عدم صحة الكتاب المسمى: التفسير الكبير للإمام الطبراني

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان

التفسير الذي طبع باسم (التفسير الكبير تفسير القرآن العظيم، للإمام الطبراني) قد نُسب زورا للإمام الطبراني، وسنبين هذا بأدلته بإذن الله تعالى. وقد قارن نايف بن سعيد الزهراني هذا التفسير بتفسير ابن الحداد، وقال: «والصواب الذي نحمد الله على التوفيق إليه هو أن التفسير المطبوع منسوباً إلى الإمام الطبراني ليس إلا نسخة من نسخ تفسير أبي بكر الحدَّاد اليمني الحنفي المتوفى سنة (800 هـ)، والموسوم بـ: (كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل)» [مجلة بصائر – الرياض – العدد الثاني – رجب 1430]

ولا يقتصر الأمر على الزيف والخطأ، إلا أن هذا الكتاب فيه تجهم وتحريف للكلم عن مواضعه، وقد احتج به الجهمية كعادتهم بالاحتجاج بالأباطيل، وسيأتي معنا مثال ذلك ضمن سياقنا للأدلة.

وكل ما يستطيع المحقق أن يستدل به على نسبة الكتاب هو قوله: «وعلى صفحته الأولى ‌كتب ‌الناسخ: (هذا كتاب تفسير فريد دهره وحكيم عصره شيخ الإسلام الإمام الهمام الشيخ الطبرانيّ الكبير عن تفسير القرآن العظيم)». [1/ 79] وقد اطلع الدكتور بشار عواد معروف على المخطوط وقال إن خط هذه العبارة مختلف عن خط الناسخ، وهو ذو دراية بالخطوط، وهذا واضح كما في الصورة المرفقة.

نقول عن أناس ولدوا بعد وفاة الطبراني

من أوضح أدلة بطلان نسبة الكتاب للطبراني نقله عن أناس ولدوا بعد وفاة الطبراني، وقد توفي رحمه الله عام 360هـ

 

المثال الأول

في تفسير قوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قال «كذا في تفسير عبد الصمد» أي الغزنوي الحنفي ت 723 هـ)

فما كان من المحقق إلا أن حذفها، وكتب في الهامش: «وأدرج الناسخ في المتن: (كذا في تفسير عبد الصمد) وهو ليس أسلوب المصنف رحمه الله». [1/ 424] وهذا تصرف غريب جدا من هذا المحقق

المثال الثاني:

نقل آخر عن الغزنوي وحذفه المحقق زاعما أنه من إضافات الناسخ

في قوله تعالى: {وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} قال المحقق في الهامش أدرج الناسخ قوله: «قال في تفسير عبد الصّمد، وذكر الإمام أبو عاصم العامريّ محمد بن أحمد عن أصحابنا: (أنّ سلطانا لو دخل بلدا فذبح النّاس الذبائح تقرّبا إليه بذبحها وإراقة دمها؛ لم يحلّ تناول شيء منها؛ لأنّه قد أهلّ بها لغير الله…» [2/ 346] كلام يقدر بنصف صفحة

 

المثال الثالث:

وفي تفسير قوله تعالى: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ}  قال المحقق: «أدرج الناسخ هنا عبارة (رواه الحاكم في صحيحه)». [6/ 396]

المثال الرابع:

نقل عن الثعلبي (ت 427 هـ) وكذلك علقها المحقق في رقبة الناسخ، وحذفها من المتن

فما هذا الناسخ الذي يضيف ما يشاء كما يشاء، ثم كيف يثق أن كثيرا مما في الكتاب ليس من إضافته؟

والصحيح أن نقول: ما هذه المكابرة من المحقق والإصرار على نسبة هذا الكتاب للطبراني؟

 

مخالفة الكتاب لمذهب الطبراني العقدي

الطبراني كان من أهل السنة، وكان الجهمية يرمونه بأنه حشوي، والكتاب هذا على مذهب من يسمي أمثال الطبراني حشوية. قال يحيى بن عبد الوهاب ابن منده: «مَعَ هَذَا ‌ويطعنون ‌عَلَيْهِ ‌ويزعمون ‌انه ‌كَانَ ‌حشويا». [«جزء فيه ذكر أبى القاسم الطبراني» (ص356)]

من ذلك جعله آيات الصفات مما يحتاج إلى تأويل، فقد نقل قولا لم يعقب عليه، وهو: «والمتشابه نحو قوله {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ ‌اسْتَوى} ونحو قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}،ونحو ذلك ممّا يحتاج إلى تأويلها في الإبانة عنها)». [2/ 10]

ونقل قول الجهمية في الاستواء ولم يبين غلطه: «وقال بعضهم: معنى (استوى):استولى، كما يقال: استواء الأمير على بلد كذا؛ أي استولى عليه واحتوى وأحرزه، ولا يراد بذلك الجلوس». [3/ 148]

وهذا مخالف لما رواه في معجمه

«1381 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ الطَّالْقَانِيُّ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ حَرْبٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ‌إِذَا ‌قَعَدَ ‌عَلَى ‌كُرْسِيِّهِ ‌لِقَضَاءِ ‌عِبَادِهِ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي، وحُكْمِي فِيكُمْ، إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ، عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ، وَلَا أُبَالِي “». المعجم الكبير للطبراني (2/ 84)

ولما رواه الضياء المقدسي من طريقه

«153 – وَأَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ أَيْضًا – بِأَصْبَهَانَ – أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَهُمْ – قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ – أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَاذْشَاهْ، أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: «أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَتِ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ فَعَظَّمَ الرَّبَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَلَيْهِ مَا يَفْضُلُ مِنْهُ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ فَجَمَعَهَا وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ إِذَا رُكِبَ مِنْ ثِقَلِهِ». وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ». الأحاديث المختارة (1/ 264)

مثال ثان:

جاء في هذا التفسير «قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ ‌مَنْ ‌فِي ‌السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} معناه: أأمنتم يا أهل مكّة ‌من ‌في ‌السّماء سلطانه وقدرته». [6/ 315]

وهذا تحريف لكلام الله تعالى، زادوا فيه كلمات غيرت معناه، وهذا فعل زنادقة الجهمية.

وجاء في التفسير: «وقيل: أأمنتم ‌من ‌في ‌السّماء، وهو الملك الموكّل بالعذاب، يعني جبريل». [6/ 315]

وهذا تفسير لم يوسوس به إبليس فيما علمنا لأحد قبل الواحدي الأشعري في المئة الخامسة، ولو كان وسوس به لأحد قبله لوجدنا الجهمية فرحوا به ونشروه قبل زمان الواحدي.

أما الطبراني فقد روى في الدعاء [1082] ثنا مطلب بن شعيب ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني زيادة بن محمد الأنصاري عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد الأنصاري عن أبي الدرداء أنه أتاه رجل فذكر له أن أباه احتبس بوله وأصابه الأسر بحصاة البول فعلمه رقية سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‌«ربنا ‌الله ‌الذي ‌في ‌السماء ‌تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض»

 

مثال ثالث:

قال: «قوله تعالى: {فَلَمّا ‌تَجَلّى ‌رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أي ظهر له من نوره ما شاء، ويقال ألقى عليه نورا من الأنوار». [3/ 192]

وهذا تفسير جهمي، وأما الطبراني فإنه أثري، وقد روى عنه الضياء المقدسي في المختارة 2539 – أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني – بأصبهان – أن محمود بن إسماعيل الصيرفي أخبرهم – وهو حاضر – أبنا أبو الحسين أحمد بن فاذشاه، أبنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا هريم بن عثمان الراسبي، ثنا عمر بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قال: ‌تجلى ‌له ‌‌بِخِنْصَرِهِ» [7/ 115]

 

مخالفة الكتاب لمذهب الطبراني الفقهي

الواضح من هذا الكتاب أن مؤلفه حنفي المذهب، حتى أن محققه انتبه لهذا، ولكنه بدلا من أن يعيد نظره في نسبة الكتاب، ذهب ينسب الإمام الطبري إلى الفقه الحنفي، فقال: «للضرورة العلمية ومن خلال دراستنا لكتابه التفسير الكبير، نجد أن الإمام الطبراني ‌حنفي المذهب». [1/ 85]

وهذا عجيب فالطبراني متفق على حنبليته، والمحقق يعرف هذا، فقد قال: «وينظرون إلى كل محدّث على أنه حنبلي المذهب، ومن ذلك نظرتهم لمذهب الإمام الطبراني رحمه الله، حيث نجد أن البعض يدرجه في تراجم الحنابلة»

 

أدلة أخرى

ذكر الدكتور بشار عواد معروف أن الكتاب يحتوي على كثير من الأحاديث ليست من رواية الطبراني، ولم يشر أحد إلى أن الطبراني رواها أو ذكرها في تفسيره. كما أن هذا التفسير لم يجد من نقل عنه شيئًا وعزاه إلى الطبراني.

 

 

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 1٬857 times, 2 visits today)
عدم صحة الكتاب المسمى: التفسير الكبير للإمام الطبراني
تمرير للأعلى