إسبال الإزار بغير خيلاء

بسم الله

مسألة إسبال الإزار دون الكعبين يصل فيها بعض المتدينين إلى حد التشدد فيعدُّها من كبريات أمور الدين، أو علامة فارقة بين المتدين والفاسق، وهو لا يعلم أن جمهور أهل العلم تبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على إباحة الإسبال إذا لم يكن للتفاخر.

كلام رسول الله

روى البخاري (3456) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة). فقال أبو ‌بكر: إن أحد ‌شقي ثوبي يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك ‌لست تصنع ذلك خيلاء).

رسول الله علل عدم دخول أبي بكر في الوعيد بأنَّه ليس يصنع ذلك خيلاء.

أقوال أهل العلم

الشافعي:

قال الشافعي في كتاب البويطي: ولا يجوز السدل في الصلاة، ولا في غيرها للخيلاء، فأما ‌السدل ‌لغير ‌الخيلاء في الصلاة فهو خفيف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، لأبي بكر، وقال له: إن إزاري سقط من أحد شقي، فقال له: «لست منهم». [معرفة السنن والآثار (3/ 159)]

وهذا عليه الشافعية، كما نقل النووي: «مذهبنا أن السدل في الصلاة وفي غيرها سواء فإن سدل للخيلاء فهو حرام وإن كان لغير الخيلاء فمكروه». [المجموع شرح المهذب (3/ 177 ط المنيرية)]

أحمد وإسحاق

سئل الإمام أحمد عن جر الإزار ‌وإسبال الثوب في الصلاة، فأجاب: «إذا لم يرد به ‌الخيلاء فلا بأس به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من جر ثوبه من ‌الخيلاء”»

وسئل الإمام إسحاق بن راهويه فأجاب بمثل جوابه. [مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه للكوسج (9/ 4691)]

البخاري

قال في صحيحه: بابُ مَنْ جَرَّ إزارَهُ منْ ‌غَيْرِ ‌خُيَلَاءَ

واستدل بحديث أبي بكر.

قال العيني: «هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من جر إزَاره من غير قصد التخييل، فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِهِ من غير كَرَاهَة». [عمدة القاري (21/ 295)]

أبو حنيفة

«وروي أن أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته أربعمائة دينار وكان ‌يجره على الأرض فقيل له أولسنا نهينا عن هذا؟ فقال إنما ذلك لذوي ‌الخيلاء ولسنا منهم». [الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 521)]

وهذا قول المذهب، كما في “الفتاوى الهندية” (5/333) «إسبال الرجل إزاره أسفل من الكعبين إن لم يكن للخيلاء ففيه كراهة تنزيه»

 

والمالكية مختلفون، ولم أجد كلاما للإمام.

 

اعتراضات على حديث أبي بكر الصديق

الاعتراض الأول: إن أبا بكر كان شِقُّ إزاره يسترخي، ولم يكن يتعمَّد الإسبال.

الجواب: نحن لم نحتج بفعل أبي بكر، بل بكلام رسول الله، بأنَّه علل الجواز بعدم الفعل خيلاء، وليس بأنه تقصَّدَ أم لا. ولو رجعتم لكلام الشافعي لوجدتم أن الاستدلال بقول رسول الله لا بفعل أبي بكر. ثم هل رسول الله عاجز عن أن يقول له: (إنك لا تتعمد ذلك) كما تقولون أنتم!

 

الاعتراض الثاني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لأبي بكر أنه لم يعمله خيلاء، ولم يشهد لنا.

الجواب: إذن لو قصرتم كل ثيابكم لا ينفعكم، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ ‌مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} وأنت جعلت نفسك مختالا حتى يشهد لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يشهد لك، وإن كنت لا تعلم نيتك حتى يخبرك بها نبي، فكيف تصلي وتصوم وتحج وتعمل الأعمال، ومن شروطها النيَّة، وأنت لا تعلم ما نيَّتك؟

 

اعتراض أصولي

قالوا: قد اختلف الوعيد الواقع على المسبل، فمن أسبَل للخُيَلاء أوعده بقوله (لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، وأما من أسبل دون ذكر الخيلاء فقد جاء فيه (ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ الله عز وجل يَومَ القِيَامَةِ، وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَليمٌ) منهم (المسبل) ولم يذكر رسول الله شرط الخُيَلاء، فاختلف الوعيد، وهذا يقتضي عدم حمل الأحاديث التي لم تذكر الخيلاء على شرط الخيلاء.

الجواب:

أولا: لماذا لم يذكرها لأبي بكر لمَّا سأله، والرسول صلى الله عليه وسلم واجب عليه البلاغ، فهل أنتم أديتم هذا الواجب، وتركه رسول الله وقت الحاجة، فقال (إنك ‌لست تصنع ذلك خيلاء) ولم يقل له: ولكن احذر أن يلحقك الوعيد الآخر.

ثانيًا: الوعيد الذي نراه فيمن فهمتم أنه يسبل بدون خيلاء أكبر من الوعيد الواقع على صاحب الخيلاء، وهذا غير ممكن، أن يكون وعيد من فعل للخيلاء، فزاد شرا خف وعيده. إنما هو هو صاحب الخيلاء لا ينظر إليه ولا يكلمه ولا يزكيه ويعذبه.

 

تناقض عجيب

عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌الإسْبَالُ ‌في ‌الإزار، ‌وَالقَمِيصِ، ‌وَالعِمَامةِ، مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلاءَ لَمْ ينْظُرِ الله إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه ابن ماجه وأبو داود والنسائي، وصححه النووي والألباني

وعامة من أفتى بتحريم الإسبال سلفا وخلفًا على أنه لا يختص بالسروال. فالغريب في من يحرِّم الإسبال بكل حال من المعاصرين تجدهم يُسبِلون أكمام أقمصتهم وعماماتهم.

بل ترى بعض الناء يلبسون بعض الثياب من أنواع فاخرة ويُظهرون ذلك خيلاء، ولكن يرضوع عن أنفسهم بأنهم لبسوا القصير فخرجوا عن الوعيد، وهؤلاء الوعيد ألصق بهم.

والله المستعان

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 805 times, 6 visits today)
إسبال الإزار بغير خيلاء
تمرير للأعلى