بسم الله
روى مسلم في صحيحه:
59 – (2771) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسٍ: « أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اخْرُجْ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ، فَكَفَّ عَلِيٌّ، عَنْهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ » |
وجه الشبهة: قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله دون تثبت، فلولا أنه مجبوب لقتله، فكيف يأمر بقتل بريء بلا بينة. ولماذا لم يأمر بقتلها هي كذلك.
الجواب
حكم الزاني في الإسلام الرجم أو الجلد. ولم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بواحد منهما، بل بالقتل. فهذا يدلك على أن الأمر لا يتعلق بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صدَّق الشائعات، ولا أنه أثبت على الرجل جريمة بدون بينة، فلو كان هكذا لأمر بجلده أو رجمه.
فلماذا أمر بقتله؟
لعلنا إذا نظرنا إلى أشباه ونظائر هذه المسألة نفهمها جيدًا.
مارية هي أمة أهداها المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهداه معها عبدًا خَصيًّا، كما روى ابن سعد: «بعث المُقَوْقِس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بمارية … ومعهم خصيّ يقال له مَأْبُور، شيخ كبير، كان أخا مارية». [«الطبقات الكبير» (10/ 201 ط الخانجي)] وقيل: «ابْنِ عَمٍّ لَهَا» [«البداية والنهاية» (8/ 230 ت التركي)] «فتكلم بعض المنافقين فِي ذَلِكَ، وقال: إنه غير مجبوب وأنه يقع عليها». [«أنساب الأشراف للبلاذري» (1/ 450)].
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه مخصي، فلا يمكن أن يصدق ذلك عنه.
فيبقى السؤال: كيف يأمر بقتله؟
الجواب:
لو أنك شرطي، وجاء إلى مركز الشرطة بلاغ أن من في هذا البيت يشربون الحشيش، فقال لك الضابط: اذهب واقبض عليهم، فهل معنى كلامه: أن تقبض عليهم سواءً كانت التهمة صحيحة أم لا، أم يكون المراد من كلامه: اقبض عليهم بعد أن تتحرى من صحة الكلام؟
بالتأكيد هو كلفك بالقبض عليهم، أي بعد التحري.
ويشهد لهذا ما رواه الضياء في المختارة: «خُذْ هَذَا السَّيْفَ، فَانْطَلِقْ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ عِنْدَهَا فَاقْتُلْهُ» [«الأحاديث المختارة» (2/ 353)]
يبقى السؤال: لماذا الأمر بقتله، وليس الجلد أو الرجم؟
نقول: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد من هذا الأمر إظهار براءة عرضه، وليس إقامة الحد، إذ هو يعرف أن الرجل مجبوب، وأن مارية عفيقة طاهرة، ولكنه أراد أن يخاف الرجل من السيف فيُظهر براءته بإظهار أنه مجبوب. ولهذا جاء في الرواية: «فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَ أَنَّنِي أُرِيدُهُ، فَأَتَى نَخْلَةً فَرَقَى فِيهَا، ثُمَّ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ شَالَ بِرِجْلَيْهِ، فَإِذَا بِهِ أَجَبُّ أَمْسَحُ»[«الأحاديث المختارة» (2/ 354)].
وهذا كما فعل سليمان صلى الله عليه وسلم لما تخاصمت امرأتان في طفل، كل واحدة منهما تدعي أنه لها، فأمر بسكين قال إنه سيقطعه نصفين، فنظر أيتهما تخاف عليه أكثر، فعلم أنه أمه. فلم يكن أراد إنفاد قطعه، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد إنفاذ القتل، والله أعلم.