هل وصف علي أبا بكر وعمر بالكذب والخيانة؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

هل وصف علي أبا بكر وعمر بالكذب والخيانة؟

روى مسلم في الصحيح

– (1757) وحدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي ، حدثنا جويرية ، عن مالك ، عن الزهري أن مالك بن أوس حدثه قال: « أرسل إلي عمر بن الخطاب، فجئته …

فجاء يرفا فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد ؟ فقال عمر: نعم، فأذِن لهم فدخلوا،

ثم جاء فقال: هل لك في عباس، وعلي ؟ قال: نعم، فأذن لهما،

فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن، فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين، فاقض بينهم وأرحهم، …

فقال عمر : اتئدا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة؟ قالوا: نعم،

ثم أقبل على العباس، وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركناه صدقة؟ قالا: نعم، …

قال: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نورث، ما تركنا صدقة. ‌فرأيتماه ‌كاذبا ‌آثما ‌غادرا خائنا، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق فوليتها،

ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميع، وأمركما واحد، فقلتما: ادفعها إلينا، فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذتماها بذلك، قال: أكذلك؟ قالا: نعم.

قال: ثم جئتماني لأقضي بينكما، ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي .»

[صحيح مسلم (5/ 152)]

الخلاصة أن عمر قال إن عليًّا وان عبَّاس رأيا أبا بكر وعمر آثمين غادرين خائنين. فهل هذا صحيح؟

 

أولا:

لفظ “آثما ‌غادرا خائنا” جاء في مقابلة قول العباس لعلي، لأنه كما جاء في صحيح البخاري «فَاسْتَبَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ» فكأنَّ عمر أراد أن يقول: لا تتهما بعضكما، ونحن كذلك -أبو بكر وعمر- كنتما «تَذْكُرَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهِ كَمَا تَقُولَانِ» ثم بعد ذلك علمتما أننا على الحق، فكذلك لا تتهما بعضكما.

ومثل هذا لا يراد به حقيقة تلك الألفاظ، وإنما ضرب مثال حالة ماضية لحل مشكلة حاصلة، ولهذا اختلفت فيه الروايات في هذه الألفاظ، ففي رواية عبد الرزاق «ظالم فاجر» [مصنف عبد الرزاق (6/ 110 ط التأصيل الثانية)] وعند البيهقي «ظَالِمٌ» فقط [السنن الكبرى – البيهقي (6/ 487 ط العلمية)] فليست هذه الأوصاف مقصودة لنفسها .

ثم إنها مختلف فيها. وهي غير موجودة أصلًا في مسند أحمد، ولا في صحيح البخاري، ولا عند أبي داود، ولا عند النسائي وكلهم رواها بأسانيد صحيحة.

 

ثانيًا:

الرواية فيها أنَّ العبَّاس اتهم عليًّا بالخيانة والغدر بخصوص ما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير [كما جاء في رواية عبد الرزاق التي ستأتي]. وكان العبَّاس يرى أنَّ له حقًّا فيها.

فأشهدهم عمر على أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: (لا نورث، ما تركناه صدقة) فشهدا، فقال عمر إنه لما لم يعطيكموهاأبو بكر وأنا قد اتهمتمانا بالخيانة والغدر والإثم، كما يتَّهم العباس الآن عليًّا بالغدر والاثم. وكما أن عليًّا بريء، فأنا وأبو بكر بريئان، والدليل شهادتكما بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا نورث)

وقد أقرَّاه على ذلك. فالرواية ليس فيها مطعن بالشيخين، بل بيان خطإ من اتَّهَمَهُما.

وكان عمر قد أعطاهما أرض فدك ليعملا بها ما كا يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وليس على وجه الميراث، فأقرَّا بذلك.

 

ثالثًا:

الحديث رواه عبد الرَّزَّاق «عن معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس». [مصنف عبد الرزاق (6/ 109 ط التأصيل الثانية)] وهو إسناد صحيح

وزاد فيه: «ثم بدا لي أن أدفعها إليكما، فأخذت عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وأنا ما وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا على ذلك، أتريدان منا قضاء غير ذلك؟ والذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي بينكما بقضاء غير هذا، إن كنتما عجزتما عنها فادفعاها إلي، قال: فغلبه علي عليها، فكانت بيد علي، ثم بيد حسن، ثم بيد حسين، ثم بيد علي بن حسين، ثم بيد حسن بن حسن، ثم بيد زيد بن حسن، قال معمر: ثم بيد * عبد الله بن حسن، ثم أخذها هؤلاء يعني بني العباس.». [مصنف عبد الرزاق (6/ 111 ط التأصيل الثانية)]

وهذا يقتصي أن الأرض كانت بيد أهل البيت، علي ثم حسن، ثم حسين، ثم علي السجَّاد،وكلهم معصوم عند الرافضة، فعموا فيها بحكم أبي بكر وعمر، وبيقيت بيدهم زمن خلافة علي، وخلافة الحسن، ولم يعملوا فيها إلا بقول أبي بكر وعمر.

فإما أنَّهم عملوا بالحق، مما ينفي التهمة عن الشيخين، أو أنَّ المعصومين عملوا بحكم جائر طاغوتي وتعاونوا على الاثم والعدوان، فتثبت التهمة على الجميع -عياذا بالله-.

رابعًا:

علي والعبَّاس ذهبا إلى عمر ليقضي بينهما، فكيف يذهبان ليقضي بينهما مَن يريانه آثما خائنًا غادرًا، هذا لا يفعله سفهاء الناس، فكيف سيفعله علي والعباس رضي الله عنهما، إلا وقد عليما أنه «صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ»

والله أعلم

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 47 times, 2 visits today)
هل وصف علي أبا بكر وعمر بالكذب والخيانة؟
تمرير للأعلى