استوقفني قول ربي {قالوا الآن جئت بالحق}
وذلك في قصة البقرة حينما أمر موسى ﷺ بني إسرائيل بذبح بقرة فجادله السفهاء، قالوا: {أتتخذنا هزؤا}، ثم كلما أخبرهم بشيء من صفة البقرة طلبوا منه المزيد، إلى أن عجزوا فقالوا له: {الآن جئت بالحق}
أولم يكن جاء بالحق من أول الأمر !
ثم ماذا يظن هؤلاء أنفسهم أن يقيموا كلام الرسول؟!
هؤلاء الذين وصف الله قلوبهم فقال: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة}
ولهذا حينما ذبحوها {ذبحوها وما كادوا يفعلون} وكأنهم ما فعلوا إلا لانقطاع حجتهم وعجزهم عن الجدل.
وهؤلاء أعداء الأنبياء، وهؤلاء موجودون إلى اليوم، وهم الذين يريدون شرعا مفصّلا بحسب أهوائهم. وقد قال المجيد: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}
كما أن قسوة قلوبهم وزيغهم كانت بما اكتسبوا، إذ بين الله تعالى أنه يطبع على القلب لِما عِنْدَ صاحبه من كفر، فقال: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}، وقال: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}
أما أهل الإيمان فشأنهم كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
ولهذا تلين قلوبهم للوحي، فيأتمرون بأمر الله وينقادون له، قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} أسأل الله أن نكون منهم