بسم الله
نص الشبهة
“خالد قتل مالك بن نويرة في حروب الردة مع كونه مسلما، وجامع زوجة مالك، وطبخ رأسه وأكلها.”
الجواب التفصيلي:
لتفنيد هذه الادعاءات، يجب تقسيم الأمر إلى ثلاث مسائل رئيسية والتحقيق في كل منها بالأدلة التاريخية:
أولًا: هل كان مالك بن نويرة مسلمًا أم مرتدًّا؟
تشير الأدلة الصحيحة إلى أن مالك بن نويرة ارتد عن الإسلام بمنع الزكاة والانضمام لسجاح (مدعية النبوة)
1. الدليل على عدم الأذان للصلاة:
«عن أبي قتادة قال: عهد أبو بكر إلى خالد وأمرأته الذين وجه إلى الردة أن إذا أتوا دارا أن يقيموا، فإن سمعوا أذانا أو رأوا صلاة أمسكوا حتى يسألوهم عن الذي نقموا ومنعوا له الصدقة، وإن لم يسمعوا أذانا ولا رأوا مصليا شنوا الغارة وقتلوا وحرقوا.. قال: فكنت مع خالد… فانتهينا إلى أهل بيت منهم حين طفلت الشمس الغروب فثاروا إلينا… وقد كان خالد بث سراياه فلم يسمعوا أذانا… فجائوا بمالك بن نويرة في أسرى من قومه فأمر خالد بأخذ أسلحتهم ثم أصبح فأمر بقتلهم».
وجه الشَّاهد هنا: أن جيش خالد لم يسمعوا قومَ مالك بن نويرة أذَّنوا للصلاة، وهذا كان شرط الكف عنهم. وتركُ شعيرة الأذان دليل على الرِّدَّة.
2. الدليل على تنقصه من النبي ﷺ وإنكاره للزكاة:
ومما يؤيد ردَّته بعينه ما رواه الطبري:
«وكان خالد يعتذر في قتله أنه قال له وهو يراجعه: ما أخال صاحبكم [يقصد رسول الله] إلا وقد كان يقول كذا وكذا.
قال خالد: او ما تعده لك صاحبا! ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه».
وقال ابن كثير في البداية والنهاية:
«استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك. فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟! يا ضرار، اضرب عنقه».
3. اتباعه سجاح مدعية النبوَّة:
جاء في الثقات لابن حبَّان أن مالكاً حين بلغه وفاة رسول الله ﷺ:
«أرسل ما في يده وقال لقومه: قد هلك هذا الرجل فشأنكم بأموالكم»
وأكد ابن كثير اتباعه لسجاح التي ادعت النبوة: «وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي». [البداية والنهاية (9/ 457)]. بل وكان يقاتل المسلمين لأجلها كما جاء في تاريخ الطبري.
ثانيًا: هل واقع خالد زوجة مالك بن نويرة على وجه حرام؟
قيل إن خالدًا قتل ابن نويرة لأجل تلك المرأة، وهذا ادعاء باطل، والرد عليه من وجوه:
- أولاً: كيف رآها خالد أصلاً لكي يفتن بها ويقتل زوجها لأجلها؟! هذا افتراض لا دليل عليه. وخالد ذهب في قتال، ولم يذهب لمجالسة مالك وزوجته.
- ثانياً: حقيقة الأمر أنها سُبيت بعد ردة قومها ومقتل زوجها، وتزوجها خالد زواجاً شرعياً، ولم يكن ذلك فور قتل زوجها، بل بعد أن استبرأ رحمها (حاضت وطهرت).
قال ابن كثير:
«واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة، وهي أم تميم ابنة المنهال، وكانت جميلة، فلما حلت بنى بها».
وأكد الواقدي إجماع العلماء على شرعية هذا الزواج:
«فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك، ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم».
فخالد تزوجها زواجًا شرعياً، وليس الأمر كما يروجه أصحاب الشبهات.
ثالثًا: هل طبخ خالد رأسه وأكله؟
إنما أصل هذه الفرية ما رواه الطبري في قصة استخدام الرؤوس كـ (أثافي) أي أحجار لتثبيت القدور:
«… وإن أهل العسكر أثفوا برؤوسهم القدور، فما منهم رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكا، فإن القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره».
نقد الرواية:
هذه القصَّة من رواية (سيف بن عمر التميمي) وهو عند علماء الحديث كذّاب متروك. كما أن الكذب يظهر جلياً في متن القصة نفسها، إذ من غير المعقول أن يمنع شعر الرأس النار المباشرة من أن تنضجه! فهي قصة واهية سنداً ومتناً.



