الأرض بالخير والبركة {تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4]
(2) متى موعدها؟
لم يثبت أن يوماً بعينه هو ليلة القدر، والثابت ما رواه البخاري (2017) ومسلم (1169) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وابن تيمية.
وهذا يعني أنها في إحدى الليالي التالية: (21، 23، 25، 27، 29)، والليل يسبق النهار فليلة 21 هي الليلة التي يكون النهار الذي بعدها يوم 21
ويُرجى أن تكون في (29 أو 27 أو 25) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فالتمِسوها في التاسعةِ والسابِعةِ والخامِسةِ) [متفق عليه] أي التاسعة من العشر الآواخر (29) والسابعة من العشر الآواخر (27) والخامسة من العشر الأواخر (25)
وقال المالكية والشافعية والحنابة بأنها قد تأت في كل عام في ليلة مختلفة، لأنه ثبت أن الصحابة رأوا علامتها في يوم 21 في أحد الأعوام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح مسلم أن أبي ابن كعب رأى علامتها في يوم 27
وقال بعض أهل العلم انها قد تأت في أي ليلة من ليالي العشر الأواخر (الشفع أو الوتر منها) وذكروا على ذلك أدلّة
(3) إذن ليست في السابع والعشرين كما هو شائع؟
لا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأنها رُفعت (أي أخفيَ موعدها)، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحا فلان وفلان فرُفِعَت)، أي رُفع موعدها، لكن بعض أهل العلم استأنس بقول أبي بن كعب رضي الله عنه، وقال أن أرجى وقت لها ليلة السابع والعشرين
(4) كيف نعرفها؟
لليلة القدر علامة تكون بعدها، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (أخبرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها)
أما قول البعض أنه لا يسمع فيها نباح للكلاب ولا نهاق للحمير ولا صياح للديكة، هذا كلام لا دليل عليه
(5) ما الحكمة مِن إخفاء موعدها؟
قد يكون لكي لا يتَّكل الناس في العمل عليها، أو لكي لا يدركها إلا مَن اجتهد
(6) ماذا نفعل فيها؟
1- الاجتهاد في العبادة، روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر ) . ولأحمد ومسلم : ( كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها ).
2- التوبة والندم الذنوب والخطايا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه ، حين يتوبُ إليه ، من أحدِكم كان على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ . فانفلتت منه . وعليها طعامُه وشرابُه . فأيس منها . فأتى شجرةً . فاضطجع في ظلِّها . قد أيس من راحلتِه . فبينا هو كذلك إذا هو بها ، قائمةٌ عنده . فأخذ بخطامِها . ثم قال من شدةِ الفرحِ : اللهم ! أنت عبدي وأنا ربُّك . أخطأ من شدةِ الفرحِ) رواه سلم
3- قيام الليل إيماناً بالله واحتساباً للأجر عند الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه
4- قراءة القرآن الكريم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه . ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال : فيشفعان) رواه أحمد وصححه الألباني
5- الدعاء، وخاصة بدعاء عائشة رضي الله عنها فقد روى الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ “قال:” قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)
6- الاستغفار، وقد وصف الله المتقين بأنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الذريات:17، 18
7- الصدقة، فهي مِن أعظم القربات إلى الله عز وجل، فقد قال تعالى {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].
8- الذكر: من تسبيح وتهليل وحمد وما أشبه ذلك.
9- تطهير القلب من الأحقاد والعفو عن الناس كما أنك تريد أن يعفو الله عنك، وقال تعالى {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14] .
10- الحذر من البدع التي تنتشر في هذه الليلة، مثل ضرب الدفوف والتمايل.
(7) ماذا تفعل الحائض في ليلة القدر؟
لها أن تفعل كل ما سبق إلا الصلاة، ولمس المصحف، لكن إذا أرادت قراءة القرآن فتقرأ من حفظها أو من شيء غير المصحف.
(8) هل نهارها أيضا له فضل كالليلة؟
لم يثبت ذلك، بل الفضل متعلق بالليلة، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] والحمد لله رب العالمين