وصف ابن حِبَّان بالزَّندقة لقوله: (النبوة ‌العلم ‌والعمل)

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

روى ابن عساكر بسنده عن محمد بن محمد بن صالح يقول: «أنكروا على أبي حاتم ‌بن ‌حبان قوله: (النبوة ‌العلم ‌والعمل) فحكموا عليه بالزندقة وهُجِرَ وكُتبَ فيه إلى الخليفة، فكَتَبَ بقتله». [تاريخ دمشق لابن عساكر (52/ 253)]

وقال ابن كثير: «وقد حاول بعضهم الكلام عليه من جهة معتقده ونسبة إلى أنَّ ‌النبوة ‌مكتسبة، وهي نزعة فلسفية، واللّه أعلم بصحتها عنه». [البداية والنهاية (12/ 227)]

والقول بأنها علم وعمل، أو مكتسبة هو قول الفلاسفة، كما قال الجاحظ المعتزلي: «إنّ المسلمين ومن قبلهم اختلفوا في هذا الباب اختلافاً كثيراً فزعمت طائفة أنّ الوحي إلهام وتوفيق وزعم آخرون أنّه قوّة الروح القُدسيّ وعند ‌الفلاسفة ‌النبوّةُ علم وعمل». [البدء والتاريخ (1/ 113)]

وحاصل قول الفلاسفة هو «إن ‌النبوة ‌يمكن ‌اكتسابها بمباشرة أسباب مخصوصة كملازمة الخلوة والعبادة، وأكل الحلال … الخ». [تبسيط العقائد الإسلامية – حسن محمد أيوب (ص118) ]

فهل ابن حبَّان أراد بكلامه -إن ثبت عنه- ما أراده الفلاسفة بكلامهم؟

الجواب من وجهين:

الأول:

مقولة (النبوة ‌العلم ‌والعمل) يمكن أن تحمل على غير ما محمل، فيمكن حملها على أن النبوة درجة تحصل بالعلم والعمل، أو على أن النبوة معناها اجتماع العلم والعمل، ويمكن أن تُحمل على أن النبوة تقتضي العلم والعمل. قال الذهبي: «وهذا أيضًا له محمل حسن ولم يرد حصر المبتدأ في الخبر، ومثله: الحج عرفة. فمعلوم أن الرجل لا يصير حاجًّا بمجرد الوقوف بعرفة وإنما ذكر مهم الحج ومهم النبوة، إذ أكمل صفات النبي ‌العلم ‌والعمل، ولا يكون أحد نبيًّا إلا أن يكون عالمًا عاملًا … ولا ريب أن إطلاق ما نقل عن أبي حاتم لا يسوغ» [تذكرة الحفاظ = طبقات الحفاظ للذهبي (3/ 90)] وقال: «ولقوله هذا محمل سائغ إن كان عناه، أي عماد النبوة ‌العلم ‌والعمل، لان الله لم يؤت النبوة والوحى إلا من اتصف بهذين النعتين، وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم يصير بالوحى عالما، ويلزم من وجود العلم الالهى العمل الصالح، فصدق بهذا الاعتبار» [ميزان الاعتدال (3/ 507)]

وقال ابن حجر محاكيا كلام الذهبي: «ولقوله هذا محمل سائغ أن كان عناه أي عماد النبوة ‌العلم ‌والعمل لان الله لم يؤت النبوة والوحي إلا من اتصف بهذين النعتين» [لسان الميزان (5/ 113)]

وقال عبد الرحمن المعلمي: «إن صح هذا عنه فهو قول مجمل، ‌وابن ‌حبان معروف عنه في جميع تصانيفه أنه يعظِّم النبوة حق تعظيمها. ولعله أراد أن المقصود من إيحاء الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم هو ويعمل، ثم يبيِّن للناس فيعلموا ويعملوا.». [التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (10/ 732 ضمن آثار المعلمي)]

 

الثاني:

ابن حبَّان بنفسه قال ما يعارض كلام الفلاسفة هذا، فقال: «ذكر تفضل اللَّه على رَسُوله الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم بالكرامة ‌والنبوة بَين خلق آدم وَنفخ الرّوح» ثم أورد خبرا«أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى وجبت لك ‌النبوة قال بين خلق آدم ونفخ الروح فيه عليه السلام» [الثقات لابن حبان (1/ 47)]

وهذا واضح بأنه يرى النبوَّة تفضلٌ من الله تعالى.

وقال: «‌‌ذكر نفي المصطفى صلى الله عليه وسلم كون ‌النبوة بعده إلى قيام الساعة.». [صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (4/ 191)]

والقائلون بأنها تكتسب يلزمهم عدم انقطاعها، قال السفَّاريني: «ومن زعم أنها مكتسبة فهو زنديق يجب قتله؛ لأنه يقتضي كلامه واعتقاده أن لا ‌تنقطع» [لوامع الأنوار البهية (2/ 268)] بل هم يقولون ذلك. قال ابن تيمية: «وقد يقولون: إن ‌النبوَّة ‌مكتسبة، وإنها لم ‌تنقطع» [الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق (1/ 184)].

والله أعلم

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 40 times, 1 visits today)
وصف ابن حِبَّان بالزَّندقة لقوله: (النبوة ‌العلم ‌والعمل)
تمرير للأعلى