بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قال الملك القدوس: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
المعنى باختصار: أن الله قد حرّم على المُحرِمين (الحجاج والمعتمرين) أن يصطادوا، فابتلاهم بأن الحيوانات اقتربت منهم وسَهُلَ عليهم صيدها جدا، ليختبر انقيادهم لأمره.
ذكرتني هذه الآية بحال المسلمين المهاجرين الى أوروبا. كل شيء مباح، لا رقيب من البشر ولا حسيب، لا جيران ولا أهل يخجل الشخص منهم، غريب لا تهمه سمعته في البلد، كل وسائل الفسوق متاحة؛ زنا، اتخاذ أخدان، خمر، قمار، ربا، كشف عورات، حتّى الكفر، ليست فقط متاحة، بل أمور طبيعيّة في ذلك المجتمع.
فقول الحكيم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} شبيه بهذا الحال، فالموبقات أصبحت أمام المهاجر أسهل من السهل، لكن {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}
فإما أن يثبت على إيمانه فيثبّته الله {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}،
أو يزيغ فيُزيغ الله قلبه {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
وذلك {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
قال الذي كتب العدل على نفسه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} فلينظر العبد أين يتّجه.