الربيع بن حبيب الفراهيدي الأزدي الإباضي العماني لا يُعرف تاريخ ولادته ووفاته لكن رجح سعيد القنوبي أنها بين 75 و 80 هجرية ، أي مع أو قبيل ولادة أبي حنيفة. قال أن ذلك لكون الربيع التقى بجابر بن زيد في شبابه، وجابر توفي عام 93هـ وأما وفاة الربيع فبين 150 إلى 200 هـ أي أنه عاش بين 70 إلى 125 سنة! وهذا تقدير عجيب.
وهذا عليه ملحوظات متعددة، منها أنه روى عن بشر المريسي المولود قرابة 138 هـ ، فلو كان مات في 150 هـ لكان روى عن بشر وعمر بِشر سنتان، فنحتاج إلى أن نطيل عمره عشرين سنة أخرى على الأقل، لنقول إنه جلس يتعلم عند بشر المريسي صاحب الإثنين وعشرين عاما، وكان عمره (الربيع) ثمانون أو خمس وثمانين سنة!
ليس لهذا الربيع ذكر في كتب التراجم، لا ترجمةً، ولا مدحًا ولا ذمًا، ولا ذكرا عابرا، مع كونه (كما قالوا) إماما محدثًا ثقة ثبتًا فقيهًا، بل كان مناظِرًا، فقد كان جزء من مسنده خاصا بأحاديث احتج بها على خصومه، واعترفوا بصحتها، أفلا يذكرونه ولو بالذم، كما ذكروا المريسي وأضرابه؟
مسند الربيع
كان مرتبًا على المسانيد ثم رتبها الوارجلاني، أبو يعقوب، يوسف بن إبراهيم (ت570هـ) على الأبواب، وجعله من أربعة أجزاء
الأول: من الطهارة إلى الزكاة
والثاني: من الحج
الثالث: في أحاديث احتج بها الربيع على مخالفيه (هكذا قالوا) يعترف الخصوم بصحتها.
الرابع: روايات محبوب بن الرُّحَيل عن الربيع، وروايات أفلح بن عبد الوهاب عن أبي غانم الخراساني، ومراسيل جابر بن زيد.
وأما ترتيبه فلم يكن حسنًا، فمثلا: جعل كتابا سماه (المسح على الخفين) رقمه (19) وجعل فيه أحاديث ليست منه حديثا في تنشيف الأعضاء بعد الوضوء، وحديثان في مسح الرأس، والثلاثة مكررة قد سبقت في أبوابها. وجعل كتاباً سماه (كتاب الأيمان والنذور) وبوب تحته أبوابًا لا تدخل فيه ، فجعل فيه بابا (في الديات والعقل) ثم (في المواريث) ثم (فـي العتـق) ثم (في الوصية) ثم (في الضيافة والجوار وما ملكت اليمين واليتيم) ثم (في الوعيد والأموال)
يزعم الإباضية أنه أصح كتب الحديث وأعلاها إسنادا.
أما دعوى علو الإسناد، فالواقع يكذبها، فأسانيده أكثرها ثلاثية، والثنائي مشكوك به، بينما كثير من أسانيد الموطأ وأسانيد جامع معمر بن راشد ثنائية. وبدأت بذكر هذا القول قبل أخيه ليتبين للقارئ مدى مبالغتهم.
أما أحاديثه الثنائية فهي نادرة، وهي برقم (590) و(691) و(315) الربيع عن مسلم عن ناس من الصحابة ، هكذا لم يسميهم. وروى برقم (79) عن أبي أيوب الأنصاري و(277) عن جابر بن عبد الله، و (608) عن الخدري، و(727) عن أبي هريرة، والباقي بلاغات، وهذه التي ذكرت عنعنات.
أما (590) فهو حديث أبي هريرة.
والثاني (691) موضوع، ولفظه شبيه بكلام المتأخرين، ولفظه ( الذنوب على وجهين : ذنب بين العبد وربه ، وذنـب بـين العبد وصاحبه ؛ فالذنب الذي بين العبد وربه إذا تاب منه كان كمن لا ذنب له ، وأما ذنب بينه وبين صاحبه فلا توبة له حتى يرد المظالم إلى أهلها)
والثالث (315) أظهر من الأول في الوضع لظهور كذبه ومخالفته للصحيح، قال فيه : قال الربيع عن أبي عبيدة عن عروة بن الزبير والحسن البصري وابراهيم النخعي وجملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون (من أصبح جنبا أصبح مفطرا ويدرؤون عنه الكفارة)
أما عن كونه الأصح، فهذه دعوى دونها خرط القتاد، فكيف يكون الأصح وفيه علل تدل على أنه موضوع. وذلك يتمثل بنقاط رئيسة.
- جهالة مؤلفه.
- أمره غريب
- جهالة أبي عبيدة، وهو شيخ الربيع في أكثر الكتاب.
- لا يعرف هذا الكتاب إلا من طريق الوارجلاني الذي رتبه، وهو متوفى عام 570هـ
- الشك في دين الوارجلاني، فهو مجهول عند أهل السنة، وأما عند جماعته فقد ذكروا ما يطعن بدينه، وهو أنه كان مُنَجِّمًا.
- تفرده بروايات زعم واضعها أن الربيع احتج بها على خصومه، ولم نجد أحدا من خصومه ناقشها، إن كان له خصوم.
- تفرده بمرويات تعارض الأحاديث الصحيحة.
- تفرده بمرويات لجابر بن زيد، لم يروها تلاميذه مع أهميتها والحاجة إليها.
- تفرده بروايات في التجهم لو كان لها وجود لروتها المعتزلة والأشعرية ولو من طريق إبليس عن أبي لهب عن أبي جهل. فكيف وقد لقي بشرا المريسي وروى عنه (أي الربيع روى عن بِشر) وكان بشرٌ وأصحابه أحوج ما يكون إلى هذه الروايات، والعجيب أن بعض هذه الروايات التي من طريق بِشر لم نجدها في غير هذا المسند، ولا وجدنا أصحاب بِشر احتجوا بها على المسلمين. كالتي برقم (884)
- تفرده بقصص لو كان لها أثر لرواها المؤرخون ولو بأسانيد منكرة، كقصة ابن أبي جذعة (رواها برقم 748) زعم أنه رجل ذهب إلى أهل الطائف يزعم أن رسول الله أباج له الزنى بأي نسائهم شاء.
- لم يذكر الوارجلاني إسناده إلى الربيع، وهذا يثير الشك أنه لم يعمد إلى وضع إسناد فيه مشاهير فيعطي مجالا للبحث خلفه، ولا إسنادا فيه مجاهيل فيزيد كتابه جهالة.
- وجود روايات من طريق صحابة اختلف الإباضية في إسلامهم، منهم عائشة، ولها 93 حديثًا، وعلي بن أبي طالب، وله 6 أحاديث، ومعاوية، وله 3 أحاديث، وعثمان بن عفان وله حديثان.
- وجود أحاديث عن صحابة مبهمين لم يُسمُّوا، وعدد هذه الأحاديث 13، وعند الإباضية ليس كل الصحابة ثقات، بل منهم الكفار.
- يظهر من صنيع صاحبه كثرة النقل من كتب المالكية، وهي المشهورة في بلاد المغرب، وأعني بالنقل هنا أن يأخذ أحاديث من كتبهم ويركب لها أسانيد الربيع.
- في هذا المسند تفسير لبعض العبارات في الأحاديث، وكثير منها منقول بنصه في كتبنا، فلو كانوا نقلوها عنه -إن كان موجودا- لحكى ذلك ولو واحد منهم، فالواضح أن واضع الكتاب هو الناقل عنهم.
- جهل صاحبه برجال الحديث (كما سأبين لاحقًا) ولهذا سهل عليه جعل جل رواياته من طريق كجهول عن مجهول عن جابر، فلما ركب أسانيد من رجال معروفين بان عواره.
وسأضع علامات على المواضع المذكورة في النسخة المنشورة من هذا المسند
جهالة الربيع
الربيع رجل مجهول الحال، بل الأقرب أنه مجهول العين وذلك لأسباب:
- كونه لا ذِكر له في كتب الرجال، حتى ترجم له الدرجيني المتوفى عام 670هـ ولم يذكر إسنادا لما حكاه عنه.
- في الكتب التي حكت عن الفِرَق وذكرت علماء هذه الفرقة فلم يذكروه، بالرغم من هذه المكانة الكبيرة المزعومة له.
- حتى عند الإباضية لا تجد ذكرًا له في كتب أوائلهم، إلا ما جاء في المدونة، وهذا محل بحث.
الربيع بن حبيب ذكر في مدونة أبي غانم الخراساني، وهذه علامة أنه شخصية حقيقية، إن ثبتت المدونة وما فييها.
ولكنه ليس تلك الشخصية التي يصورها الإباضية، في أنه عالم إمام محدث ثقة فقيه.
فالذي يظهر -والله أهلم- أن الوارجلاني -المنجم- قد بحث عن شخص مغمور ليضع له مسندًا يخلط فيه الحق والباطل، وتجنب الشخصيات المشهورة، لأن الكذب على المشاهير أفضَح.
ابن معين يوثق الربيع (زعموا)
زعم بعض الإباضية المعاصرين أن ابن معين وابن حبان وثقاه.
أما الذي وثقه يحيى بن معين وابن حبان فهو ربيع آخر. قال ابن معين «الرّبيع بن حبيب أَيْضا بصرى يروي عَن الْحسن وَابْن سِيرِين وَهُوَ ثِقَة» تاريخ ابن معين – رواية الدوري (3/ 353)
أما ربيع الإباضي فيروي عن الحسن البصري بواسطتين، كما في مسنده «713- أبو عُبيدة ، عن جابر عن الحسن البصري» و « 852 قال واخبرني عن أبي هلال الراسبي قال شهدت الحسن» وأحيانا بواسطة واحدة «848 وحدثنا اسماعيل بن صالح المكي قال سمعت الحسن يقول»
وأما ابن سيرين فكذلك يروي عنه بواسطتين «475 أبو عبيدة قال بلغنا عن محمد بن سيرين قال»
فظاهر لمن عرف علم الرجال أن ربيعًا الموثق لا علاقة له بربيع الإباضي.
ثم إن من يسبر مرويات هذا المسند -غير الموضوعة- يجد أن أكثرها مروية بالمعنى، وبزيادات ونقصان، ويتبين أن كاتبه كان في أقل أحواله شديد الضعف.
وكذلك ما عنده من التخليط الكبير في الرجال
أمثلة:
روى برقم (857) قال: ((وروي عن فضيل بن عياض وخليل بن عبد المجيد الطائي وعمار ابن أخت سفيان الثوري ومنصور بن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن وكيع بن الجراح)) وهذا فيه مصائب؛ الأولى: منصور بن المعتمر ليس ابنا للمعتمر بن سليمان. الثانية: المعتمر بن سليمان هو الأصغر سنًّا وهو تلميذ للمنصور بن المعتمر، فلا يمكن أن يتوهم أنه ابنه، واسم المنصور هو: منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة. الثالثة: لا يوجد راو اسمه منصور بن المعتمر بن سليمان. الرابعة: منصور والمعتمر لا يروي أحد منهما عن وكيع.
وفي رقم (861) قال: (( وحدثني موسى بن جبير عن عبدالمجيد والفضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عيينة عن علي بن أبي طالب)) فيه أكثر من مصيبة: الأولى: موسى بن جبير ليست له رواية عن الفضيل. الثانية: عبد المجيد مجهول العين. الثالثة: الحكم هو ابن عتيبة، ولا يوجد “الحكم بن عيينة”. وأما الانقطاع بين الحكم وعلي فغير مهم أن نعلق عليه.
الوارجلاني منجم؟
نعم، هذا ثابت عنه، قال الدرجيني : حدثني أبي قال : حدثنا بعض أصحاب أبي سليمان أيوب بن نوح [تلميذ الورجلاني] قال : سألت أبا سليمان عما حصل من علم النجامة قال : رحم االله شيخنا أبا يعقوب [الوارجلاني]؛ عمد إلى العلوم النافعة كعلم القرآن والفقه وعلم اللسان فحملّها ابنَه أبا إسحاق ، ووجد عندنا أفهاماً قابلة لعلم لا ينفع [يعني علم النجامة] فعلمناها .
وقلت لـه : ما غاية المنجم المحقق ؛ أيعلم يومه متى يكون ؟ قال : اعلـم أن غايـة أن غا ية المنجم العالم أن يعرفَ أسعيد هو أم شقي .
وكان أيوب هذا يقول : يكون أجلي يوم كذا ، فكان كما قال
الخوارج يكذبون؟
زعم بعض أهل العلم أن الخوارج أقل الناس كذبا لكونهم يكفِّرون بالمعاصي، وهذا خلاف الواقع، والوضاعون عادة ما يتأولون فعلهم فيدرجوه مثلا في مسألة (إنما الحرب خدعة) فيكون وضعهم داخل في خداع الكفار (أي: المسلمين) لا في الكذب، أو أنهم يكذبون له وليس عليه كما قال ابن البيع«وَمِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَضَعُوا الْحَدِيثَ حِسْبَةً كَمَا زَعَمُوا يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى فضائل الاعمال». المدخل إلى كتاب الإكليل (ص53)، أو غيرها من تأويلات لجعل عملهم مشروعا.
وروى الفريابي وغيره عن ابن لهيعة قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنَ الْخَوَارِجِ تَابَ وَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا إِذَا هَوَيْنَا أَمْرًا صَيَّرْنَاهُ حَدِيثًا». [الفوائد للفريابي 24]
أما قول أبي داود «لَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنَ الْخَوَارِجِ ، ثُمَّ ذَكَرَ عِمْرَانَ بْنَ حِطَّانَ وَأَبَا حَسَّانَ الْأَعْرَجَ» فإنه يقارن بين أهل الأهواء، فالخوارج أصح حديثًا من المعتزلة والجهمية وأضرابهم، فماذا كان؟ لا يفهم من كلامهم صحة حديثهم مطلقًا، فإذا قال القائل (ابو لهب أصدق من أبي جهل) فلا يعني أن أبا لهب صادق. نعم يوجد في الخوارج كثير من أهل الصدق، وهذا لا يعني تزكية الباقي.
أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة
شيخ الربيع، وعمدته في الرواية في أكثر مسنده، زعم القنوبي أنه عاش ما بين 45 و 150هـ ، زعموا أنه أخص تلاميذ جابر بن زيد، وله من المكانة ما ليس لغيره، فتلاميذه أسسوا ثلاث دول، الدولة الرستمية في المغرب العربي، ودولة الجلندي في عُمان، ودولة طالب الحق في اليمن.
فقد اجتمع فيه ما يوجب ذكره، لزومه لجابر بن زيد، وإمامته في الفقه والحديث، وتأسيس تلاميذه لدول، ومع ذلك لا تجد له ذكرا، ولا ترجمة في كتب التواريخ الأولى.
ورد هذا الاسم في بعض الكتب
«1144 – مُسْلِم بْن أَبِي كريمة يذكر عَنْ علي». (التاريخ الكبير للبخاري 7/ 271 ت المعلمي) «845 – مسلم بن أبي كريمة روى عن علي رضي الله عنه روى عنه … سمعت أبي يقول ذلك ويقول: هو مجهول». (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8/ 193)
قلت: وهذا لو كان المراد به صاحبهم لما كان كلام يُفرَح به، ولكن يبدو أنه شخص آخر، وذلك أن مسلما لا يروي عن علي في مسندهمـ وقد جاء ( (412) أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ…) وهذا مروي بصيغة الخبر ولا دليل فيه على الاتصال، فإذا نظرن إلى سائر مروياته عن علي وجدناه لا يروي عن عليا إلا عن جابر عن علي بانقطاع بين الأخيرين، كما في الأرقام التالية (103) (124) (220) (231) (387) (518) كلها أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ.
قال عنه القنوبي (معاصر) : «المحدث الحافظ ، الثقة الثبت» ولا ندري على ماذا بنى هذا الكلام! فلا هو نقله عن أئمة سابقين، ولا سبر مرويات الرجل يدل على ثقته.
ينسبون له كرامة عجيبة، قالوا: «قال حملة العلم يوما لأبي عبيدة: يا شيخنا نريد منك أنَّ تعلِّمنا بعض الكرامة تطمئنُّ بها قلوبنا على هذا المذهب، فتوضَّأ الشيخ وصلَّى ركعتين واجتهد في الدعاء؛ حتَّى انفتح سقف الغار الذي كان يعلِّمهم فيه استخفاء من الجبابرة وانفتحت السماء الأولى، ثمَّ الثانية، ثمَّ الثالثة، ثمَّ الرابعة، ثمَّ الخامسة، ثمَّ السادسة، ثمَّ السابعة فبان لهم العرش بقدرة الله تعالى» [إيضاح التوحيد ج1ص228] قلت: لعلهم لا يدرون أن فوق السماء السابعة كرسي، ثم ماء، ثم العرش.
جابر بن زيد
التابعي المحدث الفقيه، أبو الشعثاء -رحمه الله- توفي عام 93 هـ كان من العلماء الأجلة، روى عنه أصحاب الكتب الستة، روى عن ابن عباس فأكثر عنه، وروى عن ابن عمر ومعاوية وعبد الله بن الزبير، وله رواية عن قرينه عكرمة.
وروى عنه عمرو بن دينار جل حديثه، وروى عنه ابراهيم النخعي، وأيوب السختياني، وثابت البناني، وخالد الحذاء، وقتادة السدوسي، ومالك بن دينار، ومطر الوراق.