في جنوب بلاد الحرمين الشريفين، وُلِدَ الشيخ ضيف الله بن مشبب بن الهمل الأحمري العسيري الشافعيّ سنة ١٣٥٠ هـ، لينشأ في بيئةٍ علميةٍ زاخرةٍ بالتقوى والعلم، ويصير عَلَماً من أعلام السنة والحديث، وراويةً للعلم الشرعي عبر الأسانيد العالية، حتى وافته المنية عن عمرٍ ناهز ٩٩ عاماً، تاركاً وراءه إرثاً علمياً وأخلاقياً يُحتذى به.
النشأة ورحلة طلب العلم
بدأت رحلته العلمية مُبكِّراً؛ ففي الثامنة من عمره، رحل مع أخيه الأكبر الشيخ فايز إلى اليمن عام ١٣٥٨ هـ، حيث مكثا قرابة عقدٍ من الزمن (حتى ١٣٦٧ هـ)، تَلقَّيا خلالهما العلوم الشرعية. ومن أبرز شيوخه في تلك الفترة: الشيخان إبراهيم ومحمد الحفظي في رجال ألمع، والعلامة الحسين بن علي العمري، والشيخ محمد بن سليمان الأهدل الزبيديّ.
الانتقال إلى الحرمين وملازمة الأكابر
بعد عودته من اليمن، اتجه الشيخ ضيف الله إلى الحرمين الشريفين، حيث لازم كبار علماء عصره، وكان أبرزهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (مفتي الديار السعودية سابقاً)، ويُعتقد أن شيخنا آخر الرواة عنه. كما تتلمذ على يد الشيخ عبدالرحمن بن قاسم صاحب “حاشية الروض المربع”، والشيخ ابن سنان، فاغترف من علوم الفقه والحديث، وتعمَّق في المذهب الشافعيّ والسنة النبوية.
عُـلُوّ الإسناد وشيوخ الإجازة
تميز الشيخ الأحمري بحمل أسانيد عالية نادرة، إذ نال الإجازات العلمية من عمالقة الحديث والمسندين في عصره، الذين جمعوا بين طول العمر واتصال السند. ومن أبرز من أجازوه:
-
محمد عبد الحي الكتاني (ت ١٣٨٢ هـ) صاحب “فهرس الفهارس”، وهو أشهر من وثَّق الأسانيد في القرن الرابع عشر.
-
أحمد بن الصديق الغماري (ت ١٣٨٠ هـ) الصوفي، صاحب ثبت “البحر العميق”.
-
عمر بن حمدان المحرسي (ت ١٣٨٠ هـ)
-
محمد حبيب الله الشنقيطي (ت ١٣٦٣ هـ) الموريتاني.
-
محمد عبد الباقي الأيوبي اللكنوي (ت ١٣٦٦ هـ) صاحب المؤلفات في المسلسلات الحديثية.
-
عبد الحفيظ الفاسي (ت ١٣٨٣ هـ) أحد مسندي المغرب العربي.
وهذه الإجازات جعلت منه حلقة وصل بين المشرق والمغرب في نقل العلم، خاصةً مع دخوله في الإذن العام لرواية العلم عن كبار المحدثين، مما وسَّع دائرة انتفاع طلبة العلم بإسناده.
توفي شيخنا يوم الجمعة ١٤٤٦/١٠/٢٧